محمد بلوط
«داعش» أنقذ اجتماع فيينا من الفشل.
الاستنتاج لا يهدف الى التذكير بمساهمة ابي بكر البغدادي في إنقاذ مجموعة الـ17، ولكن مجزرة باريس الدامية دفعت الكثيرين الى خفض سقف مطالبهم، وتسهيل التوصل الى بيان فيينا، وتجاوز الخلافات مؤقتاً، أو تأجيل حل بعض العناوين التي كان الروس قد قاطعوا بسببها الاجتماعات التمهيدية، وتكليف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بسحب «البطاطا اللاهبة» من النار بيدين عاريتين، والتي لم يتمكن الحاضرون من انتزاعها بأيديهم.
ومن بين تلك المسائل الملتهبة، مسألة تحديد الوفد المفاوض من المعارضين، الذين يقول بيانهم ان «على السوريين ان يختاروا من يمثلهم» من دون ان يوضح كيف سيقومون بذلك، علماً أن معظم الهيئات السياسية للمعارضة تقع تحت وصايات تركية أو خليجية، باستثناء لجنة القاهرة التي يقودها هيثم مناع، والتي تعمل بدعم سياسي مصري، فيما تعد هيئة مؤتمر «استانا» التي تقودها المعارضة رندا قسيس مستقلة عن أي وصاية اقليمية، الى جانب جناح واسع من المعارضة الداخلية، كـ «هيئة التنسيق».
ويجب إلقاء نظرة قبل كل شيء على الخطة التي كان الفرنسيون قد أعدوها، قبل ان يتغير كل شيء ليلة الجمعة الدامية، لفهم كيف أمكن التوصل الى بيان فيينا في النهاية. اذ كان مسؤول ديبلوماسي فرنسي قد شرح لصحافيين في باريس قبل يومين من الهجوم الارهابي «اننا سنعمل في فيينا ما بوسعنا لمنع الاميركيين من تقديم أي تنازلات للروس. نحن نعتقد ان السوريين وحلفاءهم والروس لن يستطيعوا تحقيق أي تقدم ميداني، وسيعود الروس بعدها نحونا لكي ننقذهم من الورطة، ونفرض الحل الذي نريد، لكن علينا ان ننتظر».
وكان صعباً جداً السجال في تصنيف مجموعات مسلحة إرهابية ام لا، أو المطالبة بفرض الائتلاف وحده ممثلا للمعارضة، أو الذهاب حتى النهاية في استراتيجية عرقلة أي اتفاق، في لحظة وطنية عصيبة، ما سهل التوصل في النهاية الى بيان فيينا. البيان يرسم خريطة طريق: مفاوضات في مطلع العام المقبل بين الحكومة السورية والمعارضة، حكومة موسعة بالتزامن مع وقف إطلاق النار، خلال ستة اشهر، تجري تعديلات دستورية، وانتخابات حرة في غضون 18 شهرا تحت رقابة دولية، وهي كلها عناوين لا تزال تحتاج الى استكمال، وقد يقوم بذلك الاجتماع المقبل لمجموعة الـ17 بعد شهر في باريس.
بيد ان البيان الذي صدر عن الـ17 في فيينا، وما بات يسمى «مجموعة دعم سوريا»، لا يجيب عن كل الاسئلة المطروحة، رغم انه يتفق على المطلوب بإطلاق مسار سياسي في سوريا، او على الاقل التمهيد لذلك، ولكن ليس قبل التوصل الى تحديد من يمثل المعارضة التي ستفاوض الحكومة السورية، وكيف يمكن بناء تحالف يتجاوز الخطوط الحالية، من بين المعارضين والجيش السوري ضد الارهاب.
وبخلاف جنيف، سيكون بوسع العشرين مفاوضاً سورياً او اكثر بقليل، المشاركة في الانتخابات التشريعية او الرئاسية، وهي عملية ترتدي اهمية كبرى، ذلك ان أكثرهم، سيدخل في الحكومة الموسعة، بسبب تمثيليتهم المدعمة بجلوسهم على مقاعد التفاوض، وتسهيلا لتطبيق ما سيتفق عليه.
