الوقتأقساماخبار العراقمختارات من الثقافة التنظيميةالليبرالية الكلاسيكية و الليبرالية الجديدة ــــــ راغب الركابي
(0) الليبرالية الديمقراطية في مواجهة الطائفية والعنصرية ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية خيار السلام في العراق ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية والديمقراطية ...أم الليبرالية الديمقراطية ؟(0) الهوية الوطنية من منظور ليبرالي(0) المرأة في الإسلام ــــــ راغب الركابي(0) مسودة دستور جمهورية العراق(0) الليبرالية الديمقراطية .. ليست الرأسمالية !!(0) الليبرالية في الفكر النبوي ــ راغب الركابي(0) الليبرالية .. قيم ومبادئ(0) الإسلام بالمفهوم الليبرالي ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الكلاسيكية !!(0) الليبرالية طريقنا للنجاة ـــــ راغب الركابي(0) مشروع المصالحة الوطنية !!(0) الليبرالية الديمقراطية والإنتخابات(0) رؤية الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي -- لمشروع بناء الدولة العراقية(0) الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية (ب)(0) أزمة الخطاب الإسلامي السلفي الجديد(0) من مقالات التفسير والفكرالقرآن بين التحريف والتصحيف : ـــــــــــ آية الله الشيخ إياد الركابي
موسى النبي والعبد الصالح ــــــــ آية الله إياد الركابي في ظلال آية المحارب ــــــ الحلقة الثانية في ظلال آية المُحارب ـــــــ الحلقة الأولى الذات الإلهيّة بين العلم والعبادة ـــــــ مادونا عسكر الحراك العراقي اللبناني ـــــــــــــ راغب الركابي ثمن الحرية ـــــــــــ راغب الركابي المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، الجوار الكنس ] – التكوير 15 ، 16 العلاقة بين الفكر والسلطة ـــــــــــ راغب الركابي رسالة ملك الفرس يزدجرد* الى عمر بن الخطاب صوت أبي العلاء الاشتراكي.... إبراهيم مشاره - الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل .. الروح مثالاً |
Monday, March 11. 2013في الأصولية ومعناها ... قراءة قلقهإن الأصولية نسبة إلى أناس يتمسكون بعيش حياتهم كما عاشها من كان قبلهم، ثم انتقل المعنى ليدل على ممارسة الحياة الدينية، بطريقة تنطبق على طريقة الأوائل، ليتحدد الأمر أكثر في الدلالة على المذهب السياسي القائم على استغلال الدين عند الأقدمين، وفي هذا العصر الذي نعيش فيه. وبالنسبة إلينا، فالأصولية هي عملية أدلجة الدين الإسلامي على نفس طريقة أدلجة الدين عند الخوارج، أو الشيعة، أو الزبيريين أو غيرهم، حتى يصير الدين، بسبب ذلك، تعبيرا عن المصالح الطبقية: الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، للجهة الممارسة لأدلجة الدين الإسلامي، وفي أفق تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل، وجميع التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، تندرج ضمن مفهوم الأصولية، وإذا كانت الأصولية هي السمة المميزة لعصرنا، فان هذه الأصولية هي العلامة الكبرى على استمرار تخلف العرب، والمسلمين، لانجرارهم، باستمرار، إلى الماضي، ولعجزهم عن الانعتاق من أسر الماضي، الذي يحضر في كل صغيرة، وكبيرة، ومن أسر أدلجة الدين الإسلامي، وبسبب قبولهم بالتجييش وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين لا يزيدون العرب، والمسلمين، إلا إغراقهم في الفكر الظلامي، الذي يقضي على كل إمكانية للانفتاح على الفكر التنويري. وبناء على ما ذكرنا، يمكن أن نقول أيضا: أن الأصولية هي مجموع التوجهات، التي تعمل على استنساخ طرق الحياة المستمدة من حياة المسلمين الأوائل، ، وانطلاقا من الرؤى، والتصورات الإيديولوجية، وجعلها سائدة في حياتنا المعاصرة، وهادفة إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو فرض استبداد بديل. بالرغم من الجدل الذي يقوم حول دلالة مصطلح “الأصولية” ونشأته، وما يستتبع ذلك من أسئلة وإشكالات لعل أبرزها تلك الدراسات التي تحاول حصر “الأصولية” في الإسلام، واعتبارها صفة جوهرية له للقول: إنه بطبيعته أصولي! بالرغم من