سبق أن قال مهدي كروبي «إن ولاية الفقيه في إيران تفوق بكثير السلطة التي يمارسها الله القوي في الكون! أو إن نطاق ممارسة الله القوي لسلطاته أقل من نطاق سلطة الولاية المطلقة». ونجد أنه بناء على الدستور الإيراني، يملك الولي الفقيه سلطة مطلقة.
ولا نجد حديثا نبويا واحدا ينص على امتلاك الرسول سلطة مطلقة. على سبيل المثال، في كتابه «نهج البلاغة»، يستخدم الإمام علي هذا المصطلح مرتين، في خطبتين برقم 94 و196، لكن في حديثه كانت «مطلقة» تعني الحرية!
بناء على المادة 57 من الدستور الإيراني «تنقسم سلطات الحكم في الجمهورية الإسلامية بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، التي تعامل جميعا تحت إشراف المرشد الديني المطلق وقيادة الأمة، طبقا لما تنص عليه مواد تالية من الدستور. وتعد تلك السلطات مستقلة عن بعضها بعضا».
بناء على هذا التوصيف، يتعين على وسائل الإعلام استخدام لفظ المرشد الأعلى مع آية الله خامنئي. إلا أن وصف «أعلى» غالبا ما يستخدم لإظهار التبجيل (رهبر معظم)، لكن هذا الوصف غير موجود في الدستور الإيراني، الذي يشير ببساطة إلى «المرشد» (رهبر).ويشبه هذا اللقب ومثل هذا الخطاب لقب «الزعيم العظيم» لكوريا الشمالية الذي أطلق على كيم إل سونغ. ولو كنت سافرت إلى كوريا الشمالية، كنت ستجد البلاد منقسمة إلى مركز وهامش، ولم يكن جميع الكوريين الشماليين يعنون شيئا، بينما كانت جميع مقاليد البلاد في يد كيم إل سونغ. لقد كان روح الأمة وبمثابة الإله لها. وحتى اليوم، ورغم وفاته عام 1994، فإنه، بناء على ما ينص عليه الدستور الكوري الشمالي، الرئيس الخالد!
نشر موقع «فاردا» الإلكتروني، الذي ينتمي إلى عمدة طهران، الجنرال غاليفباف، قائد الشرطة السابق، مقالا بعنوان «باسم حنجرة خامنئي»! أشار خلاله الكاتب إلى أن مصدر معرفة الولي الفقيه هو الله، بمعنى أن علمه لدني. أما أشهر مفسري هذه الفكرة فهو آية الله مصباح يزدي، الذي يعتقد أن جوهر شرعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية يكمن في الولي الفقيه، بمعنى أننا نقبل الدستور لأن الولي الفقيه يقبله. ونقبل البرلمان لأنه برلمان الولي الفقيه. ومن بين الأمثلة على هذا الفكر عندما نظمت قوات الباسيج مظاهرة ضد البرلمان نددوا خلالها برئيسه علي لاريجاني باعتباره منافقا وخائنا. عندئذ أجاب لاريجاني بأن البرلمان هو برلمان خامنئي. ويعد هذا الرد دليلا على مثل تلك الفكرة الدائرة حول أن الولي الفقيه يشكل محور كل شيء، وأن البرلمان لا قيمة له.
وتضرب هذه الفكرة بجذور عميقة قديمة في الحكم الاستبدادي داخل إيران.
على سبيل المثال، في كتابه «نقد العقل العربي»، ناقش الفيلسوف المسلم العظيم عابد الجابري خلفية والجذور الرئيسية لنظرية الملك الإله في إيران القديمة والتحول الذي طرأ عليها من جانب اليونانيين وفي عصر الخلافة الإسلامية. ويقول الجابري إن «خلط الدين بالسياسة موروث إيراني!» («نقد العقل العربي» ص 153).
الملاحظ أنه قبل انتصار الثورة الإسلامية، كانت جدران الكثير من المباني الحكومية تحمل شعارا يقول «أمر الشاه هو أمر الله فالشاه ظل الله». وفي تلك الفترة، تحديدا 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967، نشر مقال حول شاه إيران بعنوان «إيران: الظل المتوج لله». وزعم كاتب المقال أنه «بالنسبة للشاه، يعد احتفال التتويج رمزا لرضا رعاياه واستقرار بلاده. ولا يمكن لعين أن تخطئ حقيقة أنه يتمتع بكليهما. عندما يضع الشاه، كما جرت العادة مع أسلافه، التاج المرصع بـ3755 جوهرة على رأسه، سيجثو ملايين الإيرانيين على أرجلهم صائحين (عاش الشاه)».
بطبيعة الحال، كان هذا محض كذب! لقد كان ملايين الإيرانيين يخرجون إلى الشوارع مرددين هتافات ضد الشاه مطالبين بقتله!
من وجهة نظري، يتمثل واحدا من الإنجازات الكبرى التي حققتها «الحركة الخضراء» في إيران في تغيير أسلوب تفكير كثير من الإيرانيين، الذين باتوا يعتقدون الآن أن المرشد ليس معصوما من الخطأ، وإنما هو بشر عادي. كما تولدت لديهم قناعة بأنه ليس الله، ولا ظله - وهو تطور مذهل!
وبناء على ما ورد في القرآن الكريم، فإن الرسول ذاته بشر، مثلما يقول القرآن «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي» (الكهف - الآية 110). وطبقا لما يذكره القرآن، فإن الله القدير بعث رسوله للناس كافة، بينما ترى وجهة نظر مقابلة أن الله خلق البشر من أجل رسوله. وعليه، يدعي الولي الفقيه أنه في منزلة الرسول والأئمة. لذا، يجب على الأمة كلها طاعته من دون أي تشكيك أو طرح أي سؤال - وهذه فكرة جديدة على الفكر الديني الشيعي.
على سبيل المثال، يحث الإمام علي، الإمام الأول لدى الشيعة، في خطبته رقم 216 من «نهج البلاغة»، من حوله على ألا يلقاه أحد بالمديح ظنا منه أنه سيغضب إذا قيلت له الحقيقة، مؤكدا على الناس ألا يتحاشوا قول الحق أمامه لأنه لا يرى نفسه معصوما من الخطأ.
"الشرق الأوسط"