واذا كان المؤتمرون انفسهم قد عجزوا عن التوافق على لوائح بأسماء مندوبي المعارضة، فسيكون صعبا على دي ميستورا القيام بذلك، ولكن مصدراً معارضا يقول انه اذا ما انقضى الشهر الحالي من دون التوافق على مندوبي المعارضة، فإنّ توافقا آخر يقوم على تكليف دي ميستورا بذلك يصبح تلقائيا خريطة الطريق الروسية، برغم عدم اكتمالها، مهمة، اذ بات يملك السوريون مساراً واضحاً، مع روزنامة تنفيذية، وعناوين مختصرة وواضحة، لكنها مشروطة. وللحكومة السورية ان تقول ان البيان أنهى الحديث عن هيئة الحكم الانتقالي، وعملية نقل الصلاحيات التنفيذية من الرئاسة اليها، وبات ينص على تأسيس «حوكمة موسعة وذات صدقية تمثيلية وغير طائفية»، وينص بوضوح على وضع العملية برمتها تحت قيادة سورية، اذ ان الخطوات التي طرحها تبدأ بمفاوضات يقودها الوسيط الدولي دي ميستورا، في جنيف في الاول من كانون الثاني المقبل، وللمعارضة ان تتمسك بأن المسار في النهاية سيفضي الى تغييرات تدريجية، ليست تلك التي توقعتها، عبر مسار أكثر تعقيدا من مسار جنيف الذي كانت ترى انه سينقل اليها السلطة، من دون المرور في محطة الانتخابات ومواجهة الناخبين السوريين، وهي محطة صعبة لبعضهم، أو إدارة البلاد تحت حكم الرئيس بشار الاسد، وبإشرافه لوقت طويل، قبل الدخول ربما في تعديلات دستورية.
البيان لا يحسم ما اذا كانت الانتخابات الحرة ستكون تشريعية او رئاسية. مسؤول كبير في الامم المتحدة أجاب ان اشتراك الرئيس السوري في هذه الانتخابات تحصيل حاصل. الروس مقتنعون بأن الرئيس الاسد قادر على الفوز فيها من دون صعوبة، والاستطلاعات التي أجريت تقول انه لا يزال يتمتع بدعم 65 في المئة من السوريين، خصوصا ان تقديرات تقول ان 13 مليون سوري يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، فيما سيكون صعبا جدا تنظيم انتخابات في أماكن النزوح.
البيان سيواجه ايضا مشكلة التزامن المفروض بين تشكيل الحكومة والتوصل الى وقف لإطلاق النار، اذ لن يكون سهلا إقناع الاطراف الكثيرة المسلحة بتسهيل تنظيم وقف إطلاق النار، حتى ان المجموعة نفسها لا تبدي تفاؤلا كبيرا بالتوصل الى ذلك. ويقول البيان ان نشر قوة مراقبة وقف إطلاق النار سيتجنب المناطق التي يمكن يتعرضوا فيها الى خطر الهجمات الارهابية.
البيان ايضاً عكس الخطر الذي كان يتهدد فيينا بالانفجار، اذ تم تأجيل البحث بتصنيف المزيد من المجموعات المسلحة إرهابية. اكتفى نصاً بإضافة ضرورة هزيمة «داعش» و «جبهة النصرة» ومجموعات اخرى من دون تسميتها. ولكن البيان الذي يهرب من خطر انفراط عقد الـ17، ينص على تكليف الاردن اقتراح لائحة بتنظيمات إرهابية اخرى، وتسميتها للتوافق بشأنها في الاجتماع المقبل. والاردن اقتُرح لأنه يحظى بدعم روسي وأميركي ورضى خليجي نسبياً، ويدعم الخطة الروسية في سوريا، على ما قاله الملك عبدالله الثاني.
وليس من المتوقع بأي حال ان يقبل المثلث التركي القطري السعودي بإضافة أي من المجموعات التي يمولها ويسلحها، وان يلقي بها طعما للطائرات الروسية، التي تقصفها بأي حال من دون انتظار تصنيفها. ولكن الروس يسعون الى دفع تلك الدول الى تصنيف جماعات «أحرار الشام» و «جيش الاسلام» و «جند الاقصى» كمجموعات إرهابية، لدفع المثلث الى وقف تمويلها وتقصير أمد الحرب، وهو رهان صعب جداً، لأن السعودية لن تتخلى عن أوراقها السورية بسهولة، ولن يتخلى الاتراك عن «أحرار الشام» بعدما أمضوا اعواما في ترتيبها مع استخباراتهم. وحتى لو تم تصنيفها إرهابية فالارجح ألا يغير ذلك شيئا كبيرا في تمويلها، اذ لا تزال القرارات 2170 و2173 ضد تمويل «النصرة» و «داعش» حبراً على ورق، ولا تزال تركيا تمنح هؤلاء المسلحين الممر الى سوريا بخلاف قرارات مجلس الامن، وتمولهم مع قطر والسعودية.
الاختبار للبيان بدا فور التوقيع عليه. وقبل ان يجف حبره كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يقول انه سيجبر الرئيس الاسد على التنحي إما «سياسيا أو بالقوة».
السفير