ذلك، فإنه لا يمكن نفي “الأصولية” –بمعناها الشائع- عن الإسلام كلية، فهي توجد في الأديان كلها وفي الأيديولوجيات، ما يعني اعتبارها ظاهرة فكرية مرتبطة بفكر معين له سمات خاصة تتلخص في ثلاث هي: الشمولية، والنصوصية، والانحياز المطلق. فالشمولية –وهي مفهوم مأخوذ عن الكاثوليكية- تعني أن جميع الأسئلة التي تفرضها الحياة الخاصة والعامة تجيب عنها تعاليم الدين أو الأيديولوجية. والنصوصية تعني أن النصوص المقدسة تؤخذ حرفيا، دون الدخول في تأويل أو تفسير بما يعنيه من استكشاف ملابسات أو طرح تساؤلات وغير ذلك. والانحياز يعني الرفض المطلق لأي مساءلة لتلك المبادئ التي يعتقدها الأصولي، ورفض كل ما عداها حقائق حول الأصولية وقبل الدخول في مناقشة هذا المفهوم، يمكن أن نسجل: 1) ضرورة التمييز بين الأصولية، وبين الدين بصفة عامة، وبينها وبين الدين الإسلامي بصفة خاصة، لأن الأصولية تعتمد ما كان يمارسه المعاصرون لظهور الدين، أي دين، أو لظهور الدين الإسلامي، الذين كان لهم فهم معين، أو تأويل معين للنص الديني، وليس النص الديني في حد ذاته، الذي يفهمونه ويؤولونه انطلاقا من فهم وتأويل المعاصرين لظهوره، أي انطلاقا من شروط أخرى غير الشروط التي يعيشها الأصوليون، والتي تقتضي أن يكون لهم فهم مخالف، أو تأويل مخالف، انطلاقا من شروطهم الذاتية، والموضوعية. ولذلك، ومن هذا المنطلق، نرى أن الأصولية هي التعبير المرادف لتعبير "الإسلاميين" الذين يحملون تسميات مختلفة، وعلى مدى التاريخ، وعلى مدى البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين في عصرنا هذا، والذين وصلوا إلى نتيجة واحدة، وهي أن إرجاع التاريخ إلى الوراء، لا يتأتى إلا باستعمال القوة، ضد الأشخاص المخالفين، وضد الشعوب المخالفة، وضد الدول المخالفة، مما أنتج ما صار يعرف بالإرهاب، الذي صار منتجا للإرهاب المضاد، كما حصل في العديد من مناطق العالم، وخاصة في أفغانستان، وفي العراق. 2)إن حقيقة الدين الإسلامي، وانطلاقا من النص الديني، لا علاقة لها بالأصولية؛ لأن الدين الإسلامي يسعى إلى تحقيق كرامة الإنسان، والعمل على حفظ تلك الكرامة، أما الأصولية، فلا تسعى إلا إلى إهدار تلك الكرامة، ودوس القيم التي تتحقق معها إنسانية الإنسان. 3) إن تاريخ الدين الإسلامي الحقيقي، هو تاريخ إنتاج القيم النبيلة، التي ساهمت في إنتاج حضارة عظيمة، صارت مرجعا للحضارات التي جاءت بعدها، أما تاريخ الأصولية، فهو تاريخ دموي، من مقتل علي بن أبي طالب، إلى يومنا هذان وسيبقى كذلك إلى أجل غير مسمى، تنكشف فيه طبيعة الأصولية، وممارسات، وأحابيل الأصوليين، لتصير منبوذة من قبل جميع الناس، مسلمين، وغير مسلمين، كما شرع يتبدى ذلك الآن، من خلال الممارسات اليومية لمن يسمون بالأصوليين. وما سجلناه حول الأصولية، والأصوليين، أو حول ما سميناه ب"أدلجة الدين الإسلامي" وب"مؤدلجي الدين الإسلامي"، يقتضي منا التركيز على ضرورة إشاعة التمييز الضروري، والمبدئي، بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، وبين المسلمين الحقيقيين، وبين مؤدلجي الدين الإسلامي، والانطلاق من أساس هذا التمييز، من أجل مقاربة الأجوبة المتعلقة بالأسئلة التي طرحناها في موضوع الأصولية إنّ الأصولية في تعريفها هي ادعاء طرف واحد أنّه يملك الحقيقة لوحده، وأنّ من حقّه احتكار المعرفة، وممارسة التقريب والإقصاء والتحليل والتحريم والعفو والقتل تجاه الغير، فهل يمكن اقتصار هذا التعريف على المتديّنين وحدهم وعلى الأديان السماوية وحدها؟ في الواقع إنّ العلمانية السائدة اليوم، سواء في مراكز إنتاجها شمالاً أم في أسواق اقتنائها جنوباً، هي في جوهرها الصورة الحديثة لتلك الأصولية الأوروبية الأميركية القديمة التي تطوّر خطابها من ديني إلى علماني. إن ما غاب عن كثير من الباحثين العرب أن الأصولية، وما أدت إليه خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى يومنا هذا، ليست قاصرة على تراثنا نحن العرب، ولكنها موجودة لدى الكثير من الأمم. ولها الآثار نفسها التي للأصولية الإسلامية. فكما توجد أصولية إسلامية، هناك أصولية مسيحية، وأصولية يهودية متزمتة جداً، تُسمى طائفة «السكناج». والأصولية اليهودية هي الأكثر تطرفاً بين جميع الأصوليات الدينية في التاريخ، ولها دور سياسي كبير في إسرائيل وخارجها وتعد الأصولية اليهودية وتطرف اليهود الأكثر تدميرا، والأقدم ظهورا. بل إن المذاهب والطوائف الدينية المسيحية نفسها، كان فيها أصوليات، كالأصولية الكاثوليكية، والأصولية البروتستانتية، والأصولية الأرثوذكسية. كما ظهرت هناك أصولية بوذية، وأصولية ماركسية.. الخ. إذن، فالأصولية ليست قاصرة على الدين الإسلامي، وإنما هي ظاهرة تاريخية، عمّت كل الأديان وكل المذاهب السياسية والاجتماعية كذلك ولم يكن لدى الأصوليين وقت للديمقراطية أو التعددية الحزبية، أو التسامح الديني أو الحفاظ على السلام أو الخطاب الحر، أو فصل الكنيسة عن الدولة، فالأصوليون المسيحيون قاوموا الاكتشافات العلمية الخاصة بعلوم الأحياء والفيزياء، وأصروا على أن كتاب سفر التكوين يبدو علميا في جميع تفاصيله ولا يحتاج إلى إضافات من أي نوع.. وعلينا أن نتذكر جيداً، بأن عنف الأصولية الإسلامية ليس قاصراً عليها ولا على نصوصها المؤوّلة تأويلاً أيديولوجياً موجَهاً لأغراض سياسية بالدرجة الأولى. فنصوص العنف موجودة في كل الأديان السماوية والأرضية. فالمسيحية مثلاً التي توصف بالمسالمة والتسامح، يقول إنجيلها: "لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً: جئت لأفرق بين المرء وأبيه، والبنت وأمها، والكنّة وحماتها، فيكون أعداء الإنسان أهل بيته" (متي، 10: 34-36). ولعل الفرق بيننا وبين اليهود والمسيحيين، أن هذين الفريقين استجابوا للتقدم العلمي والتطوير والتغيير، وقاموا بالنقد التاريخي للأديان؛ أي إخضاع النصوص الدينية لسياقاتها التاريخية وظروفها مجتمعاتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي جاءت لها وفيها ومن أجلها، بينما نحن رفضنا كل هذا، وبقينا على حالنا، كما نحن الآن. أسباب ظهور الأصولية إن الإحباطات التي فجرت وغذت الأصولية يمكن إجمالها في الآتي: ¬ محاولات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بقيت حتى الآن قاصرة وعاجزة. ¬ السخط على الحكومات المسؤولة عن تعثر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعن حرمان الشعب من المشاركة في القرارات السياسية المهمة. والخضوع لهذه الحكومات الفاشلة يمثل عبئا. ¬ النظام العالمي الظالم، حيث القوى الغربية لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية، ومعاييرها المزدوجة التي تضر بمصالح الشعوب الإسلامية والعربية. لماذا ظهرت الأصولية في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين؟ هناك عدة أسباب دينية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية. فسياسياً، لا شك أن الثورة المصرية عام 1952 تتحمل المسؤولية الكبرى في ظهور الأصولية الدينية العربية في العالم العربي. فقد كانت مصر في العهد الملكي رائدة الحرية السياسية والتعددية في العالم العربي و كانت مصر هي السبّاقة إلى آليات الديمقراطية من حيث تشكيل مجلس النواب، ووضع الدستور، واحترامه، وتأليف الأحزاب السياسية، وتولية الحكم لحزب الأغلبية في البرلمان، كما كان يتم دائماً مع حزب "الوفد"، على سبيل المثال. وعندما قامت الثورة عام 1952 ألغيت الأحزاب والصحف الحزبية وألغيت التعددية، واعتبرت الثورة أن ضباط الثورة هم من يستحقون الحكم في مصر وحدهم، دون غيرهم، وأن حزب الثورة الذي نشأ بعد ذلك بعدة أسماء مختلفة (هيئة التحرير، الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي العربي، الحزب الوطني الديمقراطي) هو الحزب الوحيد بالبلاد. وقد كانت هذه الخطوة دافعاً للأصولية الدينية المتمثلة بجماعة الإخوان المسلمين، وللأصولية اليسارية المتمثلة بالحزب الشيوعي المصري، إلى قيام المعارضة المصرية، مما أدى إلى زجِّ زعماء الأحزاب المعارضة في السجون، وشنق بعضهم من الإخوان المسلمين، كما حصل مع عبد القادر عودة في 1954 وسيد قطب في 1966، وحُكم على البعض الآخر بالأشغال