في ظل نجاح الوساطة القطرية ، وفي ظل المتغير الدولي والحراك الطبيعي نحو السلام ، فإننا والحال هذه نحتاج إلى إتفاق وطني يشبه ذاك الذي فعله الأشقاء في لبنان ، صحيح إن مشكلات العراق مغايرة في حراكها عن مثيلتها في لبنان والمغايرة هذه تسري على طبيعة ثقافة الحكم في البلدين وعلى طبيعة التعاطي مع هموم الوطن الضاغطة ،
لكن هذا ليس حاجزاً يمنع من خلق المناخ الذي يجعل روح الإتفاق على مقدمات الوطن السليم ممكنة ، بحكم ما نعلمه عن البعض من روح الولاء للوطن والسعي لتقدم شعبه في كافة المجالات ، وهنا لابد من التذكير بدور القوى الوطنية النبيلة وجهودها في ردم الهوة التي خلقها الوضع الشاذ لما بعد التحرير ، ودورها في خلق المناخات الملائمة للخروج من دائرة القلق والأحتراب التي يسعى لها مغامرون فاشلون ، كما إنه لا أحد منا يشك بمقدرة الشعب العراقي وحنكته وحرصه على ان يكون العراق واحداً موحداً ومستقراً ، وهذه نقطة إيجابية يجب التأسيس عليها والبناء ، سيما وإن العراق يعيش صراعاً فوضوياً لا معنى له ولاطائل من ورائه ، إذا ما نظرنا إليه بعين الرعاية للواقع وحقائقه والبعد عن التغنى بالماضي وسجالاته المملة المقرفة . نحن على علم بإن هذا الصراع سينتهي يوماً ما وربما يكون هذا اليوم قريب وقريب جداً ، ولكننا مع ذلك فنحن ميالين لجعل نهايته تتم لا على أساس التراضي الطائفي والمناطقي البغيض ، بل على أساس – العقد الإجتماعي والسياسي الجديد - الذي يجب ان نؤسسه سوياً وعبر الشراكة الحقيقية ، من خلال الإمتناع عن كل ما يربك ويقلق ويثير ، أي إن الإرادة الوطنية يجب ان تعلو فوق كل إرادة – فالوطن للجميع - وهذه حقيقة يجب التعاطي معها بمصداقية ، كما إن إحترام حرية الشعب في خياراته الثقافية والفكرية والإجتماعية هي من المقدسات الواجب حمايتها – فالدين لله - وعلى أساس هذا يجب ان يكون التوجه العام .
نعم نحن بحاجة إلى إتفاق ترعاه حكومة قطر بعدما تجلت قدرتها على حسم الصراعات بروح من المسؤولية كبير والتعاطي مع المشكلات بواقعية ، وإحترام الخيارات الوطنية وعدم التدخل فيها إلاّ من خلال جعل ذلك لمصلحة الجميع والوطن .
ً
وفي هذا المجال ستساعدنا النوايا الخيًّرة لرجال دين متنورين وفعاليات مدنية وعشائرية وطنية من اجل رفض حالة الألتباس في الفكر الأحادي أو الفكر الذي لا ينسجم وروح العصر ، كما يجب رفض مبدأ النظر إلى الوراء في تشكيل وعينا السياسي والتاريخي الجديد ، وهذا كله يحتاج إلى شعور وطني رصين يرتفع فوق الجراح و شعور إنساني يسمو فوق التقاسيم اللعينة ، وإيمان بوحدة الشعب ووحدة المصير ، وهذا هو القدر الجامع الذي يجب ان نتشارك فيه كما نتشارك في كل قضايا الوطن الأخرى .
من خلال وضع المعايير الصحيحة والمعتبرة في تأسيس الدول والمجتمعات ، فنحن يجب ان نؤمن بأننا نبني كل شيء من جديد .