من المدهش حقا وأنا اقرأ رواية "بنات إيران"، أو أشاهد فيلم "أسامة" الأفغاني، أن أشعر بالسياط نفسها التي تشعر بها نساء يعشن في الجنوب الغربي من قارة آسيا، وأنا التي أعيش على طرف القارة نفسه، وتفصلني عنهن "نساء" أيضا على الخط الغربي نفسه من القارة، لكنهن أوفر حظا من نساء في ثلاث بقع، قدرهن أن يولدن وصوت السياط في مسامعهن مدويا بالتفرقة منذ اللحظة التي تأتي فيها للحياة "أنثى".
في فيلم "أسامة" ظهر صوت المرأة الأفغانية، ينفض عنه تراب اغتصاب حقه في هذه الحياة. كان الصراع على أشده بين المرأة ورجال طالبان الذين يمثلون السلطة الدينية. أما "أسامة"، فهي فتاة يتيمة لم تبلغ الثالثة عشرة من عمرها، نصيبها أن تعيش في كنف جدتها ووالدتها في بيت ليس فيه رجل، وهذا بحد ذاته في واقع السلطة المتمثلة في رجال الشرطة الدينية يُعتبر أن لا مكان في هذه الحياة لتلك النسوة، ومن الأمور الطبيعية أن تُنتهك المرأة في إنسانيتها، وبذلك يُمارس القهر على مجتمع بأكمله.
رواية بنات إيران
بعدما اعتصر الجوع بطونهن، فكرت الأم والجدة في قتل أنوثة الفتاة، وذلك بقص شعرها وتحويلها إلى ولد لتكون على الأقل مصدر رزق لهذا البيت المسكون بالفقر.. في هذا الفيلم تصوير لحياة المرأة، وشهادة حية تؤكد على تعارض معنى الحياة في ظل هذه السلطة.
أما رواية "بنات إيران" التي أكدت على غلافها مؤلفة الرواية "ناهيد رشلان"، بأنها واقعية، وهي سيرة ذاتية للكاتبة نفسها، كشفت من خلالها عن حياة المرأة في مجتمع ذكوري، لتزأر بصوت عال في وجه كل الأعراف والتقاليد التي كبلت إنسانيتها وحاولت إلغاء وجودها.
في رأيي إن هذه الرواية لا تحكي قصة ناهيد وأسرتها فحسب، بل هي توثيق لحياة المرأة الإيرانية في حقبة زمنية من التاريخ كانت فيها المرأة مجرد كائن على الهامش.
كما يتضح في الرواية، فإن الحياة الاجتماعية لا يُمكن فصلها عن الحياة السياسية، فتظهر الصورة بعد وفاة الخميني العام 1989 حيث تسوء الأمور تحت حكم الشاه، لكن الأمور تغيرت بعد رئاسة الدكتور محمد خاتمي، الذي فتح نافذة أمام المرأة حتى أنه -على حد قول الكاتبة- صار بمقدورها ارتياد مقاهي الإنترنت والتعرف إلى أنماط هذه الحياة الافتراضية التي تمنح الإنسان مكتسبات قد لا يمكنه الحصول عليها من خلال مورد آخر، وبذلك تم فتح النوافذ أمام المرأة الإيرانية في مختلف أوجه الحياة.
كامرأة سعودية
ما بين الحكايتين أردت أن أقول إنني كامرأة سعودية قد لا تختلف حياتي كثيرا عن مجتمعين ربما يكونان مختلفين، إذ فيما يبدو أن طرق السلطة الدينية، وإن اختلفت الجغرافيا، إلا أنها واحدة منذ زمن طويل، كما يتضح أن الهدف الأساس لهذه السلطة التي قد تكون في أحيان ليست قليلة (منفلتة) هو نفسه.. وهو (المرأة) مما يؤكد على ارتباط عقدة هؤلاء الرجال بها.
هذا الخوف الظاهر الذي يتجلي بممارسة العنف والقهر والتقليل والتحطيم في هذا الكائن البشري المسمى بـ"المرأة" ماهو إلا خلل في الجذور وارتباك في النشأة، وصورة شهريار التي مازالت مسيطرة على مخيلة مثل هؤلاء الرجال. شهريار ذلك الرجل المطعون في كرامته بعدما اكتشف خيانة زوجته له فقرر الانتقام من كل النساء، وذلك لأن تكون المرأة لديه مجرد متعة ليوم واحد بعد ذلك ليس لها إلا الموت.
عقدة شهريار، هي عش، أسدل بخيوطه على العقول الذكورية، فأعياها الغبش وانعدام الرؤية وصارت مجرد أفكار مبرمجة ومتشابهة سواء في أفغانستان أم في إيران أم حتى في السعودية.
توصلت إلى قناعة بأن هذا الإيمان لا يمكن أن يكون حقيقيا، بل مزيفا وبعيدا كل البعد عن أساسيات الدين الإسلامي الذي خرج على النور بمبدأ المساواة.
العالم يتحرك من حولنا، ونحن باقون تحت وطأة المعارك في انجذاب ديني مستمر، حتى إنه لم يعد في الحالة الطبيعية، بل صار مرضا يحيق بالمجتمعات العربية والإسلامية يستوجب العلاج. أما المرأة فهي الحلقة الأضعف في ظل هكذا مجتمعات تترامى إنسانيتها ما بين رجل يُحرم وجودها في الحياة إلا بشروط، ورجل آخر يدعي أنه منتم لتيار تنويري، وقد يطلق على نفسه "ليبراليا"، وهذا الآخر لا يتوانى في جعلها أداة، أو جنديا يحقق بها أهدافه. والمرأة مازالت مُصرّة بأن سمحت لنفسها بالبقاء بين جحيمين، لا هذا يحترمها ولا ذاك.