الشاقة المؤبدة كما حصل مع حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين، علماً بأن حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، هو الذي دعا الملك فاروق إلى إلغاء الأحزاب السياسية في مصر، بحجة أن التعددية تؤدي إلى الفرقة، وهي مرفوضة في الإسلام كما يقول البنا (هاشم صالح، معضلة الأصولية الإسلامية، ص 29). وهذا أيضاً ما فعله الإخوان المسلمون في السودان في عهد جعفر النميري. دور هزيمة 1967 في ارتقاء الأصولية: كذلك، فإن هزيمة 1967 العسكرية المنكرة، كان لها الأثر الفعال في انتشار الأصولية الدينية، وطغيان رجال الدين على رجال السياسة العلمانيين، من خلال فشل الطبقة السياسية في مصر وسوريا والأردن من تحقيق نصر عسكري على إسرائيل وفشل الخطاب العربي السياسي "التقدمي" من إحراز هذا النصر. وكان أن عاد الإخوان المسلمون بكثافة إلى الشارع العربي، وخرجت من عباءتهم الكثير من الحركات الأصولية الدينية المتطرفة. ونشأت خلال ذلك كله القراءات الحرفية المتزمتة للنصوص المقدسة.. لقد وجدت الأصولية بعد هزيمة 1967 وفقدان الأجيال لحلم النصر العسكري على إسرائيل، الفرصة الذهبية لكي تقدم خطابها البديل (الإسلام هو الحل) بدل الشعار المهزوم عسكرياً هزيمة منكرة وهو "الاشتراكية العربية هي الحل" الذي أسس له ورفعه عبد الناصر ونظَّر له مجموعة من المفكرين المصريين وغير المصريين الذين أُطلق عليهم فيما بعد "الناصريون فلقيت الأصولية السياسية بعد هزيمة الناصريين واشتراكيتهم في الخامس من يونيو/حزيران 1967 الآذان الصاغية من الشارع العربي المتلهف لحل سريع وناجع، يلملم به أحزانه ويلثم جراحه، فوجده في شعار (الإسلام هو الحل) الذي التف حوله مئات الآلاف من الشباب المقهور والمعزول والجائع والعاطل عن العمل. إن حجة المعارضين للأصولية الدينية، تتركز في أن نقطة ضعف المشروع الأصولي - شأن المشروع اليميني المتطرف في الغرب- هي الإرادوية Voluntarisme. والارادوية مصطلح سياسي يعني الاستعلائية، وفرض إرادة الحاكم ونزعته الديكتاتورية، التي يحاول بها أن تغلب إرادة التاريخ. والإرادوية هي إرادة ما لا يريده التاريخ. وهي تضع الرغبات فوق التاريخ؛ أي أنها قد تحيد عن مسارات التاريخ الحتمية؛ أو عن انعطافاته ومفاجآته غير المتوقعة، لأن الرهان عليها مجرد أضغاث أحلام. كما أنها إدعاء مزدوج بمعرفة المستقبل، وبالقدرة على تحقيقه طوعاً أو كرهاً. والإرادوية في القاموس الاشتراكي، تعني تغليب العنصر السياسي على الاقتصادي، واعتماد الفكرة التي تقول بأن البناء الفوقي المتقدم يقيم البناء التحتي. وتحاول الإرداوية أن تسير عكس التاريخ. لذلك، فهي تفرض عليه ولادة قيصرية، لا يمكن لها إذا تحققت إلا أن تكون اجهاضاً قاتلاً للجنين، والأم معاً. هذه الإرادوية الهاذية، جعلت العنف مبرمجاً في البرنامج الأصولي النكوصي السابح ضد تيار عصره. فهو يريد للمرأة أن تعود إلى عصر الحريم والقرون الوسطى، وحين رفضت المرأة ذلك استجابة لمتطلبات عصرها، ردَّ المشروع الأصولي على هذا الرفض بالعنف الأعمى الذي نراه هذه الأيام. لماذا كانت الأصولية عائقاً معرفياً؟ يرى بعض المفكرين العرب المعاصرين ومنهم محمد عابد الجابري، بأن العائق التراثي أمام المعاصرة ليس متأتياً من قبل التراث في حد ذاته، ولكن من قبل الأصوليين الدينيين من حملة التراث، الذين "لم يراجعوا هذا التراث، ولم يحاولوا تجديده من داخله بإعادة بناء مواده القديمة، وحقنه بمواد جديدة". (الفكر العربي المعاصر، ص 35). والفكر العربي التحديثي لم يخضع لقيود الاستعمار الخارجي القاسي، بقدر ما خضع لعامل آخر وهو الفكر الأصولي، رغم أن بعض الباحثين، يؤكدون أن السعي الاستعماري الغربي إلى إبادة الثقافة العربية وتحويل التراث العربي إلى مجرد شعوذة، هو الذي كان وراء تفكير إصلاحي عربي، يُمثِّلُ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني رمزين أساسيين من رموزه. إلا أن الفكر العربي التحديثي غللته قيود التقاليد الأصولية الدينية والاجتماعية التي لم تكن على ضيق وشدة القيد الاستعماري