يبدو ان الصراع المتصاعد بين رئيس الولايات المتحدة الجمهوري جورج بوش والكونغرس الديموقراطي بمجلسيه سائر الى الصدام أي الى المواجهة التي لا بد ان يكون فيها غالب ومغلوب وان تحت عنوان تسوية ما يتم التوصل اليها في الساعات الاخيرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
هذا ما تؤكده مصادر مطلعة في واشنطن انطلاقا من متابعتها الوضع فيها من قرب. وتلفت هذه المصادر الى ان الشيوخ الجمهوريين عادوا من المناطق التي يمثلونها بعد انتهاء احدى عطلاتهم بمعنويات ضعيفة للغاية. والسبب الاساسي لذلك هو الآراء التي سمعوها من ناخبيهم في تلك المناطق "كباراً وصغاراً" والتي طالبتهم بالحاح باقناع الادارة الجمهورية باجراء تغيير جذري في سياستها الخارجية وخصوصا في موضوع العراق وبوضع استراتيجيات جديدة تنقذ العسكر الاميركي من مصير محتوم في هذا البلد وما تبقى من هيبة اميركية في المنطقة والعالم وتحفظ الحد الأدنى الضروري من المصالح الاميركية الحيوية والاستراتيجية. وتلفت المصادر نفسها ايضا الى ان الشيوخ الديموقراطيين عادوا الى واشنطن من العطلة نفسها باقتناع اساسي وربما وحيد هو ان فوز مرشح حزبهم في الانتخابات الرئاسية المقررة في خريف السنة المقبلة يتوقف الى حد كبير على انهاء التورط الاميركي في العراق. ولعل ما سمعه هؤلاء من ناخبيهم في ولاياتهم كباراً وصغاراً من كلام واضح وصريح جعلهم يقتنعون بأن الرأي العام المؤيد لهم لم يلمس انهم بعد تحولهم اكثرية في مجلسي الكونغرس في الخريف الماضي حققوا اي انجاز او اي هدف من الاهداف التي وضعوها لانفسهم. وما يؤكد معلومات المصادر المطلعة في واشنطن هو استئناف الكونغرس الديموقراطي حربه على الرئيس الجمهوري بوش وادارته بعد انتهاء العطلة من خلال معركتين واحدة في مجلس الشيوخ واخرى في مجلس النواب. في الاولى أخفقت الاكثرية في الحصول على العدد المطلوب من الاصوات لاقرار مشروع قانون يتعلق بالعراق والانسحاب منه اذ كانت تحتاج الى أصوات اربعة شيوخ جمهوريين كانت تتوقع انضمامهم الى مشروعها من دون ان يتخلوا عن عضوية حزبهم. الا ان هذا الفشل كان في رأي كثيرين خطوة على طريق النجاح. ذلك ان ستة شيوخ جمهوريين انضموا حتى الآن الى مواقف الغالبية الديموقراطية في موضوع العراق. ومن الآن الى نهاية الصيف سينضم اخرون اليها الامر الذي سيكوّن جبهة من ستين شيخاً وربما اكثر قادرة على معالجة او بالاحرى على تعطيل اي "فيتو" قد يمارسه الرئيس بوش على القوانين التي يمكن ان يوافق عليها المجلس والتي لا تحظى بموافقة البيت الابيض. والانضمام المتوقع هذا شبه اكيد لان الناخبين يراقبون بكثير من الاهتمام مواقف ممثليهم في الكونغرس بمجلسيه ويطلعون على تصويتهم على مشروعات القوانين التي تهمهم، وهم سيحاسبونهم من دون ادنى شك في مستقبل غير بعيد سواء في الانتخابات الرئاسية او النيابية. اما المعركة الثانية في مجلس النواب فقد ربحها الديموقراطيون.
