Friday, December 25. 2009
برحيل الشيخ آية الله العظمى حسين علي منتظري التي حدثت قبل أيام قليلة , يغيب عن ساحة العمل السياسي والميداني في إيران واحد من أبرز الوجوه الثورية التي كان لها حضورها التاريخي الفاعل في صياغة التاريخ الإيراني خلال العقود الاربعة الأخيرة من الزمن ,
والتي كانت مرحلة مهمة وحرجة وحساسة في التشكيل العام للمجتمع والدولة في إيران , الشيخ المنتظري لم يكن من طراز رجال الدين التقليديين من أهل المرجعية الدينية , ولم تكن أهميته تنبع من المجالات الفقهية والدينية فقط , بل أنه واحد من أهم الذين تركوا بصماتهم الواضحة في التاريخ الإيراني المعاصر بدءا من إرهاصات ما قبل الثورة الإسلامية وكان رمز اًحركيا مهما من رموز الحركة الدينية والشعبية , مرورا بمشاركته الفاعلة والقيادية في الثورة الشعبية عام 1979 وإستمرارا مع احتلاله المباشر لمنصب الرجل الثاني في القيادة الثورية العليا والنائب والخليفة الأوحد للراحل الخميني قبل أن تهب رياح الخلافات الفكرية والسياسية وتنشط أحابيل الدس للتفرقة بين أبناء وقادة الثورة الأوائل , وهي الثورة التي أكلت ابناءها بقلة وفاء وغدر واضحين لم تكن غريبة أبدا عن أحداث مريعة مشابهة حدثت في تاريخ الثورات الشعبية في العالم , وإذا كانت مقولة "الثورة تأكل أبنائها" الشهيرة والمعروفة تنطبق على جهة أوشيء ما فإنها تنطبق أشد الإنطباق على الحالة التي عاشها الراحل المنتظري منذ أن أعلن عن معارضته العلنية والصريحة والشجاعة للعديد من ملفات السياسة الإيرانية وحيث أطلقها دعوة علنية وصريحة وتحذيرية من مغبة الإنحراف ومخاطر بناء الديكتاتورية ومصادرة السلطة لكل المبادرات الثورية الهادفة إلى تغيير المجتمع بنوايا وأهداف إنسانية لاعلاقة لها ببناء دولة الظلم والتعسف , فالكفر يدوم ولكن الظلم لا يدوم.
تلك المواقف الجريئة والصريحة كلفت الشيخ المنتظري غاليا ودفعت بمراكز القوى السياسية والديكتاتورية في إيران لإبعاده عن خلافة الخميني في مارس عام 1989 أي قبل أسابيع قليلة من رحيل الأخير في أوائل شهر يونيومن العام نفسه فتحول فجأة وعلى حين غرة الرجل الذي كانت صورته العامة ملتصقة بصورة قائد الثورة بصفته الخليفة ( الأمين ) والشرعي إلى عدومبين وشرس وخطير في وجه النظام الذي كان هولا غيره احد بنائيه وواضع لبناته الدستورية ألأولى وأحد أبرز الوجوه التي تصدرت واجهة الأحداث الإيرانية طيلة العقد الأول من عمر الثورة التي شهدت أقسى تحدياتها وأوراقها الصعبة ممثلة في الحرب العراقية -الإيرانية الماراثونية الطويلة الشرسة والمكلفة والتي سعت أطراف مؤثرة في النظام الإيراني إلى اطالتها أكثر مما ينبغي بهدف تحقيق مصالح معينة قبل أن يجبروا فيما بعد على تجرع كأس السم وإيقاف تلك الحرب في نهاية صيف عام 1988 والذي بدأت معه ملامح المتغيرات الداخلية التي هبت على إيران وفرضت تأكيد الديكتاتورية المقدسة وفرض مبدأ ولاية الفقيه ومصادرة مؤسسة الحرس الثوري الإرهابية للثورة ومبادئها وأخلاقياتها التي تدنت للأسف اليوم بشكل مفجع من خلال التعامل الرسمي الإيراني حتى مع حدث موت الخليفة الذي كان وحيث تعمد الإعلام الرسمي التقليل من أهمية الرجل وبإهانة واضحة مبعثها الحط من قدره ومكانته من خلال عدم الإشارة إلى منزلته الفقهية والدينية , أولإعتبار "الخرف" كأحد أسباب الوفاة! وهي إهانة خبيثة لا تصدر إلا عن نفوس خبيثة لم يهذبها الإسلام ولم تتشرب بمبادئه الإنسانية والأخلاقية العليا , فالإسلام في عرف النظام الكهنوتي الإيراني مجرد شعار وطلاء خارجي لتغطية مثالب وعورات نظام قومي عنصري قمعي إقصائي تعامل مع رجل بحجم منتظري بصفاقة ودناءة قل نظيرها إفتقرت حتى لأبسط أساليب التكتيك السياسي التي برع فيها الإيرانيون وتميزوا, فليس سرا إن السياسي الإيراني وهويصافح الغريم ويبثه لواعج الشوق والنفاق يحمل في ظهره خنجرا مسموما ينتظر الفرصة للطعن! وقد فعلوها علنا مع الراحل منتظري الذي تحول إلى رمز من رموز حركة التغيير والإصلاح في إيران بصراحته ومبدأيته وتضحياته ولرنين إسمه المعروف والذي يرتبط به أيضا ذكرى ولده الشيخ الراحل محمد منتظري الذي قضى في إنفجار الحزب الجمهوري الإسلامي عام 1981 وكان واحدا من أبرز وجوه الثورة الإيرانية الشابة وقتذاك , برحيل "المنتظري" تتكرس حقائق الصراع في إيران وتفضح الصورة الديكتاتورية والإقصائية للتيار الكارثي المتطرف الذي يقود إيران اليوم بإمتياز نحوالجحيم ? ثم أن التاريخ بأحكامه العادلة والخالية من النفاق سيظل يضحك طويلا على صفاقة وسماجة ودناءة نظام يحاول التزوير في كل شيء , حتى الذاكرة التاريخية , فهذا النظام المبني على الدجل والتخريف والهلوسة والخرافة أرعبته جثة الشيخ الراحل التي ستظل تحكي للأجيال حكاية الثورة التي أكلها ابناؤها , فيما تكفل المتطرفون منهم بإهالة التراب ومحاولة تدنيس وتشويه سمعة احد أبرز رموزها, لقد كان منتظري آخر الرجال المحترمين في مسيرة طويلة من الآلام والتضحيات خاضها الشعب الإيراني الذي يصارع البلوى كل يوم من أجل التغيير نحوالأفضل وإحقاق الحق , وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السفينة الإيرانية المتجهة بقوة نحوأعماق سحيقة, فرحم الله منتظري الذي كان رجلا مبدئياً أصيلا لم تبهره أضواء الشهرة والعظمة الفارغة , كان بإمكانه أن ينافق ليستمر في السلطة , ولكنه تأسى بطريق الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وسلك طريق الحق رغم قلة سالكيه وأعلنها مدوية بأنه لا حياة مع الظلم والظالمين, وهيهات منا الذلة, ورحم الله كل الأحرار, والعار للمنافقين والأفاقين والدجالين, إنه التاريخ الذي لا يرحم ولا يجامل أوينافق.
كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
|