الخارجي. ولكن القيود الأصولية الدينية والاجتماعية، كانت أبلغ في النفوس التي ألفتها بضع مئات من السنين من قبل، واستمرت كذلك حتى بعد انتهاء الاستعمار من العالم العربي، كما يقول سعيد مراد. الأصولية كعائق للحداثة إن من عوائق الحداثة في العالم العربي، هذا الانحباس الذي سببه انقسـام المجتمع العربي إلى معسكرين متنافرين ومتناحرين: حـداثي وسلفي. يرى الأول في النظام الغربي مصدر حياته. ويرى الثاني أن الاستعانة بالأولياء والقديسين والاحتماء بالنصوص المقدسة بطريقة متزمتة، هو الحصن الأخير، كما يرى غريغوار مرشو. لقد كان "منطق المدافعة" عن التراث الذي اتسم به الفكر العـربي في النصف الثاني من القرن العشرين، واحداً من الأسباب التي حالت دون تقدم حركة الحداثة في المجتمع العربي. ومنطق المدافعة هذا يتلخص في أن التراث العربي الإسلامي- كما تقول الأصولية الدينية- يحتوي على كافة القيم القديمة والجديدة التي تهبُّ علينا من كل أنحاء الغرب. وأن في تراثنا من القيم، ما يكفي الإنسانية جمعاء في ماضيها وحاضرها ومستقبلها القريب والبعيد. وما الديمقراطيـة غير الشورى الإسلامية، وما حرية المرأة إلا ما جاء به الإسلام. وإذا قالوا بأن الحداثة هي العقلانية والعَلمانية، قال آخرون "لماذا تذهبون بعيدا والفكر والثقافة العربية الإسلامية فيها من المعاني العقلية والعلمية الكثير، وإن كانت لا تُسمّى بهذه الأسماء، ولكنها تُعبِّر بشكل أو بآخر عن مضمونها وفحواها؟" كما يقول عبد الله القفاري. ومن هنا، فقد رأي المفكر اللبناني علي حرب في كتابه (حديث النهايات) أن مجمل الفكـر العربي كان عبارة "ردود فعل تمليها العقليات الأيديولوجية أكثر مما هو تحليل للواقع من أجل الانخراط في صناعة الحاضر والمراهنة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل. ومجمل هذا الفكر، يقوم بالاستيلاء على الأفكار المنتجة في الغرب ونسبتها إلى الذات بنوع من الإسقاط الفكري، تمليه النرجسية الثقافية والعقائدية". هل يشهد العالم العربي الآن بدء نهاية الأصولية؟ الظاهرة الأصولية في العالم العربي لن تختفي نهائياً. فلا أصوليات أخرى اختفت تماماً من الأديان السماوية الأخرى ومن الأديان الأرضية، ولا من المذاهب. فظاهرة التعصب وكراهية الآخر التي تمثلها الأصولية ما زالت موجودة في الديانة اليهودية والديانة المسيحية وفي البوذية.. الخ. ولكن أثر الأصولية في هذه الأديان قد تقلّص كثيراً عما كان عليه في القرن السابع والثامن عشر، وقبل الثورة الصناعية، وعصر الأنوار والحداثة التي اكتسحت أوروبا التي تقدمت الآن إلى عصر (ما بعد الحداثة) في حين أننا ما زلنا نبحث عن عصر (ما بعد الأصولية). وهذا يرينا ويدفعنا إلى التأمل بالمسافة المعرفية والزمانية إلى يجب علينا أن نقطعها، لكي نلحق بالركب الغربي عامة، ونصل إلى مرحلة (ما بعد الحداثة). نستطيع أن نقول الآن وفي هذه المرحلة، بأن العالم العربي يشهد بدء انحسار واضح للعنف المُتبنى من قبل معظم تنظيمات الأصولية الدينية، والذي يمكن أن يتجلّى في المظاهر التالية: 1- مجموعة الفتاوى التي صدرت في عام 2007 من قبل المفتى العام للسعودية والتي تحرم الذهاب إلى العراق والقتال هناك تحت مُسمى "الجهاد"، كذلك الفتوى المشابهة التي صدرت من الشيخ الأصولي السعودي سلمان العودة. يضاف إلى ذلك الرسالة الشهيرة التي وجهها النائب الكويتي الأصولي وليد الطبطبائي (أنظر مقالنا: بشائر غرق سفينة الإرهاب، 10/11/2007). 2- انكماش عدد العمليات الإرهابية اليومية والشهرية في العراق. والإعلان عن أن العراق أصبح آمناً ما عدا محافظة نينوى التي ستكون فيها المعركة حاسمة مع الإرهاب، كما قال بالأمس رئيس الوزراء العراقي عدنان المالكي. 3- الهزيمة الانتخابية التي مُني بها الإخوان المسلمون في الأردن، في الانتخابات التشريعية الأخيرة (نوفمبر 2007) رغم إدعائهم بأنهم يسيطرون على الشارع الأردني، وأن قرار الحرب والسلام بأيديهم. وقد اعتبر كثير من المراقبين الأردنيين نتيجة الانتخابات (فاز ستة مرشحين وكان المأمول فوز 16 مرشحاً كما كان يقول الإخوان المسلمون) التشريعية الأردنية، بمثابة تحول كبير في الشارع الأردني إلى مرحلة (ما بعد الأصولية). 