فالليبراليون المسيحيون .. يختلفون عن الليبراليين المسلمين .. والليبراليون المسلمون يختلفون حسب مذاهبهم ونحلهم .. وبالطبع لتقاليد المجتمع دور بارز في بلورة النتاج الفكري .. للمفكرين الليبراليين من أبنائه .. تاريخها / بدأت الليبرالية الغربية في فرنسا أيام ثورتها المشهورة ... وبما أن الليبرالية تعني التفكير بحريّة وعقلانية .. تمخض عن هذا التفكير صناعة الأحزاب ... فمنهم من توصل فكريّا إلى أن الشيوعية هي الأفضل .. ومن من اعتنق التعاليم الدينية ومبادئ الكنسية .. ومنهم من اختار العَلمانية والرأسمالية .. ومنهم من جعل الحرية المبدأ والمنتهى , الباعث والهدف , الأصل والنتيجة في حياة الإنسان , وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر وشرح أوجهه والتعليق عليه.. وهناك من توصل فكريا إن أن الشيء المهم المطلق هو التركيز على أهمية الفرد وضرورة تحرره من كل نوع من أنواع السيطرة والاستبداد , فالإنسان يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه : تسلط الدولة (الاستبداد السياسي) , وتسلط الجماعة (الاستبداد الاجتماعي) , لذلك نجد الجذور التاريخيَّة لليبرالية في الحركات التي جعلت الفرد غاية بذاته , معارضة في كثير من الأحيان التقاليد والأعراف والسلطة رافضة جعل إرادة الفرد مجرد امتداد لإرادة الجماعة.. هذا ما توصل إليه فكرهم على نحو خاصة .. ولا يمكن اعتماد الفكر العلماني .. أو التحرري .. أو الشيوعي .. أو الرأسمالي .. لا يمكن اعتماد أي منها كتفسير مطلق لليبرالية .. لأن الليبرالية لا تتعدى كونها منهجا فكريا محايدا .. ومن أمثلة النظم الليبرالية العريقة : 1- النظام البرلماني مثل " بريطانيا" 2- النظام الرئاسي "الولايات المتحدة" 3- النظام شبة الرئاسي كما في " فرنسا".. الليبرالية لا تعني الديمقراطية .. التعارض الناشئ عن تقديس حقوق الفرد وجعلها غاية المجتمع وتعارض ذلك مع الديمقراطية التي يفترض فيها اتباع رأي الأغلبية... وبهذا يصبح الليبراليون تيارا فكريا يصبح طرفا في الحراك الديمقراطي .. مما جعلنا نسمع عن ليبراليين وأصوليين .. وهكذا .. ولذلك لأن الليبرالية لا تعني التعددية .. ولكنها تقبل بالآخر قبولا تاما .. ومنهجها الفكري يقوم على ( التحليل المنطقي العلمي والعقلاني للأمور ) لذلك فقد شكل الذين يتبنون هذا الفكر تيارا منفصلا عن غيرهم بشكل واضح .. الليبراليون العرب والمسلمون عندما تم تصدير الليبرالية إلى العالم العربي والإسلامي .. لم يتم تصديرها كمبدأ .. أو فكر .. بل تم تصدير ما تمخض عنها من نتائج سياسية وتربوية .. وأخلاقية .. كانت مناسبة للعقلية الغربية .. وهذا شيء مهم جدا .. يجب أن نفهمه .. لذلك فقد رفض معظم المسلمين والعرب وقتها ... الليبراليين بينهم .. حتى انقشع الاستعمار .. ثم ظهرت الحركات والأحزاب .. وبالتالي خرج من تسموا بالليبراليين .. وهم في الحقيقية ليسوا ليبراليين .. يمكن أن يقال عنهم أنهم (مقلدون للماديات الغربية فقط ) إذا أنهم لو فكروا بطريقة ليبرالية .. لتوصلوا إلى أمور تناسب مجتمعاتهم .. لأن التفكير بطريقة ليبرالية .. يعني أن تتعاطى مع التاريخ .. والدين .. والسياسة .. والأخلاق .. بطريقة منهجية .. فيمكننا أن نقول مثلا عن ابن تيمية أنه كاتب ليبرالي إسلامي .. لأنه درس العقيدة وفسرها بطريقته على أسس عليمة ومنهجية .. إذن هو