يفترض بحيدر العبادي ان يترك تنظيم «داعش» في الموصل افضل من ان يسلمها الى مسعود برزاني (بالوكالة) والى رجب طيب اردوغان (بالاصالة) لتكون كركوك، وهي المنجم النفطي الكبير،الضحية الثانية في اللعبة العثمانية.
هذا ما تقوله لنا شخصية عراقية بارزة، وبعيدة عن الضوضاء الطائفية والاتنية، لتسأل عن مصير السنّة في العراق اذا ما ذهبت الموصل ومعها كركوك الى الثنائي التركي - الكردي؟
اي صدقية لاهل السياسة،سنّة و شيعة وقد تبعثروا ايدي سبأ، لكي لا تظهر الغطرسة العثمانية، وبمنتهى الفظاظة، «نحن هناك بطلب من رئيس اقليم كردستان». هكذا مثلا يحق للجيش اليوناني ان يدخل الى اسطنبول وبطلب من محافظ المدينة.
الفديرالية في العراق لا تولي رئاسة الاقليم اي صلاحية لطلب تدخل قوات اجنبية مثلما لا تولي الفديرالية في الولايات المتحدة حاكم ولاية تكساس طلب مثل هذه القوات. لكن هشاشة الدولة (والسلطة) في العراق هي التي شرّعت الابواب امام كل اشكال الانتهاك..
الطريف ان العبادي يحذر من حرب اقليمية اذا ما بقيت القوات التركية على الارض العراقية. حرب بين من ومن اذا كان العراق مشتتاً بين عربي و كردي، ومع اعتبار التفتت الشيعي والتفتت السني على السواء.
اكثر من مرة اشرنا الى ما حدث في مؤتمري سيفر ولوزان. الاتراك مازالوا محكومين بهاجس حلب والموصل على انها ضاحيتان عثمانيتان ويفترض ان تعودا الى السلطنة...
مضحكة ذريعة انقرة بأن الوجود العسكري التركي في العراق هو لحماية سنّة الموصل من الحشد الشعبي الشيعي، فمن هي الجهة التي اناطت بتركيا مسؤولية حماية السنّة في العراق وسوريا بعدما دفعت السلطنة بالسنّة العرب (الذين لا تزال تزدريهم حتى الان) الى قارعة الزمن ولاربعة قرون بل لاربعين قرنا اذا ما اخذنا بالاعتبار التطور النوعي الذي حدث في الغرب على امتداد تلك الحقبة...
لا احد مثل العرب لديه تلك القدرة الهائلة على الانشطار. السنّة في العراق لم يكونوا المثال الذي يحتذى حين كانوا في السلطة، والكثيرون منهم كانوا ضحايا هذه السلطة، والشيعة ما ان تسلموا الحكم حتى عاث الكثيرون منهم فسادا بالانتهاك المريع للمال العام، وانزلقوا الى حرب المرجعيات..
لا احد يمكنه ان ينفي اللوثة المذهبية داخل الحشد الشعبي، وان كان ثابتا ان بين قيادات هذه المنظومة من هم بعيدون كليا عن تلك الثأرية الفظة. مجموعات من الحشد راحت تردد اناشيد كربلائية على ابواب الفلوجة ودون اي اعتبار للحساسية المذهبية في تلك اللحظة، وكيف يتم توظيفها اعلاميا وسياسيا الى ابعد الحدود، والى درجة طلب النجدة من تركيا والسعودية لانقاذ سنّة العراق من الميليشيات الشيعية..
نسأل ايضا كيف يمكن زج المرجعية الشيعية، وهي ليست موحدة على كل حال ( لاحظوا التراقص العصبي لمقتدى الصدر)، في كل قرار سياسي او عسكري، مهما كان الرصيد الاخلاقي والوطني للمرجعية، وفي مناخات الغليان المذهبي، وما دامت هناك المؤسسات الدستورية هي التي ترعى شؤون الدولة لا المؤسسات الدينية...
لكنها اللعبة المعقدة اياها لاعادة العراق الى ما قبل الوحدة. جزء لتركيا وجزء لايران وجزء للسعودية، كما لو ان البلدان الثلاثة، مهما بلغت قوتها، بمنأى عن الاعصار، بأشكاله المتعددة، وكما لو انها لا تدري ان الدول الكبرى رسمت خطوطا حمراء، او انها تستثمر اي جنون جيوسياسي او اي جنون ايديولوجي، في خدمة مصالحها...
مثلما الخارطة السورية ذاهبة الى التبعثر، وقد تبعثرت، الخارطة العراقية ذاهبة الى التبعثر، وقد تبعثرت. لكننا نقول لحيدر العبادي الذي يدرك مدى تخلخل الدولة، ومدى تخلخل السلطة، في بلاده، اترك الموصل في يد ابي بكر البغدادي كي لا تنتقل الى يد مسعود برزاني موقتا لتؤول، ومعها كركوك بثرائها النفطي (والتاريخي)، الى رجب طيب اردوغان...
هل العراق، بتاريخه الفذ وبموارده الطبيعية والبشرية، بحاجة الى تركيا والسعودية لحماية السنة، وبحاجة الى ايران لحماية الشيعة؟ الموال العراقي حزين و يحكي قصة تلك التراجيديا الابدية التي تدعى... العراق!