4- فشل "حماس" في إدارة قطاع غزة إدارة سياسية ومدنية عصرية، بل على العكس من ذلك. فقد تجلّى هذا الفشل في معاناة أكثر من مليون فلسطيني هذه المعاناة التي نراها الآن على شاشات التليفزيون، وبغض النظر عن أسبابها ودوافعها التي يطول شرحها. ولكن المؤكد أن "حماس" بعقيدتها السياسية/الدينية حيال إسرائيل وحيال الرأي العام الدولي، كانت هي السبب الرئيس فيما حصل وفيما يحصل. وفي يقيننا أن الانتخابات الفلسطينية القادمة لن تكرر نتائج انتخابات 2006 التشريعية الفلسطينية. 5- وأخيراً، فإن الثروة الهائلة التي تجنيها الآن دول الخليج، أمكنت شعوبها من فتح آفاق واسعة نحو الغرب. فتمَّ ابتعاث عشرات الآلاف من الطلبة إلى الغرب، وتمَّ استقبال الآلاف من المدربين المتخصصين الغربيين من كافة الاختصاصات. وتمَّت مجموعة من الاستثمارات المالية الغربية في دول الخليج، وعاد الغرب إلى الشرق الأوسط متمثلاً كذلك بالقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية. إن الحركات الأصولية التي سيطرت على المجتمعات العربية والإسلامية طيلة ربع القرن الأخير وحققت نجاحات جماهيرية هي الآن في طور الأفول والانحدار بسبب انفصال التحالف الذي كان قائما بين الفئات الاجتماعية التالية : البرجوازية المتدينة في المدن + الشبيبة المسحوقة بالفقر والبؤس وكذلك الطبقات الشعبية التي تملأ بيوت الصفيح في ضواحي المدن الكبيرة كالقاهرة والجزائر والدار البيضاء وسواها + طلبة الجامعات من المثقفين الأصوليين. هذه الفئات هي التي أمنت للحركات الأصولية تلك الشعبية العارمة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وهي التي أوصلتها في بعض الأحيان إلى أبواب السلطة تقريبا كما حصل في مصر بعد مقتل السادات مباشرة، أو في الجزائر بعد نجاح جبهة الإنقاذ في انتخابات - 199291.هذا الانفصال جاء بسبب لجوء العناصر المتطرفة من أبناء الشبيبة الفقيرة والمسحوقة إلى الأعمال الإرهابية والاغتيالات والتفجيرات مما جعل البرجوازية المتدينة تخاف منها وتبتعد عنها شيئا فشيئا. هكذا انقسمت الحركة الأصولية إلى قسمين : قسم متطرف عنيف يريد الوصول إلى السلطة بأي وسيلة، وقسم معتدل له مصالح اقتصادية وحياة مطمئنة نسبيا ولا يريد أن يضحي بها من أجل مغامرة غير مضمونة العواقب". هل الأصولية صفة حميدة أم تهمة ؟؟ اعتاد الكُتّاب الغربيون إطلاق تعبير الأصولية الإسلامية على حركة الصحوة الإسلامية في محاولات لربطها بالحركة الأصولية المسيحية المتعصبة التي ظهرت في الولايات المتحدة مع كل سلبياتها التي رسبتها في الضمير الأمريكي بصورة خاصة والغربي المسيحي بصورة عامة . إنّ مصطلح ( الأصولية : Fundamentalism ) يشير إلى خلفيات فكرية مرتبطة بالمدلول السلبي الذي لحق به ، فقد ارتبط هذا المصطلح بالتراث اليهودي المسيحي من حيث إشارته إلى القيم الدينية الأساسية التي يلجا إليها المتدينون في تسيير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عهد سيادة الكنيسة على مقاليد الأمور في زمن القرون الأوربية الوسطى ، وعليه فإنّ المتلقي الغربي الذي تصله صفة ( الأصولية الإسلامية ) فإنّ مرجعياته المفاهيمية ستلجأ إلى ذاك التاريخ الكنسي المرتبط بقهر التقدم العلمي والإنساني الأوربي ، ومن ثم ستصله دلالات جامدة ومقيتة ومتخلفة عن الإسلام ، وهذا ما حاول الخطاب الغربي إيصاله إلى متلقيه ( ينظر : توظيف المحرم ، سليمان حريتاني ، ط1 ، دار الحصاد ، سوريــا ، 2000 : 355 ). وبهذا أصبحت الأصولية مصطلحاً يكتسب تهمةً ، تُوجه للخطاب الإسلامي المعاصر ولرواده ، وغدت تطلق على الاتجاهات الدينية المتشددة في مسائل العقيدة والأخلاق ، والمؤمنة بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس ، وهناك من ربط الأصولية بالسلفية ، ونعتها بأنها حركة عنف تعمل على تغيير الواقع لمصلحة الإسلام بطريقتها الخاصة ، وهناك من جعلها ظاهرة هامشية وعابرة ، وهي رد فعل على ضروب القهر التي