ليس من شك إن الرهان على ديمومة الثورة العربية المعاصرة هو في شعبيتها وفي ليبرالية توجهاتها ، ولهذا تحقق إختراقات ونجاحات ملموسة وواضحة وهذه حقيقة تاريخية لا جدال فيها ولاغبار لأنها هي حقيقة إنسانية طالما حلم العرب يوماً وتغنوا بها ،
و كانت بالنسبة لنا نحن الليبراليون حقيقة واقعة كنا نؤمن بها وننبه إليها ونعمل مع غيرنا لتكون هي الغاية وهي المنطلق ومنذ سنين طويلة ونحن نُذكر بها وندعوا إليها ، لكن ثمة مايقلقنا عليها وهو قلق مشروع نحسه ونتلمسه بعدما تبدد نصف ذلك الحلم في العراق بعد التحرير ونهاية عصر الدكتاتورية ، نقول هذا تنبيهاً وتوكيداً على أن السراق وقطاع الطرق والمتربصين كُثر وهم مع غيرهم من أعداء الليبرالية سيعملون على إفشال مشروع الحرية وحلم الجماهير بدولة العدل والقانون ، إننا نعي توجسات البعض ونعرف منهم كم هو خطير فيما لو تمكن الظلاميون من تحقيق بعض النصر هنا أو هناك ، كما حدث في العراق بُعيد التحرير ، وكلنا يعلم حُسن نوايا الليبرالين وصدقهم ووطنيتهم وهم دوماً مع الوطن ومع المواطن وهم في ذلك مناضلين غير موظفين و سلوكهم وأسلوب عملهم يُمكنهم من رؤية الأمور على حقيقتها من غير تزييف أو خداع ولهذا دعوا الأمة العربية والإسلامية كي تأخذ الدروس والعبر من الواقع المريض الشديد التخلف ، ولهذا دعوا لتغليب المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية على كل إشكال التعصب والتفرقة التي خلقتها عقلية الجهل والإنحراف والنوايا السود التي لا تريد للعراق غير النكبة والخسران ولذلك حرصنا على تعزيز الوحدة وحرصنا على الوقوف مع الحكومة وهو حرص مشروع طالما كان ذلك من أجل الإستقرار والأمن وحماية العراق من التصدع ، ولهذا وادوناً عن غيرنا وضعنا الوحدة في أول أولوياتنا وجعلناها جزءا مكملا لأهدافنا على عكس غيرنا ممن تتجاذبه المصالح والأهواء ، مدفوعين بالحرص على سلامة الوطن ونجاح التجربة
.
وهذا التوجه هو نفسه التوجه الذي نبديه تجاه أخواننا العرب وهم يرسمون بعزيمة الثوار طريق حياتهم ، نعم نحن حريصون على أن لا يلتاف عليهم من خلف الجُدر أعداء الحرية تحت شعارات وصيحات توهم السامعين بهم وبما يريدون ، ولكي تنجح ثوراتهم ويعيشوا الحلم حقيقة عليهم منذ الآن تحييد عمل المتطرفين وأهل الشعارات السود والأعمال القبيحة ، كي لا يُصار بهم ما صار بنا وهذا يجب عمله منذ الآن أعني عمل لا يؤجل و هذه هي الخطوة الواجبة ، فسلامة التغيير وصحته تنبع من سلامة المقدمات وصحتها ولا يجب الخلط بين الثورية وشعاراتها البراقة وبين الديمقراطية وما تتطلبه من شروط وإجراءات وعمل دستوري ، كما لا يجب الخلط بين مفهوم الثورة بإتجاه التغيير والإصلاح وبين الثورة كفوضى أو هي أمتداد للسلوك الدكتاتوري القديم ، وهذا من لوازم النجاح في العمل والسلوك والمفهوم وهو الواجب الأول ليكون التغيير شاملا وبناءا وذي معنى ، وليكن حرصكم على حرية الوطن وحرية المواطن بمعناهما الدقيق والمقصود ، والحرية شأنية وحيثية لا تنفصل عن الكرامة والعدل والعيش المشترك والإيمان بالوحدة والتقدم والسعادة ورفاهية المجتمع ، ودائماً كنت أقول : إن نجاح كل عمل مرهون بالإيمان به والإصرار عليه وطالما كانت الحرية هدف وغاية لدى شعوبنا العربية ، لهذا فالشعوب ستنتصر على حكامها مهما طال بها الوقت ، ان الشعوب العربية تتفاعل بمشاعرها ووجدانها وحسها الأصيل مع الليبرالية الديمقراطية وهو تفاعل قيم وأهداف ومباني لأن العرب جميعاً أمنوا بأن لا خلاص لهم ولا نجاة من غير الليبرالية الديمقراطية ولهذا هم يضحون ويدفعون الغالي والثمين فداءً للحرية وللعدل والسلام وهذه منظومة القيم التي عليها تتأسس الليبرالية الديمقراطية وتقوم .
