نتابع في هذه الحلقة الروايات والأخبار التي قيل عنها إنها : تمنع المرأة حقها في الحكم والولاية ،
الأخبار التي أعتبروها أدلة في المنع والرفض ومنها هذا الخبر :
الخبر الثامن : جاء في نهج البلاغة كلام ينسبونه إلى الإمام علي يقول فيه - معاشر الناس ، إن النساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ، فاما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة أمرأتين كشهادة الرجل الواحد ، وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الإنصاف من مواريث الرجال ، فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ..- نهج البلاغة ص179، رقم الخطبة 80 - .
في البداية يجب القول : بان ليس كل مافي نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب ، فهناك ثمة حشو وزيادة وإختلاق وجعل فيه ، وهذا القول منا ينبع من إيماننا : بان علياً لايمكنه ان يقول شيئاً أو يتحدث عن أمر ما بكلام يخالف فيه كتاب الله ، وهذه الخطبة وبهذه الكيفية وضمن هذا النسق أكيداً هي من هذا الحشو والجعل والإختلاق ، ولقد قيل وهو عندي قول محمود ومحترم : بان نهج البلاغة وبما فيه هو عبارة عن كتاب لا سند له ولا توثيق في مصادره ورجاله ، نعم هو عبارة عن مجموعة مراسيل من الأخبار والقصص والروايات ، والإرسال كما هو مقرر في كتب الأحكام والأصول لا يعتد بها ولا يعتمد عليها في الإستنباط أو الإستدلال أو الإحتجاج .
نعم هذا الخبر يصف لنا حال النساء وعلى نحو سالب ، فالمرأة فيه ناقصة - ايمان - ويعلل هذا النقصان ، فيقول : إن سبب نقصان الإيمان هو قعود المرأة عن الصلاة والصيام أيام الحيض - !!! .
وهذا التعليل متهالك ولا يصلح لأن أمر القعود شيء تكويني لا تصنعه المرأة بيدها ، وبما إن ذلك كذلك : فهل يكون القعود التكويني سبب في نقص الإيمان ؟ ، وهل يكون الحيض علة موجبةٌ لنقص الإيمان ؟ ، طالما يكون الحيض أمراً تكوينياً لا دخل للمرأة في صنعه !! ، وبناءاً عليه : وهل الشيء التكويني المخلوق من قبل الله موجب لنقص الأمر التشريعي ؟ ، والفاعل في الأمر التكويني دائماً هو الله ، والله لايخلق مايوجب في نقص العمل التكليفي ، كما إن الله جعل من طبيعة المرأة السويه الصحيحة – الحيض - أي إن الحيض جعله الله للمرأة في طبيعتها التكوينية والأنثوية الموجبة لكمالها ، وإذا كان الله هو الخالق لهذه الطبيعة في المراة ، فهل يُعد ذلك الخلق منه نقصاً موجباً في إيمان المرأة ؟ ، ومعلوم إن كل صفة إذا أخذت شكل الطبيعة لا تعد نقصاً بل هي عين الكمال في الطبيعة ، والمرأة التي لا تحيض يُقال عنها ناقصة ، أي إن فيها عيب خُلقي تكويني ما مخالف لطبيعتها يمنعها من الحيض .
وبما إن هذا الوصف منسوباً لعلي بن أبي طالب فنقول : إنه ليس في محله ولا ينسجم مع ما نعرفه عن علي وعلمه ودينه ، ولا يصح شرعاً إن يُقال : للمرأة إنك ناقصة إيمان ، بعد أن إذن وأجاز لها الله عدم الصلاة والصيام في أيام الحيض ، بل نقول : إن ذلك هو كمال الإيمان لها ، ذلك لأن الإذن إنما جاء موافقاً ومنسجماً مع طبيعتها التكوينية ، والإيمان الكامل هو الإيمان الموافق للطبيعة التكوينية والتشريعية ، والحيض سبب تام أو علة تامة ليست عارضة بل هو من لوازم كينونة المرأة الثابتة الموافقة لأصل التكوين .