إلام سيؤدي ذلك؟
تعتقد المصادر المطلعة في واشنطن ان الرئيس بوش سيجد نفسه مضطراً في ظل المواجهة الحادة والصعبة التي يخوض الى وضع استراتيجيا جديدة وخصوصاً للوضع في العراق وخطة جدية للخروج منه. ويبدو ان كبار الديموقراطيين والجمهوريين في الكونغرس يعملون بجد للتوصل الى مثل هاتين الاستراتيجيا والخطة وهم يدرسون احتمالات كثيرة ابرزها اعلان بوش قبوله بل تبنيه كليا تقرير مجموعة بايكر – هاميلتون والتي كلفها الكونغرس درس وضع العراق ووضع استراتيجيا الخروج منه فاذا اقتنع بذلك كان حسناً، واذا لم يقتنع فإن مجلس الشيوخ سيفرضه عليه وبأكثرية 60 صوتاً او يزيد. ويعني ذلك تنفيذ التوصية في التقرير التي تدعو الى اعادة انتشار في العراق هي في الواقع انسحاب بدءا من شهر آذار 2008، علما ان المصادر اياها تعتقد ان ذلك قد يبدأ من دون اعلان وبهدوء في حدود تشرين الثاني المقبل.
ماذا سيحصل في العراق بعد ذلك؟
قبل الجواب عن هذا السؤال، لا بد من الاشارة الى ان تقرير بايكر – هاميلتون يتضمن توصيات لفتح حوارات مع ايران وسوريا اللتين في رأي بوش وحزبه والديموقراطيين تؤثران سلباً في العراق على العراقيين وعلى القوات الاميركية. ولا بد من التساؤل اذا كان قبول بوش التقرير سيفتح الباب امام تنفيذ حوارات كهذه. والواقع ان احد يعرف. علما ان كثيرين يستبعدون ذلك لان اعادة الانتشار (الانسحاب) هي اعتراف في شكل او في آخر بهزيمة غير مباشرة قد تتحول مباشرة لاحقاً. وفي اجواء كهذه هل يمكن تصور بوش محاورا الذين تسببوا بهزيمته اي السوريين والايرانيين او تصور الديموقراطيين يحضونه على ذلك؟ لكن ما يعرفه كثيرون هو ان بوش عنيد وان الغالبية في الكونغرس مصممة على النيل منه في حال ظل معانداً وان على حساب مسلمات كثيرة. اما بالنسبة الى السؤال فان جوابه شبه واضح. فمن جهة يرفض العراقيون المتقاتلون وجيرانهم العرب والايرانيون التقدم بأي مساعدة عملية لترتيب اوضاع العراق وعلى العكس من ذلك فان بعضهم يبالغ في دفعه الى الاقتتال والفوضى والى استهداف القوات الاميركية ويتهم اميركا بالمسؤولية عن ذلك ثم يتمسك ببقائها عسكرياً في العراق عندما تلوح بالانسحاب خوفاً من انهيار الاوضاع. لكن الولايات المتحدة لم تعد قادرة في ظل الاخفاق في تحقيق اي تقدم عسكري وامني، وفي ظل اخفاق طوائف العراق ومكوناته وقادته في القيام بالحد الادنى المفيد لبلادهم على الاستمرار. وصار خروجها ضرورياً لها. علما انها حتى الآن لا تملك استراتيجيا خروج. وبعد خروجها فانها قد تحمي حلفاءها في الخليج او بعضهم اذا كانوا مستعدين لحماية انفسهم وللمساعدة. اما اذا كانوا غير مستعدين لذلك فقد يكون من الافضل لاميركا ترك العراقيين وابقاء المنطقة بدولها كلها وخصوصاً اصولييها الشيعة والسنة ولاحقاً معتدليها يقتتلون مع السعي المستمر لحصر آثار ذلك بحيث لا يخرج من المنطقة الى العالم. وفي هذه الاثناء، كما تقول المصادر المطلعة في واشنطن لا بد ان تحضر اميركا نفسها لمواجهة من أحبطوها بفاعلية كبيرة وهم معروفون