إن النجاح الأول لليبرالية الديمقراطية سيكون دليلاً على صحتها وصحة مشروعها للناس بإعتبارها مشروع حياة ووحدة وتعايش بين بني الإنسان ، وستكتسب ثقة بين أوساط الشباب والشابات تزرع فيهم الأمل وحب الحياة والثقة بالمستقبل ، والثورة العربية المعاصرة كما أفهمها هي ليست ثورة دينية أو إسلامية وليست ثورة قومية بل هي ثورة ليبرالية بإمتياز هي ثورة إنسانية تتعدى في عمقها وبعدها الحدود الجغرافية للوطن العربي ، هي ثورة إنسانية لأنها تعبر عن الحرية وعن القانون وعن العدالة وعن التعايش السلمي بين مكونات الأمة وطوائفها ، هي نزوع للتحرر من الداخل وشعور بالكرامة من الخارج وهي نظرة إيجابية نحو المستقبل ، وكما نفهم من خلال ثقافتنا الليبرالية إن السلام بين مكونات المجتمع الواحد يقوم على الشعور بالإنتماء الحقيقي الغير مزيف ، و يؤدي ذلك للشعور والإيمان بان الواحد هو جزء من كل ، لا على سبيل الفرض والإكراه والاستغلال والتبعية بل على سبيل الإيمان ، ومن هنا نشعر بان ولادة العصر الجديد للأمة العربية يبدأ الآن مع هذه الثورات التي تجتاح العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه ، كما إن الفجر الجديد تتبدى معالمه في تونس ومصر وليبيا واليمن ومعظم البلاد العربية ، إن العرب اليوم هم على المحك وأمامهم مسؤوليات وواجبات جسام وهم بين ذلك ليسوا حياديين بل هم اصحاب قضية في التحرر والعدل والسلام لهم ولجيرانهم في الأقليم وفي العالم ..
ولقد قلت في مناسبة نجاح الثورة في تونس إن ثقة العربي بنفسه عادت له وهو في إمكانه اليوم ان يُعلن عن نفسه كرجل صالح له ولغيره ، وإن التذبذب والسلبية وتعكير الأجواء عبر الشعارات الطنانة أصبح من الماضي لأن العربي يستشعر اليوم حجمه الحقيقي ويعلم ما له وما عليه ، ويؤمن بان السلام هو الحقيقة الباقية القادرة على تنمية وطنه وبناء مستقبله ولن يكون ذلك كذلك من غير تبني لغة وثقافة الليبرالية الديمقراطية سلوكاً وعملاً وممارسة يومية ، فالليبرالية الديمقراطية هي رسالة إنسانية ليس فيها خداع أوتضليل وليس فيها تعكير وإلتواء ، كذلك و هي الكفيلة إن تبنيناها بالفعل ان تزيل فينا ومنا كل أسباب الجهل والعوق الفكري والإعتقادي وتصحح لنا وفينا نظرتنا إلى أنفسنا، فنزداد ثقة بأنفسنا فنترك التردد والنظرة التاريخية السوداء ..
ونعود لنؤكد بان ما نشاهده من ثورات عربية هي ثورات ليبرالية لأنها من صنع الإنسان العربي الغير محزب الإنسان الباحث عن حريته وكرامته هي ثورات وليدة الشعور بالذل والمهانة من الحكام والرؤساء العرب ، ولكي تصبح تلك الثورات شاملة لكل العرب يجب على الشباب العربي والشابات العربيات العمل بروح ليبرالية خالصة يحس بها كل عربي لم يثر بعد ، لأن العربي يؤمن بمبدأ التغيير والإصلاح ويؤمن بان الحال العربي لا يسر القريب والبعيد ولهذا فالمبدأ موجود ولكنه مرتبط بنجاح عمل وحركية الثوار في باقي الأقطار ، وهذا ليس تحريض بل هو تذكير بالواجب أو إشارة إليه ونحن نؤمن بان بقاء وديمومة هذا الحراك الشعبي نحو الحرية لازمهُ الإيمان بالحرية كقيمة وكمبدأ وكضرورة للحياة ، والحرية هي الليبرالية بمعناها الدقيق هكذا أفهمها وهكذا هي ومن هنا فهي الضامن للعرب بعودة الكرامة والبقاء في خارطة التاريخ والجغرافيا .