نعم إن المرأة التي تصلي أو تصوم في أوقات حيضها تكون في فعلها هذا مخالفة لما أمر الله به ، وهذا هو النقصان بالفعل ، لأن النقصان الحقيقي هو في عدم القيام بما هو واجب ، وهنا نقول : لمن يحاول التبرير في إعتبار معنى النقص لفظ دال على اللطف الإلهي و ذلك للتخفيف من العبادة رفعاً للحرج و المشقة ، نعم رفع التكليف في أيام الحرج لطف ، لكن هذا اللطف ليس بسبب النقص أو دليل عليه بل بإعتبار الطبيعة ، ولا يُقال في حال الطبيعة لمنع التكليف نقص في العبادة بل هو من موجباتها ولوازمها ، لذا فصفة نقص الإيمان بسبب الحيض صفة سلب وذم لا ينبغي لعلي أو لغيره تبنيها ، لأن ذلك دليل على عدم المعرفة بطبيعة الخلق والتكوين وهذا ما لانقول به ولا نرتضيه .
وأما قوله – نواقص الحظوظ - ثم يُعرف ذلك النقص ، بالقول : - وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال - ، وأصل هذا الكلام ماورد في سورة النساء قوله – يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن كن نساء فوق أثنتين فلهن ثلثا ماترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف – النساء 11 - .
وقبل البحث في تحليل هذا النص ، لابد من العودة إلى كلام علي هذا الذي أعتبر المرأة ناقصة حظ من جهة الميراث والتركة ، لكنا وكما قلنا فيما مضى عن نهج البلاغة : ان أكثره منسوبا لعلي وليس له ، ونحن ننزه عليا ونقول : جل مولانا من ان يأتي بما يخالف كتاب الله المجيد ، والكلام في هذا الخبر واضح وبين المخالفة لكتاب الله .
وكتاب الله كما يظهر الكلام فيه بسورة النساء : إنه قد جعل من الحظوظ متساوية فيما بين الذكر والأنثى ، أي جعل النصيب مما ترك الوالدان واحد ، يدل على ذلك قوله تعالى : – للذكر مثل حظ الأنثيين – ولفظ مثل يعني المساوي لا الضعف ، أي إن ما للذكر من تركة هو بمقدار ما لكل واحدة من الأنثيين ، وليس للذكر ضعف ما للأنثى ، ذلك لأن الله قد جعل من التركة والوصية تدور مدار المرأة بإعتبارها الأصل فيها ، ونعرف هذا أيضاً من قوله : - وإن كانت واحدة فلها النصف – إذن النصف هو القاعدة من أصل التركة ، ولذلك لم يتطرق النص إلى الحديث عن الذكر أو الذكور ، هو تحدث فقط عن الكيفية الواجبة والدائمة في توزيع التركة ، جاعلاً من الأنثى الأصل وأعطاها النصف إن كانت واحدة ، بغض النظر عن عدد الذكور ، لأنه وفي الحالة هذه إن كانوا واحداً أو أكثر فهم شركاء في النصف الآخر ، ويظهر ذلك كذلك حين قال – فإن كن نساء فوق أثنتين فلهن ثلثا ماترك – ، أي إن النساء من أثنيين وأكثر لهن دائماً الثلثين من أصل التركة هذه هي القاعدة الشرعية ، وأما الثلث الباقي فهو للذكر أو للذكور بغض النظر عن العدد ، هذا هو الأصل وهذه هي القاعدة ، وليس كما زعم الخبر المتقدم أو ماهو بعض المفسرين وكثيرٌ من الفقهاء .
وحجة القائلين بان للرجل ضعف ماللمرأة من نصيب هو : إن الرجل هو من يدفع المهر للمرأة !! ، وإنه هو من يتكفل بمصارف البيت والعائلة !!! ، وهذا الحجة ضعيفة بدليل إن ذلك الوضع العرفي ليس عاماً ولاينطبق على كل الناس في كل البلاد ، لأن بعض النساء في بعض البلدان هن من يدفعن المهر أو يشاركن فيه ، واليوم أكثر النساء يعملن ويشاركن في مصارف البيوت ، بل وبعضهن يتكفلن بكل مصارف البيت .
ولا أظن إن الله كما هو في نظر فقهاء المسلمين إنما كان يحكم تبعاً لما هو سائد في بلاد العرب وجزيرتهم بل كان نظره عاماً إلى العالم أجمع ، ولا يصح إطلاق حكم بناءاً على ماجرى عليه عرف الجزيرة العربية لأن هذا غير معقول وهو خلاف طبيعة الكتاب وغرضه .
