تضمن الليبرالية حقوق التعبير الفكري والحريات الشخصية في تمثيل معتقداتها، لكن هل تندرج الاساءة والتعدي على حقوق الآخر ومعتقداته ضمن مفهوم الليبرالية؟.
ان فهم الليبرالية بالشكل الصحيح يتكفل بالاجابة عن هذا التساؤل بشكل مغاير تماما لما هو مشكوك فيه ولما هو منتزع من تصورات حول الليبرالية بوصفها شكلا من اشكال التعارض مع الدين والخروج عليه بعدة التجريح، في حين ان الليبرالية وان كانت تتعارض مع اشكال التطرف والخرافة في الدين الا انها لا تتعارض مع الدين بشكل مطلق، بل انها تدعو الى عقلنة الدين وفهمه فهما علميا وابعاده عن مناطق التطرف والعصبية، ولذلك فان هنالك تيارا من الدينيين والاسلاميين ينتمون للخط الليبرالي، باعتبار ان فهمهم لليبرالية بوصفها منظومة تعددية تدعو للتسامح والعقلانية يتطابق مع متبنياتهم الفكرية وفهمهم للدين.
وبغض النظر عن صحة هذا المسار من التفكير او خطأه، فان الليبرالية لم تشرّع منطلقا للتعدي بل انها وضعت حدودا في تمثيل المعتقد، فمع ضمانها لحرية التعبير الا انها قيدته بعدم الترويج له قسرا وفرضه على الآخر المختلف عقائديا، وبذلك نفهم ان الليبرالية هي ممارسة لها ثوابت اخلاقية تقيد حريات التعبير حين تجنح الى التجريح والاساءة للآخر لا كما هو سائد في تفكير البعض بان الليبرالية تجيز حريات التعبير بالمطلق من دون ان تحددها بثوابت من نوع ما.
هذا الشكل من اشكال الفهم يضع الليبرالية في خانة المساءلة واثارة الشكوك حولها، اي انه يضعها في منطقة التناقض والذي يتضمن الدعوة للتعددية والتسامح كصيغ تنطلق منها الليبرالية ويروج لها دعاة الليبرالية ومتبنوها، كما يتضمن دعوة للاساءة وتجريح الاخر والتعدي على معتقداته في فهم البعض الاخر لليبرالية.
وبالتالي فان اية محاولة لتبرير الاساءة من الزاوية الليبرالية، لا تعدو كونها مغالطة لمفهوم الليبرالية وتحريفا لمنطلقاتها، كما جرى في تبريرات البعض للاساءة الاخيرة للرسول الكريم وللمنظومة الاسلامية بشكل عام، في الفيلم التافه الموسوم (براءة المسلمين)، فالفيلم تحرك بمقصديات خبيثة تنزع الى اثارة الفتنة والترويج الطائفي وذلك ما يدركه حتى المتلقي البسيط، في حين ان التعددية والتسامح كصيغ جوهرية وثابتة في المنظومة الليبرالية تتعارض مع هذه المقصديات الاستبعادية والاقصائية وهي الاشكال التي تحاول النظم الانسانية الابتعاد عنها من خلال الدعوة للوقوف على رقعة التسامح المشتقة من طابع الوحدة والتلاحم الانساني.
الصباح