تمارسها بعض القوى الغربية وأنصارها في المنطقة ضد أصحاب المشروع الإسلامي ، وهناك من انتقده ، وقال أنه لا أصل له في الخطاب الإسلامي ( ينظر : المتطرفون ( آراء وندوات حوار ) ، عمرو عبد السميع ، دار نوبـار للطباعة ، القاهرة ، 1993 : 354 ) . وقد وصف منظر صِدام الحضارات ( صاموئيل هانتغتون ) الأصولية الإسلامية بأنها الإسلام السياسي الذي يدعو لإحياء قيم الإسلام ، والدعوة إلى السيطرة على الأفكار والمعتقدات العالمية ( ينظر : صِدام الحضارات ، إعادة صنع النظام العالمي ، صاموئيل هنتنغتون ، ترجمة : طلعت الشايب ، تقديـم : صلاح قنصوه ، 1988 : 181 ) . والحاصل فيما ذكر : أنّ تهمة الأصولية الإسلامية ولدت بوصفها مسارا سلبيا لحق بالخطاب الإسلامي ، وقد أسهم هذا المسار بشكل أو بآخر في مقولـة : انحسـار المدّ الإسلامـي ، لكن ذلك لا يعني عدم وجود خطاب غربي معارض لهذه التهمة بوصفها إجحافا بالإرث الحضاري ، والمعطى الحداثي لسلوكيات الخطاب الإسلامي . وتتعلق التهمة الثانية بـ( الإرهاب : Terrorism ) ، المصطلح الذي شغل الناس ، وبات يهدد مصالحهم ، مصطلح أراد مشيعوه سيادة الرعب والخوف ، وابتزاز الحكومات والشعـوب ، وتحقيق المآرب ، وجني المكاسب ، مصطلح قدّم خرافة العدو الوهمي ، ومنح الغرب استراتيجيات جديدة تتجاوز حقوق الإنسان ، وتعطل بعض القوانين ، وتقيد بعضا من الأحكام التي تمنح الإنسان المقيم والوافد حرية العمل والحركة والتنقل ونحو ذلك . نستهل الحديث عن هذه التهمة بقول الباحث الأمريكي ( ريموند هامدن ) : " إنّ الإسلاميين هم إرهابيون ، ليس لانّ الإرهابي يحمل بندقية أو مسدسا ، ولكنه يحمل أفكارا مضادة للمدنية الغربية " ( ينظر : الإسلام والكونغرس : حقائق ووثائق حول ما أسماه الأمريكيون : بحركة الأصولية الإسلامية ، أحمد إبراهيم خضر ، ط1 ، دار المعالم الثقافية ،الرياض ، 1994 : 354 ) ، ويقول باحث آخر : " إن الإرهاب ليس مسألة يمكن تفاديها ، فهي بدعة نسجها خيال الخصوم السياسيين والأنظمة القمعية ، ولكنه مع ذلك أصبح في الشرق الأوسط قبل سواه موضوعا للتشويه والتحريف ، حتى يكاد يتعذر إجراء مناقشة متوازنة حولـه " ( ينظر : الأمة والدين في الشرق الأوسط ، فريد هاليداي ، ترجمة : عبد الإله النعيمي ، ط1 ، دار الساقي ، بيروت ، 2000 : 74 ) . ما هي الأصولية الرهيبة الحقيقية السائدة اليوم إن لم تكن هذه التي تمارسها العواصم العلمانية الليبرالية الديمقراطية؟ هل هي أصولية الضعفاء المحرومين، شبه العزّل، الذين يمارسون ردود أفعال مفهومة ومتوقعة، والذين تجري مطاردتهم على مدار الساعة سواء قاوموا أم لم يقاوموا وهاجموا أم لم يهاجموا، حيث أحفاد وأتباع كرومويل وواشنطن وجيفرسون يصرّون على إفنائهم، خاصة في فلسطين، ويرون في ما يترتّب على ذلك مجرّد "أضرار هامشية ترافق انتشار الحضارة"! تهمة ام صفة حميدة فإذا كانت الأصولية هي التيار الذي يحمل مشروع دولة إسلامية، فكل الذين يؤمنون بأن الأحكام الفقهية في كل وقائع الحياة ملزمة يحملون هذا المشروع، وإن كانت جماعات منهم تحول هذا الطموح إلى برامج سياسية، تتوسل إلى تحقيقها بالوسائل المتعارفة لدى حركات التغيير السياسي الأممية أو القومية أو الوطنية، اليمينية أو اليسارية، المغربية أو المشرقية، من الديموقراطية ومسلك التغيير التدرجي أو التراكمي إلى العنف والأسلوب الانقلابي، فلا بد أن تخضع في محاسبتها وقبولها أو رفضها ومناصرتها أو معارضتها، لنفس المقاييس والشروط والآليات التي يتم التعاطي بها مع غيرها. ويبقى لأهل الالتزام والاختصاص من المسلمين الحق في التدقيق في مدى الانسجام بين الغاية المتوخاة والطرق المتبعة لتحقيقها من ناحية، وبين روح الشريعة ومقاصدها طبق معايير المصلحة والمفسدة المحكمة في مناهج الاستنباط الفقهي والتأصيل وتطبيق الأحكام على موضوعاتها من ناحية أخرى، مع مراعاة المتغيرات في الأزمنة والأمكنة وأهلها ومعارفهم وأولوياتهم وخبراتهم المكتسبة. إذن فعلى أي أساس منهجي يتم تلبيس هذا العنوان (الأصولية) بدلالاته الغربية التي توحي بالإرهاب والتطرف واستخدام