ثم إن الله في الكتاب المجيد قد جعل المرأة أفضل من الرجل ، بدليل قوله - وليس الذكر كالأنثى – كما في كلامه حكاية عن أم مريم ، لأن الكلام في لغة العرب يجعل من أداة التشبيه – الكاف - للمشبه به وليس للمشبه ، والمشبه به دائماً وفي الغالب أفضل وأهم وأعلى مقاماً ، والمشبه به هنا هو الأنثى أي إنها هي القاعدة وهي الأصل التي يكون القياس بناءاً عليه والتمثيل به ، وليس العكس كما أراد المفسرين ليّ عنق النص تبعاً لرغبة الخلفاء الملوك وطبيعة عرب الجزيرة القديمة .
ونعود لنقول : إن هذا الكلام في الخبر المتقدم إنما صنعته يد السياسة والسياسين وحكام السوء ، هو من صنعهم ومن نتاج فعلهم وليس هو من صنع الدين أو مما قال به الرب في كل تعاليمه بل العكس هو الصحيح كما قدمنا ..
وأما قوله – نواقص العقول - الذي عرفه الخبر بشهادة إمرأتين كشهادة الرجل الواحد - ، وأصل هذا القول فهم تاريخي خاطىء لماورد في الكتاب المجيد قوله - وأستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء – البقرة 282 .
ونسأل هنا : هل هذا القول متعلق بقضية معينة حتى يتم الربط بينه وبين هذه القضية ؟ أم إنه قول مطلق يعني به كل النساء وفي كل زمان ومكان ؟ ، وبإن عقل المرأة ناقص على طول الخط ، من دون النظر إلى طبيعة الزمان والمكان ، مع العلم إن الشهادة تتعلق بالمكان وبالزمان ، أي بهما من حيث هم وجود فعلي وليس افتراضي ، حتى تتم الشهادة على نحوها الصحيح .
في سورة البقرة يتحدث النص عن قضية معينة كان يُمنع فيها على النساء التواجد الخارجي ، لذلك قال النص إنه في الأماكن التي يقل فيه تواجد النساء تكون الشهادة بحسب الوجود ، وهذا وصف للحال الموضوعي بدليل ماعليه الواقع ، لا إن النص يتحدث في المطلق فحيث ماوجدت المرأة فشهادتها نصف شهادة الرجل ، القضية ليست هكذا بل إن كثيرا من الفقهاء في مسائل معينة أكتفوا بشهادة النساء منفصلة عن الرجال في الفروج وفي المواليد وغيرها .
إذن النص في الأصل يتحدث عن طبيعة الشهادة وطبيعة المكان والزمان وليس عن الحكم الشرعي في مطلق الزمان ومطلق المكان ، الأصل في إعتماد الشهادة وتبنيها هو طبيعة الواقع الموضوعي لا الواقع الإفتراضي والخيالي ، نعم ربما يُقال إن هذا النص ناظر إلى مايقع بين الأزواج من طلاق وغيره ربما يُقال ذلك ، ولهذا قالوا : بان النص هدفه تخفيف الضغط النفسي عليها ، لذلك دعا الرجال ليكونوا حاضرين كي لايتم الطلاق ويُصلح الحال بين الزوجين ، وهذا التوجيه لا يستلزم القول بنقصان العقل .
وطبيعة العقل المادية هي واحدة بالنسبة للرجال وللنساء من جهة التركيب والوضع ، ولو قيل بان النقص المقصود شأن تكويني مرتبط بطبيعة الخلق ، نقول : إن كان ذلك كذلك فهذا سببه الخالق وليس المرأة كي تُتهم أو تُلام ، وإذا كان الأمر تكوينياً فلازمه ما ينتج عنه كذلك يكون ناقصاً ، إذ لا يمكن للناقص إلاّ ان ينتج ناقصاً هذا هو الطبيعي والمنطقي ، فلا يكون عقل الرجل كاملا مادام المنتج له عقل المرأة الناقص !!! ، أقول : لا يصح إطلاق هذا الكلام كما لا يصح نسبته إلى علي بن أبي طالب ولا إلى الرسول ، فهذه النسبة باطلة وغير صحيحة وغير لازمه لمخالفتها للكتاب المجيد وللعقل الصحيح ...