انتخاب الدكتور محمود احمدي نجاد للرئاسة الإيرانية قبل يومين إنما يمثل التطرف الذي يعقب الاعتدال التدريجي والذي بدأ مع رئاسة رفسنجاني وانتهى بنهاية ولاية خاتمي الرئاسية. وهو ما يشير بنظرنا إلى بداية نهاية الثورة الإسلامية في إيران.
لكل الثورات في العالم خصائص ثلاثة، أولها التصفية للرموز الفكرية والشخصية للنظام السابق المثار عليه، والثانية التصدير لمبادئ وطروحات الثورة إلى الدول الأخرى وخاصة القريبة منها، وسواء جاء هذا التصدير مباشرة بعد قيام الثورة أو بعد ذلك بسنوات، وسواء أيضا جاء هذا التصدير بقصد ونية من الثوار أو تلقائيا نتيجة لنجاح مبادئ الثورة في التأثير على قطاعات واسعة من الناس في دول أخرى واستقطابهم إليها. أما الثالثة، وهي ما تهمنا هنا بالنسبة للثورة الإيرانية، فهي التطرف الذي يعقبه الاعتدال التدريجي ثم التطرف مرة أخرى والذي يحوي في طياته بذرة انتهاء الثورة. وللقارئ العزيز في تجارب الثورات العالمية الكثيرة أمثلة عديدة تمكنه من أن يطبق هذه الفرضية عليها ليتبين بنفسه مدى صحتها من عدمها .
انتخاب الدكتور محمود احمدي نجاد للرئاسة الإيرانية قبل يومين إنما يمثل التطرف الذي يعقب الاعتدال التدريجي والذي بدأ مع رئاسة رفسنجاني وانتهى بنهاية ولاية خاتمي الرئاسية. وهو ما يشير بنظرنا إلى بداية نهاية الثورة الإسلامية في إيران.
كان من الممكن قبل قرابة خمس وعشرين سنة أن توصف التجربة الدستورية الإيرانية التي جاءت بها الثورة الإسلامية في إيران بأنها تجربة دستورية رائعة وبالغة العناية. إذ استطاعت آنذاك أن تجمع بدقة وحذر بين زوجين من المتناقضات السياسية الشائكة تاريخيا. فهي، من جهة، استطاعت أن تجمع بين التراث السياسي الإسلامي الذي لا يعرف الديمقراطية أو المؤسسات الدستورية وبين الاستحقاقات الدستورية والديمقراطية التي يقتضيها العصر، فوجدنا لذلك إن الثورة قد وضعت ابتداء دستورا، في الوقت الذي ما زالت فيه بعض الأنظمة والحركات السياسية العربية والإسلامية ترفض الدستور وتعتبره شيء يتعارض مع الإسلام بحجة إن "القرآن دستورنا"، وضَمَّنت الثورة الإسلامية في إيران هذا الدستور عدد من المؤسسات الدستورية والديمقراطية المعاصرة من قبيل مجلس الشورى والانتخابات الرئاسية والرقابة على الدستورية وغيرها. ومن جهة أخرى، فالثورة الإسلامية في إيران استطاعت أن تحل، من وجهة نظرها، الإشكالية المزمنة في التراث السياسي والإسلامي، وحتى الغربي قديما، بين السلطة الزمنية من ناحية والسلطة الروحية من ناحية أخرى؛ لذلك فقد وجدنا إن دستور جمهورية إيران الإسلامية ينص على منصب المرشد الأعلى وهو الولي الفقيه ويمثل السلطة الروحية في الجمهورية، وينص كذلك على منصب رئيس الجمهورية وهو يمثل السلطة الزمنية للجمهورية. هذا ناهيك عما مثله هذا الدستور آنذاك من دفعة قوية للفكر السياسي الشيعي بإخراجه لهذا الفكر من جموده الناتج عن انتظار الإمام الحجة الغائب صاحب الزمان ( عليه السلام ) وذلك من خلال تطبيقه لنظرية ولاية الفقيه والتي مثّلت تصدي المؤسسة الدينية الشيعية للحكم الزمني، فضلا عن الروحي، في دولة إسلامية . لكل ذلك فقد كان من الممكن القول ، حتى عهد قريب، إن التجربة الدستورية للثورة الإسلامية في إيران قد مثّلت واحدة من أكبر التجارب الدستورية الإسلامية المعاصرة روعةً وحداثةً واتقاناً في الصنعة الدستورية . ولكن تبقى عظمة أية نظرية ليس بروعة فرضياتها وطروحاتها ومنطلقاتها، إنما بالتطبيق وما سيسفر عنه هذا التطبيق من نتائج وايجابيات أو سلبيات. ومن الواضح إن روعة ودقة التجربة الدستورية الإيرانية لم تحصنها من أن تسفر في النهاية عن تجربة شمولية هي الأخرى شأنها شأن التجارب الشمولية العديدة في العالم، حيث نجد إن رجال الدين والمؤسسة الدينية الإيرانية تتحكم في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة الدستورية والسياسية. وعملية الجمع بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية قد فشلت فشلا ذريعا إذ استحالت إلى سلطة فعلية كبيرة يملكها المرشد الأعلى للثورة، صاحب السلطة الروحية بحسب نصوص الدستور، لتتضاءل مقابلها السلطة الفعلية لرئيس الجمهورية ويصبح الأخير أشبه برئيس الوزراء في الأنظمة الدستورية المختلطة أي التي تجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني كما هو الحال في كل من فرنسا ومصر وسوريا مثلا، حيث يكون فيها رئيس الجمهورية هو صاحب السلطة الحقيقة والكبيرة في الدولة وما رئيس الوزراء إلا منفذ للسياسات التي يضعها رئيس الجمهورية وبإمكان الأخير أن يعزل الأول متى ما شاء ما لم تظهر أعراف دستورية تقضي بخلاف ذلك. ضف إلى ذلك، ما أسفرت عنه الانتخابات الإيرانية الأخيرة من تذمر وشكوى صريحة وكبيرة لرفسنجاني، وهو رئيس مصلحة تشخيص النظام، أقوى مؤسسة دستورية إيرانية، من الطريقة التي جرت بها الانتخابات وتسخير جميع إمكانيات الدولة لضمان الفوز لأحد المرشحين على حساب الأخر أو الآخرين، وما سبقه من رفض الطلبات الألف للترشيح للرئاسة وقبول ستة منها فقط؛ ووصول من يوصف بأنه من صقور المحافظين إلى سدة الرئاسة في إيران والذي نعتقد إنه سيعجل، بسبب توجهات سياسته الخارجية ولاسيما في المجال النووي، في تحويل الأزمة الإيرانية مع القوى الكبرى إلى صدام حقيقي سينتهي بفرض العقوبات الدولية على إيران خلال ستة أشهر من الآن، وهو ما سيكون المقدمة الحقيقة لإحداث تغييرات جوهرية في النظام الإيراني برمته.