Wednesday, February 9. 2011
السؤال الذي يواجهني دوماً هو: هل يعي حكام بغداد حقاً حين يمعنون بسلب حرية الناس وفرض أخلاقيات مفتعلة باسم الدين, ولكنهم في الواقع يجسدون فكراً ظلامياً متخلفاً وجامحاً في تطرفه على الناس في العراق؟
هل يدرك هؤلاء أن مسيرة قوى الإسلام السياسية منذ سقوط جمهورية البعث الصدامية الهمجية حتى الآن, تدفع بذات الاتجاه الدكتاتوري المناهض لحرية الفرد والمجتمع, ولكن باتجاه آخر ديني, إذ كان صدام حسين يسير باتجاه قومي شوفيني وفاشي, وكلاهما يلتقيان بالمحصلة النهائية في مواجهة حقوق الشعب والمواطنة؟
هل يعي هؤلاء الحكام إن السلب والنهب أصبح النظام السائد في البلاد وأصبح حديث الناس لا في العراق فحسب, بل وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبقية بلدان العالم, إذ احتل العراق الموقع المتقدم في غياب النزاهة عنه؟
ألا يعرف رئيس الوزراء من يسرق ومن لا يسرق, ألا يعرف من استولى على مساحات واسعة من العقارات في بغداد وغيرها دون وجه حق, ألا يعرف الأموال التي تؤخذ باسم الحماية وليست هناك حماية بالعدد الذي يتسلم عنه رواتب ليست سوى السحت الحرام؟
ألا يعرف رئيس الوزراء بأن البطالة والجوع والحرمان كلها مظاهر تعذب كرامة الإنسان وتضعف حيويته وطاقته وقدرته على مواجهة ظروف الحياة القاسية؟
ألا يعرف بأن مطاردة الثقافة الديمقراطية والحياة الفنية ومنع ممارستها تقود إلى جمود حقيقي في المجتمع وإلى جدب في حياة الإنسان وفكره؟ أولا يعرف رئيس الوزراء المتحضر أن الحضارة تتطلب وجود الفنون الإبداعية وتدريسها وممارستها من قبل الشعب وبكل أنواعها, وأن الحزن والبكاء والعويل ورش الطين على الملابس والرؤوس والتطبير وما إلى ذلك تقود كلها إلى المزيد من الكآبة والموت البطئ للإنسان العراقي؟
هل حقق المالكي عن المسؤول عن أصدار أمر ضرب مظاهرات الحمزة السلمية وقُتل فيها مواطنان وأصيب آخرون بجراح, وهل حقق عن المسؤول عن تفريق مظاهرة الديوانية بالقوة, وهل صدرت نتائج التحقيق عن الجهة المسؤولة عن إصدار أوامر هجوم الشرطة على جميعة أشور بانيبال الثقافية ببغداد ...الخ؟
أولا يعرف بأن التضييق على حرية المرأة ودفعها إلى ممارسة الطقوس المتخلفة لقرون وسطى عربية, كما يجري اليوم في محاولات مشبوهة في الجامعات العراقية يقود إلى المزيد من الانفصام في المجتمع وإلى المزيد من الأمراض والعلل الاجتماعية للمرأة والرجل في آن؟
إلا يدرك رئيس الوزراء المؤمن بأن الإيمان هو قضية شخصية وليست مسؤولية الحكومة وشيوخ الدين والمتلاعبين بحياة وإرادة ودين الناس؟ ألا يعتقد الرجل الذي يريد أن يقود العراق بأن "الدين لله والوطن للجميع"؟ ألا يؤمن بصواب الآية... لكم دينكم ولي دين؟
ألا يدرك رئيس وزراء العراق بأن زيادة وتوسيع تأثير إيران السياسي والديني والمذهبي والطائفي على العراق عمودياً وأفقياً سيقود بالمحصلة النهائية إلى عزله عن الشعب العراقي وسيهيئ له وضعاً مقاربا أو أشد قوة وزخماً مما حصل في تونس وما يجري الآن في مصر, فالشعب العراقي إن ثار يكنس كل من وقف ويقف بوجهه؟
كم أتمنى أن يدرك هذا الرجل هذه الحقيقة وأن لا يتعامل مثل ما تعامل حتى الأن مع الأحداث, ولكنه قد برهن حتى الآن أنه لم يستفد ولم يتعلم من تجربة صدام حسين ولا ممن سبقوه في حكم العراق! من المعروف أن الشعب العراقي يصبر على الجوع والحرمان ويتحمل الألم طويلاً, ولكن حين تصل المهانة إلى سحق عظامه, عندها يتفجر غضباً ويتحول إلى رعد هائل وبرق حارق ولن يرضيه ما جرى في تونس ولن يسمح بهروب سارقي خبزه ومنغصي حريته الفردية ومصادري حقوقه المثبتة في الدستور وفي اللوائح الدولية.
التقارير التي تصل إلى رئيس الوزراء ممن يعملون معه عن أوضاع العراق لا تشرح له ما يتفاعل اليوم في احشاء الوطن الجريح ووفي أعماق هذا الشعب الصبور المبتلى بالطائفية السياسية والحكم غير الرشيد. وبالتالي ربما سيفاجأ بما لم يكن يقدر حقيقة الموقف وعواقبه المحتملة.
الظلم إن دام دمر, والحرية أن نهبت من الفرد ستحول الفرد إلى راغب في انتزاعها بأي ثمن حتى لو مات من أجلها. وأن الحاكم الذي لا يريد أن يعرف هذه الحقيقة سيعاقب بأقسى ما يتصوره الإنسان. من يدرك الأمور متأخراً يعاقبه التاريخ.
ما يجري اليوم في العراق يذكرنا بالأفعال الطلفاحية والحملة الإيمانية الصدامية, الذي أرد أن يفرض على النساء الامتناع عن ارتداء التنورة حتى الركبة وصبغ أرجل النساء وحلق بشكل مشوه شعر الرجال الطويل وأنتهى إلى حيث وبئس المصير. واليوم من يمارس ذات الأساليب والإجراءات لن يكون مصيره بأفضل من مصير طلفاح وابن اخته المجرم صدام حسين. إن فرض فصل الطالبات عن الطلاب في الجامعات العراقية ورش الأصباغ والدهون على المقاعد في حدائق الجامعات لمنع جلوس الجنسين عليها وفرض لبس القفازات (الكفوف) على البنات وصولاً ربما إلى إقامة جامعات منفصلة للنساء والرجال, كلها ستقود إلى ثورة اجتماعية تهز أركان نظام الأحزاب الدينية في العراق, تهز من الأعماق حزب الدعوة والتيار الصدري. وسوف لن تنفع المظاهرات التي يدعو إليها مقتدى الصدر, إذ يكون الكأس قد فاض بمائه وأوجع الشعب كثيراً وستجرف المياه النقية المياه الآسنة.
إن الدعوة إلى التظاهر يوم 25 فبراير/شباط 2011 في ساحة التحرير لها مغزاها الاجتماعي وخلفيتها السياسية والاقتصادية والثقافية, وسوف لن تكون الأخيرة قطعاً. وستبدأ وسائل ثورة الأنفوميديا, ثورة المعلومات والاتصالات, تساهم في مواصلة الحوارات النضالية لتغيير واقع الحال في العراق لصالح المجتمع وحقوق الإنسان.
9/2/2011 كاظم حبيب
|