دوللي بشعلاني
مع دخول تنظيم «داعش» على خارطة منطقة الشرق الأوسط من البوّابة السورية، وبغطاء أميركي وعربي سنّي، يتساءل بعض المراقبين: أين أصبح حلم المدّ الشيعي الإيراني الذي سبق وأن برزت تصريحات رسمية عدّة لسياسيين عرب تُحذّر منه. فلا أحد ينسى تصريح الملك الأردني عبد الله الثاني عن مخطط إيراني لإقامة هلال شيعي في المنطقة،
يبدأ من إيران وينتهي في لبنان، كما تصريحات الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عن أنّ الشيعة في العالم العربي ولاؤهم دائما لإيران. فضلاً عن تحذير الرئيس اليمني من النفوذ الإيراني ودعمه للفوضى التي قامت في بلاده بسبب الحوثيين الزيدية.
وتقول المعلومات كذلك إنّ أهمّ الإشارات عن المدّ الإيراني هو خطاب الملك الأردني الراحل حسين بن طلال الذي أكّد فيه عام 1979، أي بعد الثورة الإيرانية، «أنّه على العالم الإسلامي ألا يتفاءل بهذه الثورة، ويعي أنّها ليست ثورة إسلامية إنّما ثورة فارسية شيعية تقصد إحياء مجد فارس عن طريق نشر التشيّع.
أمام هذه التحذيرات، يظهر بوضوح، بحسب مصدر ديبلوماسي مطلع، أنّ هذه الدول هدفت الى زرع بذور الفتنة بين الشيعة والسنّة في المنطقة، منذ ذلك الوقت إنطلاقاً من تخويف السنّة من الشيعة، وصولاً الى القيام بكلّ ما يمنعهم من التمدّد في الدول العربية، وإقامة دولة شيعية خاصّة بهم، وإبدال حلم المدّ الشيعي بالتوسّع السنّي حتى ولو كان متطرّفاً ولا يمت للإسلام بصلة. غير أنّ ما يقوم به تنظيم «داعش» عبر التوسّع من سوريا الى العراق حيث استولى على أراضٍ شاسعة من شرق وشمال البلدين تصل مساحتها حتى الآن وفق المعلومات الى 35 ألف كلم2 وينوي توسيعها لتصبح 200 ألف، وأعلن دولته الإسلامية في العراق وبلاد الشام، أظهر نوايا الدول التي حذّرت من المدّ الشيعي.
فحلف الممانعة يضيف المصدر المؤلّف من إيران وسوريا و«حزب الله» الذي جرى اتهامه بأنّه ينوي أن يبسط سيطرته ونفوذه لتشمل دول المنطقة بما فيها لبنان، لم يقم بتهديد أي بلد عربي، أو سلب أجزاء من أرضه، وقتل شعبه، وتدمير تراثه وممتلكاته وأماكنه المقدّسة والدينية، على ما يفعل الداعشيون في سوريا والعراق الذين يريدون إقامة دولتهم على جثث المدنيين الأبرياء بحجّة القتل، أو بالأحرى الذبح، لعدم تطبيقهم الإسلام الصحيح، أو لأنّهم لا ينتمون الى هذه الديانة بل الى الديانة المسيحية التي يريدون القضاء عليها وتهجيرها من الدول العربية الإسلامية.
ويقول المصدر الديبلوماسي بأنّه لم يعد مستغرباً صمت الولايات المتحدة عن الداعشيين، وعدم اتخاذ الرئيس باراك أوباما قرار ضربهم جوياً إلاّ عندما وصلوا الى إقليم كردستان حيث يعقد الأكراد تحالفاً مع الأميركيين، شرط أن يبقوا بمنأى عن إرهاب «داعش». أمّا تهديد الداعشيين بأنّهم سيصلون الى الأردن والسعودية، فيدخل بحسب رأيه، في باب التمويه، خصوصاً وأنّ هاتين الدولتين تشجّعان هذا التنظيم وتمدّه بالتمويل المادي والعسكري بهدف القضاء على «فكرة المدّ الشيعي»، والاستيلاء على النفط في المناطق التي احتلوها كما على ثرواتها الطبيعية، وكلّ ما كان يملكه أهلها. ولا بأس إذا كان السنّة الذين يحكمون هذه الدولة الإسلامية التوسّعية هم متطرّفون وتكفيريون، ولا أحد يدري إذا ما كانوا فعلاً يؤمنون بالله جرّاء ممارساتهم التي أقلّ ما يُقال فيها، إنّها غير إنسانية، ولا أخلاقية.
وإذا كان العرب خشيوا يضيف المصدر الديبلوماسي في فترة من الفترات من المدّ الشيعي ومن فكرة سيطرته عليهم، فهم بالطبع ليسوا مطمئنين اليوم للتوسّع السنّي المتطرّف، وإن كانت بعض الدول العربية تشجّعه، وتعتقد أنّها ستبقى بمنأى عن تمدّده الى أراضيها. ولعلّها أدركت خطرهم عندما قرّروا دخول عرسال البقاعية واحتلال بعض المناطق اللبنانية الحدودية مع سوريا ضمن دولتهم، فأرسلت رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري للمناداة بالإعتدال السنّي، ولترفع عنها تهمة دعمها للسنية المتطرّفة.
في مطلق الأحوال، يؤكد المصدر إنّ تنظيم «داعش» بات يُشكّل خطراً كبيراً على الجميع في المنطقة، وإن كان البعض يجد أنّه يُعطى أكثر من حجمه.. ولا أحد ينسى كيف صنعت الولايات المتحدة «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن، وكيف تخلّصت منه عندما أدّى لها كلّ الخدمات المطلوبة منها، وكبر أكثر ممّا كانت تريد. وسيأتي اليوم عندما يُصبح حجم «داعش» مخيفاً، الى الدرجة التي وصل اليها تنظيم «القاعدة»، فيُشكّل خطراً على الدول نفسها التي دعمته، وعندها ستعمل على التخلّص منه والقضاء عليه، وإن كلّفها مثل هذا الأمر إيجاد تغييرات جديدة في المنطقة.
ويرى المصدر بأنّ جغرافية المنطقة بدأت تتغيّر بفعل ما سُمي «الثورات العربية»، أو «الربيع العربي»، غير أنّ التقسيمات التي تحصل اليوم في كلّ من سوريا والعراق، ولاحقاً في دول أخرى، قد لا تكون هي نفسها التي رسمها «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، ما يشير الى احتمال فشل هذا المشروع الأميركي فشلاً ذريعاً، خصوصاً إذا ما قاومت بعض الشعوب ورفضت ما يُفرض عليها من الإرهابيين أو سواهم، وتمكّنت بالتالي من القضاء على عدد كبير منهم.
وإذا كانت القوّة السنيّة تتجه اليوم الى الإنقسام الجذري بين معتدلة ومتطرّفة في دول المنطقة كافة، فإنّ الشيعة هم، بحسب ما يؤكّد المصدر نفسه، أكثر قوة من ذي قبل لأنّ وحدتهم تجعلهم جسماً صلباً من الصعب جدّاً قهره أو القضاء عليه.