الغضب والحنق والسخط والغيظ والكبت والاحتقان المزمن والصبر الطويل والاستمهال المديد هي القوى الروحية السحرية الدافعة والدافقة التي كانت تتراكم في الخفاء،
وهي التي باتت تحرك الملايين بقوة نووية خارقة وسط ميدان التحرير معلنة وبصوت واحدة رفضها للظلم والبؤس والفساد والعبودية والاسترقاق وهضم الحقوق والاستعباد والجور وسياسات الإفقار والتشليح والنهب المنظم وكل السياسات الإذلالية المتعمدة التي اتبعها نظام مبارك عبر إطلاق يد اللصوص والمحاسيب والأزلام والمحظيين وحيتان وضباع وهوامير النهب العام من الأقرباء، وتسييد الجهلة والانتهازيين والمرائين في شرايين ومفاصل ما كان يعرف بالدولة المصرية التي تحولت إلى عزبة خاصة لىل مباركة، وكل الممارسات اللا أخلاقية والفاجرة الأخرى التي تعرض لها المواطن المصري البائس على مدى ثلاثة عقود بالتمام والكمال (1981-2011)، من حكم فرعون العصر الأكبر الرئيس المؤمن محمد حسني مبارك، تلك القوى الروحية الكامنة هي التي هزت عرش الطاغية وأجبرته على تقديم التنازلات المرّة، إياها، والتي رفض على مدى عقود الاعتراف بها، أو الامتثال لها، وأهمها تعيين نائب له، لأنه كان يعتقد في قرارة نفسه المريضة، أنه لن يموت، وأن مصر الحضارة والتاريخ، وشعبها العظيم، ملكاً له ولا يجب أن ينازعه أحد من العباد في شراكتها والاستئثار بخيراتها حارماً الملايين من البسمة واللقمة والهناء ورغد الحياة.
هذا الغضب الذي تراكم، وفق قوانين الفيزياء السياسية التي يجهلها أعمدة النظام الرسمي العربي ومستشاريهم الذين ينفخون فيهم ويقودونهم إلى التهلكة وحتفهم الأكيد، انفجر في لحظة واحدة كاشفاً عن مخزون هائل من الحقد والكراهية والسخط والغضب الجامح ضد هذا الفرعون الذي جلد ظهر الشعب المصري وحوله إلى شعب من الجياع والمشردين والفقراء وسكان المقابر البؤساء الذين يفترشون المقابر وعشش الصفيح، في الوقت الذي ينعم فيه الفرعون الأكبر وأسرته من السلالة المباركية بـ 70 ملياراً من الدولارات، تعادل ضعفي ديون مصر الخارجية، ونصف الميزانية العامة رسميا البالغة حوالي 160 مليار دولاراً،، كان الفرعون يستأثر بها لوحده، لكنها ستعود، بعون نشطاء وجمعيات حقوقية وحمدهم، إلى الخزينة المصرية.
اعتقد الفرعون الطاغية، وفي لحظات الانخداع والنرجسية الخالصة وعشق ومرض الذات، في لحظات العجرفة وغطرسة القوة، وجيوش المطبلين والمنافقين والمأجورين الذين يحيطون به بأنه في منأى وأمان عن نواميس الطبيعة وقوانين الفيزياء الدقيقة التي لا ترحم، وبأنه سيقفز فوق ذلك كله ويتجاوزه، غير أن تلك النواميس كانت له بالمرصاد.
تطوي هذه الثورات المباركة حقباً عربية سوداء كاملة ستجب ما بعدها، وما قبل ثورة البوعزيزي، و25 يناير، سيكون مختلفاً جداً عما بعدها، وستترسخ قيم ومفاهيم، وآليات جديدة للتعاطي والتعامل مع شعوب المنطقة وتطلعاتها وأمانيها وحقوقها في حياة حرة وكريمة وعادلة.
احذروا دعاء المظلومين، وغضب الفقراء والجياع، وهضم حقوقهم، والاستخفاف بصمت الناس فهو-الصمت- لغة أخرى أحياناً، معبرة على نحو أقوى وأبلغ من أي ضجيج وصراخ، وإياكم أكل أموال الأيتام والمال السحت الحرام، فقد جاء في القرآن وصية واضحة ألا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وبغض النظر عن البعد القدسي والغيبي للآية ورسالتها الدينية، فإنها تختزل، وتلخص عبرة وحكمة ودرساً بشرياً وتجارب إنسانية عبر التاريخ تعلم وتعي مآلات هذا الفعل الشاذ غير الأخلاقي وتحذر منه، فأكل أموال الناس وهضم حقوقها والاستيلاء على لقمة عيشها وتجويعها وإفقارها وتشليحها وسلبها أعز ما وهبته الطبيعة لها وهي الكرامة والاعتبار الإنساني، كلها أسباب تفضي إلى عواقب وخيمة لممارسيها، ومن يفعل ذلك فإنه سيصلى ثورة ذات غضب وقودها الحزن والأسى والصراخ والشغب، وهذا ما حصل مع الفرعون الأكبر وداي تونس، من قبله، في سوء العاقبة والحساب، وأولئك هم الظالمون.
ملاحظة عابرة: قارنوا بين ثروة العبد الفقير لله نضال نعيسة، الذي لا يملك اليوم، وبكل صدق ثمن كفن فيما لو أخذ الله أمانته ووفى وصدق وعده وهو خير الصادقين، وبين ثروات لصوص العرب الكبار. هذا ما طلع به نضال نعيسة من ثروة تساوي بالنسبة له كل ملياراتهم وما نهبوه وكدسوه، هذه الكلمات الصادقة والعميقة من محب ومعجب مجهول، هو أكبر قوة وطاقة روحية يمكن أن تمنح لأي إنسان، تعليق كهذا وأمثاله الكثير مما يردني، وبكل تواضع، يساوي عندي بنك أوف أمريكا وما فيه من أموال شيوخ العرب ولصوصهم الفاجرين، ومصاصي الدماء الكبار، نعم هذه هي ثروتي الوحيدة التي أعتز بها وأضعها في بنك روحي وقلبي الذي لا يمكن أن يقلس أوي خسر وسيبقى مملوءً بحب الناس، ونوردها من باب "كشف لحساب"، ليس إلا وليس من باب التفاخر والزهو الكاذب الذي لم نؤمن به في يوم من الأيام : وتجدوه على الرابط المرفق على الفيسبوك.