العنف لجماعة أو جماعات من هذا المجموع الإسلامي الواسع، ونحن نعلم أن تيارات إسلامية جادة وفاعلة وعلى معرفة معمقة بالإسلام عقيدة وشريعة قدمت مشروعا حضاريا متبصرا، وظهرت ونشطت من دون أن تتورط في اعتبار معرفتها بالإسلام نهائية وملزمة ومطلقة، رغم أنها كونت حولها قاعدة عريضة، ودون استخدام أدوات قوة مسلحة للتغيير، بل كانت في كل ذلك داعية إلى العودة إلى الأصول وتصفيتها مما شابها من زيادات مشوهة ومشوَهة، معتبرين أن هذه الأصول من شأنها أن تحرر المشروع الإسلامي العام من الصيغ الجاهزة والملفقة في السياسة والاجتماع والدولة، وقابلين خيار الديمقراطية وإرادة الأغلبية عبر صناديق الاقتراع، هذا الخيار الذي صادرته الأنظمة التي تزعم أنها تقوم بالتحديث وتنشد النهضة للشعوب. إن مصطلح الأصولية بطابعه الاختزالي والقسري المتداول قد أصبح بمثابة حقل رماية للتهم، مفتوح لاستقبال أي خطاب إسلامي لا يمكن أن يكتسب بحكم إسلاميته تعريفه وصدقيته إلا إذا كانت الأصول منبعه بصرف النظر عن المحطات السياسية التي يذهب إليها، حتى لو كانت هذه المحطات تقع على طريق الحداثة المتوازنة بين الجذور الإيمانية وموجبات المعاصرة والمشاركة الحضارية، ولعل أخطر ما في استعمالات مصطلح الأصولية في حالنا في لبنان والحالات العربية ذات التعددية الدينية -مصر خصوصا- استعماله لإثارة مخاوف المسيحية والمسيحيين، رغم كل التطلعات الثقافية والسياسية التي تصدر عن جهات إسلامية معبرة وذات مصداقية غير مشكوك فيها نحو الآخر، الآخر المسيحي أولا، والمسيحي الوطني قبل أي آخر. هذه أصوليتنا الرحبة، والتي لا بد من تمييزها عن أصولياتهم المتنوعة وتياراتها السياسية العنصرية الإقصائية.. الإمبريالية. ختام وفي الختام لا يسعنا إلا القول: إن أكثر الناس حرصا على الاسلام، هم أكثرهم حرصا على كرامة الانسان وإنسانيته وأكثرهم توظيفا للعقل . فالإسلام ليس مجرد رب يعبد ونصوص تحفظ وتقدس، ولكنه الانسان أيضا، الذي وجد الدين من أجله والعقل الذي تكررت الإشارة إليه في القرآن ، وقد جاء الاسلام لينقل البشرية من وضع التردي والعبودية إلى الحياة الكريمة. إن أكثر الناس -أشخاص أو حركات وأحزاب وأنظمة- إسلاما هم أكثرهم احتراما للإنسان وتحقيقا لمصالحه وصونا لحريته والتزاما بالعدالة والحق والإنصاف. ولاشك في أن أنظمة فاسدة ونخبات سياسية مأجورة تستدعي النضال ضدها ومقاومتها بكل السبل المتاحة. ولكن حيث أن هذا الظلم والفساد هو من صنع البشر وبإرادتهم، فإن مقاومته مهمة وطنية ومصلحة للشعب، ولا تحتاج هذه المقاومة إلى إضفاء صبغة دينية عليها لاكتساب المشروعية. فلا يعقل استنكار احتكار الأنظمة للدين وتوظيفها له لخدمة أغراضها، وفي الوقت نفسه تطرح قوى أخرى نفسها ناطقة باسم الدين! فأي نظام وأي حزب أو جماعة تلجأ إلى الدين لاكتساب المشروعية والمصداقية، فإنما تعبر عن اعتراف بالعجز عن اكتساب مشروعية شعبية ومصداقية مستمدة من قدرتها على التعامل مع قضايا المجتمع ومشاكله، مصداقية نابعة من تلمس هموم الناس وإعطاء إجابات وحلول لهذه القضايا والمشاكل، فالمسلمون تواقون بلا شك، إلى اكتساب موقع في الجنة، ولكنهم أيضا في حاجة إلى حياة كريمة في دنياهم وبحاجة إلى عمل وبيت ومدرسة ومستشفى.(1) شعار الإسلام هو الحل هو شعار غامض وواسع ويمكن ان يفتح المجال لكل من هب ودب لتوظيف الدين لأغراض لا علاقة لها بالدين الحقيقي ،بل قد يفتح المجال لتجار السياسة وتجار الدين ولجهلة لا يفقهون من الدين إلا شكلياته من لحية وجلباب وحفظ بعض الآيات ،يفتح المجال لهؤلاء للتغرير بشعوب فقيرة وشبه جاهلة تسودها ثقافة دينية ،ليحقق هؤلاء المتاسلمون مصالح خاصة بإسم الدين وبما يسيء للدين نفسه. تعليقات
أعرض التعليقات على شكل
(تخطيطي | متواصل)
اضافة تعليق
|
بسـم الله الرحمن الرحـيم"الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون"
التقويم
بحث سريعيمكنك أخذ نسخة للطباعة بأحدى هذه الصيغادارة المجلةاحصائياتتاريخ آخر مقالة : 2023-09-02 13:16
|
Copyright 2007 © Liberal Democratic Party of Iraq