إذا شئت أن تقرأ ما بعد عنوان هذا المقال فبها ونِعْمت، وإذا لم تشأ فأنت لن تكون على وعى بأسباب ما يجرى فى هذا القرن من أحداث إرهابية ترتكبها عقول قاتلة تزعم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وعلى الآخرين امتلاكها وإلا فمصيرهم القتل.
والسؤال بعد ذلك: مَنْ هو هذا الملحد ومَنْ هو ذاك المسلم العلمانى؟
الملحد اسمه سام هاريس (1967-؟) فيلسوف أمريكى مشهور بكتابه المعنون “ نهاية الايمان” (2004). أما المسلم العلمانى فاسمه ماجد نواز (1978؟). وُلد فى بريطانيا ومشهور بكتابه المعنون “ الراديكالى” . كان عضواً فى حزب التحرير الاسلامى الذى كان قد تأسس فى القدس فى عام 1953 إثر إحساس بأزمة فى الهوية الاسلامية بسبب تأسيس دولة اسرائيل فى عام 1948 فارتأى ضرورة احياء الخلافة الاسلامية، والطريق إلى ذلك تشكيل ذهنية الرأى العام الاسلامى من أجل تأسيس جماعات مسلحة فى البلدان التى بها غالبية اسلامية مثل مصر وتركيا وباكستان. انضم نواز إلى ذلك الحزب وكان عمره 16 سنة، وكان مملوءاً بالأشجان إلا أن الأشجان لاتكفى لكى يصبح الانسان راديكالياً، إذ من اللازم تحولها إلى معتقد مطلق.
وفى هذا السياق تمدد حزب التحرير الاسلامى إلى الأردن وسوريا والعراق و تركيا ، ومنها إلى جنوب آسيا. ونواز نفسه انشغل بترحيل اسلاميين ثوريين من بريطانيا إلى باكستان والدنمارك ومصر. وكان التركيز، فى عملية التجنيد، على ضباط الجيش لأنهم الوسيلة الوحيدة إلى إحداث انقلابات عسكرية. وقد حدث أثناء ذلك الانشغال أن وصل نواز إلى مصر فاعتقلته السلطة المصرية من عام 2001 إلى عام 2006.
وإثر الافراج عنه ترك الحزب وتخلى عن آرائه الاسلامية الراديكالية. وفى عام 2015 صدر الحوار بين هاريس ونواز فى كتاب عنوانه “ الاسلام ومستقبل التسامح”. فى بداية الحوار قال هاريس لنواز “ إننى أختلف معك ولكنى أدعمك”. ورد نواز قائلاً: إن غايتنا المشتركة دفع الآخرين إلى الديمقراطية والعلمانية. ومن هذين القولين نخلص إلى أن الحوار لا يعنى مقارعة الحجة بالحجة لأن لكل حجة حجة مضادة ، إنما يعنى البحث عن مشروع مشترك.والسؤال اذن: ما هو هذا المشروع المشترك ؟ لفظ المشروع فى اللغة العربية كما فى اللغة الأجنبية يعنى رؤية مستقبلية، ومن ثم يكون البحث عن مشروع مشترك يعنى البحث عن رؤية مستقبلية مشتركة بين الملحد هاريس والمسلم العلمانى نواز.
يبدأ نواز بالتفرقة بين الاسلاميين والجهاديين من حيث إن الاسلاميين هم الذين يشتهون تطبيق الشريعة على المجتمع فى حين أن الجهاديين هم الذين يستعينون بالسلاح. ثم يميز بين أربع فرق اسلامية وهم الاسلاميون والجهاديون والمحافظون والاصلاحيون. المحافظون هم الملتزمون بالقيم الاسلامية التقليدية. والاصلاحيون هم الذين لديهم تأويلات صالحة لهذا الزمان. وفى هذا السياق أنشأ نواز مؤسسة أطلق عليها لفظ “ كويليام” دعا فيها إلى اسلام علمانى يمكن أن يضم المحافظين والاصلاحيين الذين من الممكن أن يكونوا علمانيين. ومع ذلك فإن نواز يقر بأن الغلبة حتى الآن للاسلاميين الذين يؤمنون بضرورة الاستشهاد وكذلك الغلبة للجهاديين الذين هم ملتزمون بممارسة العنف دون الالتزام بممارسة طقوس المعتقد المطلق، وهم الذين كانوا وراء أحداث 11/9.
وسواء كنت اسلامياً أو جهادياً فإنه من المسموح لك أن تخدع العدو وذلك بأن تمارس أنواعاً من الملذات تكون متعارضة مع الايمان. غير أن هذا الخداع لن يمنعك من الذهاب إلى فردوس النعيم. ولا أدل على ذلك من انتهاك بوكوحرام لأعراض النساء. ولهذا فإن هزيمة الاسلاميين أو الجهاديين عسكرياً ليست كافية.
ولا أدل على ذلك من أن قتل بن لادن لم يمنع من حدوث ما هو أسوأ والمفارقة هنا أن بن لادن نفسه كان يتوهم غرس قيم الديمقراطية ببرميل من البارود. والسخرية هنا أن أوباما توهم أن فى إمكانه غرس نفس هذه القيم بدون هذا البرميل فاشتد تحكم الاسلاميين حتى ساد تيار “ الدولة الاسلامية” الذى اسمه “ داعش”. ومن هنا يكون من اللازم الانشغال بمعرفة هوية داعش. ومع ذلك فإن نواز يحذرك من أن تقول عن هذه الهوية بأنها متطرفة لأنك فى هذه الحالة ستضطر إلى أن تدعو إلى اصلاح الدين ذاته لأن داعش ذاتها تبرر أفعالها قرآنياً. والسؤال اذن: ما البديل؟ كان جواب هاريس أن البديل هو نشر العلمانية فى المجتمعات الاسلامية.
إلا أن نقطة الضعف فى هذا البديل أنه يُنظر إليه على أنه قاتل للهوية الدينية. وكان رد نواز أن هذا البديل ممكن إذا تحالف الاصلاحيون والاسلاميون مع غير الاسلاميين للتعامل بروح نقدية مع التخوف من قتل هذه الهوية. إلا أن هذا التحالف ليس وارداً حتى الآن، وبالتالى فإن البديل يمكن أن يكون فى تحالف المسلمين المعتدلين والليبراليين لمساندة المسلمين ضد المتطرفين.إلا أن هاريس كان له رأى آخر وهو إجراء حوار صريح حول التعصب الاسلامى لتغيير ذهنية ملايين من البشر.
والرأى عندى أن هذا الرأى ممكن إذا أٌخذ بتعريفى للعلمانية على أنها التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. وفى هذا السياق يمكن اجراء حوار بين ملحد ومسلم علمانى.