فكر بطريقة ليبرالية عقلانية مع المحتوى الديني الذي لديه .. وكذلك غيره من العلماء في شتى العلوم ... المشكلة في محاربة الليبرالية من قبل الإسلاميين ليس في الفكر الليبرالي الحقيقي .. وإنما في من أخذوا مسمى الليبرالية .. ولم يحملوا منه إلا ما توصلت إليه ليبرالية الغير مع ثقافة ذلك الغير ... فوبيا الليبرالية منعت الكثير من البحث عن معناها الحقيقي والاستفادة منها في بلادنا .. الليبرالية والإسلام ..!! الإسلام كدين هو دين الحرية..ورسالته هي : أن يحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..!! ومداهنة الظلم مناقضة صريحة لرسالة الدين الذي جاء ليقيم العدل ..ومداهنة الظالم على ظلمه هو كتمان للعلم حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه ..وإذا أعتقد بعض البسطاء أن من سد الذرائع دعم الظلم ومداهنته فهم بهذا يخدعون أنفسهم ويخونون أماناتهم . والخلاصة أن تشويه كلمة (الليبرالية) يبدو متعمدا ... والسبب الرئيسي هو الجهل بها. وما حدث هو أن كلمة ليبرالي أو حداتي استبدلت بكلمة عَـلماني .. أو صارت محاكية لها في معظم الأحيان .. وتم خلق صورة نمطية لكل من يختلف عن مجتمعه .. أو عن السائد فيه ..باعتباره ليبراليّا .!!. وهكذا سيجري لعن الليبراليين على الألسنة دون أن يعي أكثر اللاعنين ما تعنيه هذه الكلمة.. فالثقافة سماعية والمصدر دائما قال فلان في خطبة مرتجلة , أو شريط طائر ...!! هل في الإسلام ليبرالية ؟ إذا كان الليبرالي معناه الحرّ فكريا فهل المسلم غير حرّ...أبدا فالإسلام دين الحرية وكلمة الفاروق كالعلم هنا " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " واستباقا لقول قائل : "أن المسلم غير حرّ أمام القوانين الإلهية " نقول :وحتى الليبرالي وحتى أي إنسان عاقل , ليس حرا أمام الأنظمة والقوانين .. فالفرق إذا يكمن في نوعية الأنظمة والقوانين لدى الغرب الأنظمة وضعية ..ولدى المسلمين هناك أنظمة ربانية متفق عليها لا يمكن تجاوزها وأولها العبودية لله جلّ شأنه. وبالتالي فليس الخلاف بين الليبرالية وخصومها في مسألة الدين وعبادة الله ...وإنما الخلاف في عبادة الأنظمة الديكتاتورية .. فالليبرالية ليست ديناً...وإنما هي آلية يمكن أن تلتقي الأطياف باختلافاتها حولها .. ومثال حركة كفاية الليبرالية المصريّة التي تطالب بانتخابات حقيقية ونزيهة وبالتعددية واحترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء ..........إلخ وحول هذه الحركة يلتف كثير من الإسلاميين والوفديين والناصريين واليساريين ........وذلك لأنهم يلتقون حول أهداف ليبرالية مشتركة..ويستخدمون آلية واحدة لإحداث التأثير والتغيير .. في سبيل أن تصل الشعوب إلى مستوى من الإدراك تختار فيه مرشحيها ليس تبعا لأشكالهم أو أيديولوجياتهم وإنما تبعاً لما يستطيعون تقديمه في سبيل الرخاء والتنمية والتطور ... الليبراليون السعوديون : 1- التعتيم الفكري حول الليبرالية في المملكة مورس تعتيم كبير على المستويين الرسمي والشعبي حول حقيقة الليبرالية ... فترى مثقفا سعوديا أو دارسا جامعيا .. أو أي شخص يحمل شهادة معتبرة .. لا يعرف ماذا تعني مصطلحات عادية مثل ( ليبرالية - أصولية - امبريالية - راديكالية -علمانية .. وهكذا ) .. لذلك فقد نشأ جيل من الأغلبية الساحقة صنفوا أي حركة غير التيار السائد في المجتمع على أنها حركة في خانة (العدو ) دون معرفة حقيقتها ابتداءا ونشأ أيضا فريق آخر .. من الذين استحبوا أن يطلق عليهم مسمى الليبرالية .. انحصر بها بعض دعاة التحلل والإباحية والمجون ..