اثر قنبلة هيروشيما، كتب ياسوناري كاواباتا «الآن، ادركت لماذا تقول بعض النصوص ان الشيطان رفض الامر الالهي بأن يجثو امام الكائن البشري».
ماذا كان للكاتب الياباني الفذ ان يقول لو تسنى له ان يرى ما يحدث في الشرق الاوسط؟ كان فرانز كافكا يسأل بسوداويته الهائلة «لماذا ترتدي الملائكة الابيض ويرتدي الكهنة الاسود؟». هل يمكن للديانات وقد تحولت الى ايديولوجيات قاتلة ان تفعل كل هذا؟
واذ كان جيمس جيفرسون يقول «لكأن الله يتجول بين السطور في الدستور الاميركي»، كان على آلان غينسبرغ الذي انتقل من اليهودية الى البوذية ان يقول «لا شيء يوحي بأن الله لا يزال اياه في اميركا».
هل تحتاج القراءة البانورامية للمشهد في المنطقة لكل هذه السوداوية؟ نتوقف عند كلام المعلق الشهير فريد زكريا لاحدى الشاشات «اخشى ان اصل الى حد القول ان ثمة في واشنطن من يسعى لبقاء النظام ولبقاء التنظيم حتى اخر جندي في النظام وحتى اخر ارهابي في التنظيم».
لا يرى امكانية لاجتثاث تنظيم الدولة الاسلامية لان ثمة انظمة دفعت بمجتمعاتها على مدى عقود، وربما على مدى قرون، الى التعفن الفلسفي وربما الى التعفن الايديولوجي، والا كيف للوحوش ان تظهر هكذا على السطح؟ وحوش من طراز اخر، ليتساءل ما اذا كان الذين يمارسون كل تلك الهمجية يتحدرون من فصيل واحد. لا، بطبيعة الحال...
السؤال الاكثر دراماتيكية «اين دورنا في صناعة كل تلك الضوضاء؟».
تذكرون انه بعد زوال الاتحاد السوفياتي، اطلق الرئيس جورج بوش الاب تلك العبارة المدوية «النظام العالمي الجديد». للتو عقّب زبغنيو بريجنسكي «...بل الفوضى العالمية الجديدة». العالم تغيّر، ولكن هل غيّرت واشنطن نظرتها الى العالم؟
الاميركيون يريدون بقاء النظام والتنظيم. الحلفاء يريدون زوال النظام وبقاء التنظيم. بالرغم من كل الفظاعات التي يرتكبها «داعش» لا نزال نرى حتى الآن ان بعض المعلقين العرب يرقصون، بدورهم، برؤوس الضحايا. لماذا الهروب من الحقيقة؟ ثمة حالة ايديولوجية في المنطقة ترعرعت في عظامنا. قلنا اكثر من مرة انه التأويل التلمودي للنص، كان لا بد لها ان تنفجر سوسيولوجيا في لحظة ما...
ماذا يحدث لبعض الانظمة اذا ما زال التنظيم من الوجود؟الكراهية المبرمجة، الاهوال المبرمجة، لا شيء طارئاً هنا. ثمة انظمة وتدرك ألا مكان لها في زمننا، او في الزمن الآتي، الا اذا دفعت بالصراع الى النقطة التي قال عنها ناعوم تشومسكي «مثلما يضيع فيها الله يضيع فيها الشيطان ايضا».
حتما، لا نغفل ان للروس مصالحهم. المسألة تتعدى بكثير ما يتردد ما حول المياه الدافئة. للايرانيين فوق تلك الهضبة نظرتهم الجيوبوليتيكية الى المدى الذي يصل الى شواطىء البحر الابيض المتوسط. الجميع في الدوامة. لا يزال الكلام مبكرا عن النظام العالمي الجديد. اللعبة ستطول...
المثير ان يسأل الاميركي جورج كينان عن «اللحظة التي يرمينا فيها التنين(الصيني) من اعلى الجبل». لا نتصور ان الازمة السورية هي كل المشكلة. المشكلة في الاطلسي مثلما هي في الباسيفيك، في المتوسط مثلما هي في قزوين...
لا يكفي ان يصف كينان المنطقة بـ«جنة المجانين». العالم كله «جنة المجانين». يسأل الباحث الاميركي ما اذا كانت سوريا الارض المشتركة بين واشنطن وموسكو يمكن ان تفضي الى لغة مشتركة. لغة استراتيجية لان الابحاث تتكدس على طاولات الجنرالات في البنتاغون حول النمو الهائل في القدرات العسكرية للصين...
يرى ان ساعة التحول في المعادلات الدولية دقت. هذا يستغرق عقودا. هل يعني ذلك ترك الشرق الاوسط لآلامه، ولدمائه، طوال تلك المدة؟ الاميركيون ضغطوا على انقرة لاقفال الحدود التي كانت مشرعة امام كل مجانين، وكل مرتزقة، الدنيا. السعوديون مصرّون على تقويض النظام. لا ريب انها تمسك بخيوط كثيرة، وبفصائل كثيرة (الاجتماع المقبل للمعارضة السورية في الرياض يضم 30 فصيلا)...
قرار الرياض لا موطىء قدم للايرانيين في سوريا ولا في اليمن. العراق؟ هناك فوهة الجحيم التي تبتلع الجميع...
اي جنيف هنا؟ واي فيينا؟ لا بد من بقاء الصراع لتبقى الانظمة. عالم الاجتماع الفرنسي ادغار موران يرى ان هذا النوع من الصراع لا بد ان يفجر الجميع. الحل بالتحديث التدريجي للعقل السياسي كما للعقل الايديولوجي في المنطقة. كيف؟
لا احد يعرف كيف. حتى الستاتيكو بحاجة الى اعادة تركيب. اطيب التمنيات لـ«داعش» بأن يمضي في تلك اللعبة الهيستيرية. هذا وحده قد يكون الطريق الى المفاوضات الكبرى، التسويات الكبرى!!