هائل ما نقرأه في صحف عربية كبرى، ولمعلقين غربيين كبار، والمعيار هنا المال لا الابداع، حول اكثرية بقيادة تركيا واقلية بقيادة ايران. يفترض بالاكثرية هنا ان تشن حربا لا هوادة فيها ضد الاقلية اما لاجتثاثها او لتدجينها او لاعادتها الى...السراط المستقيم.
احد هؤلاء الكبار الذي ينتمي الى ثقافة البلاط لا الى ثقافة القرن حيث التفاعل مع الآخر لا الاجترار داخل العباءة، قال ان المشرق العربي سني، بالتالي العروبة سنية. لا اعتراض على ذلك مادام السنّة هم اهل الامة، نحن مقتنعون بذلك، ولكن الا تحاول بعض الانظمة ان تجعل منهم( ولن تستطيع) اهل الضغينة بل اهل تورا بورا؟
ثمة مفكر من الطراز اياه، وبالسيكار اياه، يقول «حين تستقيم العقول والضمائر في موسكو»، لا يشير البتة الى ما فعله الغرب بالقارة العربية، ودون ان يتوقف لحظة واحدة عند سياسات الادارات الاميركية حيالنا، نحن الذين يتحدث ريتشارد بيرل عن المحاكاة بين ادمغتنا وادمغة الابل...
لا ندري نحن كأقلية ترفض عودة النير العثماني كما ترفض الارتهان الايديولوجي والاستراتيجي لاي جهة اقليمية او دولية، اين نضع اقدامنا بل اين نضع رؤوسنا. لا داعي للتساؤل، بحسب الصحف الكبرى والمعلقين الكبار. لا مكان لنا سوى في الاقبية او في المقابر...
ندرك تماما ان كل كلمة تكتب انما تصدر عن غرفة عمليات عقدت العزم على دفع الصراع في المنطقة الى حدوده القصوى، فقط لكي لا تمضي انظمة محددة الى الاندثار ما دامت تلعب ضد الزمن، بمقدار ما تلعب ضد الانسان. يقول التونسي عبد الوهاب المؤدب «هؤلاء ينظرون الى الله من ثقب في العباءة».
قيل، علنا، ليست الغاية ازالة رأس النظام في سوريا بل ازالة الدولة في سوريا. بالدرجة الاولى، هذه هي فلسفة السلطان العثماني الذي يحترف،على خطى آبائه، لغة الخداع، ولغة تشتيت المجتمعات للسيطرة عليها، اذ متى كان التركمان في سوريا اوالشركس او حتى الاكراد اقلية في سوريا، ولم يصلوا في بعض الاحيان الى مواقع عليا ان في المؤسسة السياسية او في المؤسسة العسكرية ناهيك بالمؤسسة الامنية؟
الآن تحول التركمان الى اتراك، وعلى رجب طيب اردوغان انقاذهم من براثن النظام، والان براثن الدببة، كما لو اننا نجهل ما فعله الاتراك بالتركمان في العشرينات من القرن الماضي، مع تأكيدنا على الفصل بين السلطة والشعب في تركيا التي فيها الكثيرون الكثيرون ممن يرفضون عودة الباب العالي ، وجنون الباب العالي، الى قصر يلدز.
قال قدري غورسل اذا ما تم تعديل الدستور واصبح رئاسيا فقد يأمر اردوغان بالعودة الى تقاليد السلطنة حيث كان يفترض بالوزراء، وبالجنرالات، وحتى بالجواري، الانحناء حتى تلامس وجوههم الارض بمجرد ان يظهر صاحب الجلالة...
ولأن تركيا هي قائدة الاكثرية، احد المعلقين الكبار الذي كرّس التحالف الثلاثي في المنطقة يدعو الى وضع كل الامكانات في خدمة اردوغان ليواجه روسيا عسكريا.
والسبب اذا انتصر فلاديمير بوتين في سوريا، فهو سيتوجه، حتما، الى المملكة العربية السعودية (هكذا بالحرف الواحد).
لم تعد عدوتنا ايران فحسب. الان عدوتنا روسيا التي لم يجد فيها المعلق سوى دولة تعاني من التخلخل السياسي، والتخلخل الاقتصادي، وبطبيعة الحال من التخلخل الاستراتيجي.
مضحك جدا ان يحكى عن الديكتاتورية في روسيا. في تركيا الديمقراطية في ابهى مظاهرها،وحيث رجال الشرطة يلاحقون الصحافيين بالهراوات او بالاحذية. ماذا عن العرب؟ عند بعضنا، الديمقراطية ما تتقيأه القرون الوسطى..
لسنا في الموقع الذي ندافع فيه عن القيصر. اجل القيصر الذي انقذ بلاده من الكونسورتيوم اليهودي الذي طالما عمل على اغتيال روسيا بشراء المؤسسات والمصانع بأبخس الاثمان في عهد بوريس يلستين الذي كان يتدحرج في قامة القديسة كاترين كما برميل الفودكا، وفي عهد ابنته تاتيانا وعشيقها اليهودي نيكولاي تشوبايس الذي كاد يبيع الكرملين، فيما كان ميخائيل خودور كوفسكي يفاوض على بيع الصواريخ العابرة للقارات...
كعرب، اذ نقول بانقاذ سوريا، وانقاذ العراق، وانقاذ اليمن، نقول ايضا بانقاذ المملكة العربية السعودية التي، وبالرغم مما يكتبه او يقوله كتّاب، ومفكرو الباريزيانا، وهو ملهى قديم في ساحة البرج في بيروت، تواجه مأزقا مترامياً في اليمن. اخر صفقة لشراء القنابل، فقط القنابل، من الولايات المتحدة، لاستخدامها في اليمن تتعدى قيمتها المليار دولار. لتتوقف رقصة التانغو مع... الهباء!
لا يمكن لاي عربي ان يقبل باستعمال طهران للمعذبين في اليمن وللمحطمين في اليمن (بفعل سياسات عربية لا تخفى على احد) وقوداً تكتيكيا في اي صراع، ولكن الى اين نحن ماضون في الدوامة وفي الدم؟
ذاك النفاق بأن روسيا حين تقاتل تركيا انما تقاتل السعودية وينبغي ان نعلن الحرب عليها. المنطق يقتضي الخروج في الحال من لعبة الامم (ولعبة القبائل) لان الهاوية بانتظارنا اذا ما تكرست معادلة الاكثرية بقيادة تركيا والاقلية بقيادة ايران...
هذا ما تبتغيه الاستراتيجية الاميركية تحديدا : ان نتحول جميعا، جميعا دون استثناء، الى... حطام.