وبدأ العوام وحتى بعض النخب يحكمون على الليبرالية من خلال بعض أدعيائها .. فالذين يريدون إجبار المرأة على خلع حجابها لا يمثلون الليبرالية .. والذين يعتقدون أن أقصى مطالب الليبرالية هو أن تمشي المرأة سافرة وتشاركهم الرقص الجماعي ..هؤلاء لا يعرفون الليبرالية ولا يفقهون عنها شيئا . وهم لا يختلفون عن أولئك الذين يحكمون على الإسلام تبعا لما يقوله أبو حمزة أو أبو قتادة ..!! الليبرالية الحقة هي مع اختيار الإنسان لقناعاته الفكرية وهي لا تصادم هذه القناعات ولا تحاول تغييرها .. والليبراليون الحقيقيون هم الذين دافعوا عن النائبة التركية التي طردت من البرلمان بسبب حجابها.. وليس هم أعضاء يلبسون أقنعة الأسماء المستعارة ويتشدقون ضد قناعات المجتمع ومقدساته.. ما تدعو إليه الليبرالية الحقة هو تكريس الشفافية والتسامح وقبول الآخر المختلف ورفض الإقصاء والديكتاتورية واحترام القوانين والمؤسسات والدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان , والدعوة للتنمية والرخاء بعيدا عن التعصب الأيديولوجي والديني والفكري ومحاربة العنصرية والطائفية وإعطاء المرأة حقوقها التي تنص عليها القوانين وفي الدولة الإسلامية إعطاء المرأة حقها الذي تنص عليه الشريعة الإسلامية الصحيحة.. ومحاولة تلبيس الليبرالية بعض سخافات مدعيها ..هي محاولة إما ساذجة أو ذكية .. فهي ساذجة عندما تصدر ممن لم يفهم الليبرالية وهي ذكية عندما تصدر ممن يسعى لتشويهها خوفا منها .. لكنها في النهاية محاولة فاشلة لأنه لن يصح إلا الصحيح ...! 2- الليبراليون السعوديون وصراعهم مع التيار التقليدي : الليبرالية التي يحكمها القانون في الأنظمة الوضعية يمكن أن يحكمها الوحي في النظام الإسلامي خصوصا وأن التفسيرات المتنوعة للأدلة الشرعية غير القطعية تعطي مجالا كبيرا للتعددية والاختلاف .. الإسلام لا يقيد حرية الإنسان إلا إذا اعتبرنا أن القانون يقيد هذه الحرية والليبرالية من أهم مطالبها هي احترام القانون والمؤسسات أما العقل فهو لا يتعارض مع الوحي الصحيح وقد جعل كثير من العلماء العقل كمرجعية أساسية حتى في رد بعض الأحاديث الغريبة فجعلوا النظر في متن الحديث لا يقل أهمية عن النظر في سنده ظل التقليديون في السعودية ولفترة طويلة يركزون على قضايا صغيرة بجعلها مطالب كبرى مثل منع كتاب أو منع مسرحية أو منع مناقشة قيادة النساء للسيارة .. ولم يركزوا قطعا على العدالة , وحقوق الإنسان , والديمقراطية , والمؤسسات , ومحاربة الفساد المالي , واستقلال القضاء, وحرية الصحافة .. بل أن بعضهم بات يحارب بعض هذه العناصر.. وقد خلق ذلك صراعا أزليا بين التقدميين ( الليبراليين ) وبين التيار الصحوي (التيار التقليدي) وكانت سيطرة الأخير على المنابر .. واحتكاكه المباشر بالعوام ... أثرا كبيرا في تنحية الطرف الآخر .. والذي يعد أصلا فكرا جديدا .. ويحتاج المجتمع لفترة كبيرة حتى يستوعبه .. ومن بعد ذلك يطبقه .. وبالتالي فقد انحصر هذا الفكر في النخب .. والأكاديميين ... و تأثيرهم بدا ملموسا في الفترة الأخيرة خصوصا بعد 11 سبتمبر .. لكنه يظل متواضعا مقارنة بالنفوذ التقليدي والرجعي ..