ما كان فريق 14 آذار المتمتع بالغالبية النيابية ليقبل في حوار الدوحة او في مفاوضات الدوحة ما رفضه علناً وعلى مدى اكثر من سنة ونصف سنة، وهو الثلث المعطل في حكومة الوحدة الوطنية لفريق 8 آذار المعارض والدوائر الانتخابية لقانون 1960
مع تعديل بسيط لها يمس القدرة التمثيلية الموالية وغض النظر عملياً عن سلاح "حزب الله" واسلحة سائر الاحزاب والميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وعن علاقة هذا الحزب بالدولة بل عن قيامه بوظائفها الاساسية وخصوصاً ما يتعلق منها بالسلم والحرب - ما كان فريق 14 آذار هذا ليقبل كل ذلك لو كان ميزان القوى الداخلي في البلاد، وخصوصاً من الناحية العسكرية، لمصلحته ولو كان الدعم الاقليمي والدولي له مخيفاً للآخرين بافعاله رغم ما يمتلك اصحابه من ترسانات عسكرية ومالية هائلة ومن نفوذ واسع في المنطقة والعالم.
وما كان فريق 8 آذار المعارض ليحقق النصر الذي حقق اولاً في السياسة من خلال حصوله على الثلث الحكومي المعطّل وعلى الدوائر الانتخابية التي تريحه. وثانياً، في السيطرة الامنية والعسكرية على العاصمة التي لن تزول بسهولة او لن تزول ابداً في المستقبل المنظور رغم الإخفاء المتعمّد للكثير من مظاهرها. وثالثاً، في اشاعة الخوف من قدرته على الحسم العسكري ساعة يشاء او على الاقل على الاشتباك العسكري مع الآخرين مدة طويلة وعلى انهاكهم وتالياً على تدمير البلد على رؤوسهم بل على رؤوس الجميع - ما كان فريق 8 آذار هذا ليحقق المشار اليه اعلاه لولا نجاحه في الانتصار على اسرائيل مرتين الاولى عام 2000 والثانية عام 2006، ونجاحه في بناء جيش كبير بل في تحويل طائفته او معظمها جيشاً مدججاً بأفضل الاسلحة وحاصلاً على احسن تدريب ومالكاً لحوافز او دوافع وطنية وايديولوجية ودينية تدفع عناصره الى الترحيب بالموت من اجل الانتصار. وما كان ليحقق المشار اليه ايضاً لولا غياب الدولة بكل مؤسساتها وهو غياب ساهم فيه لأن لا مجال لتعايش دولته معها ولأن حلفاءه ورعاته الاقليميين لم يساعدوا اللبنانيين على بناء دولة بل اعاقوا بناء الدولة وحطّموا او حاولوا تحطيم كل من عمل على انجاز مشروع طموح كهذا. وما كان ليتحقق المشار اليه ثالثاً لولا عجز اخصامه، اي فريق 14 آذار، عن التصرف كفريق واحجامهم عن وضع استراتيجيا صلبة ولكن عملية وواقعية في آن واحد تأخذ في الاعتبار موازين القوى والاحجام في الداخل والخارج ومصالح الخارجين الاقليمي والدولي ومصلحة لبنان وامكان التعارض بينها بل التناقض، ولولا "نزق" بعضهم الذي نقل ايران من دولة رافضة اقتتالاً مذهبياً في لبنان ومانعة له في الماضي، رغم رعايتها بل ابوتها لـ"حزب الله" قائد 8 آذار، الى دولة غير ممانعة في حصوله بعدما طالب بعض الموالين علناً بأمور عدة منها طرد السفير الايراني من بيروت، ولولا "انغشاش" بعضهم الآخر بالنصائح الخارجية من دولية واقليمية والتي أدت الى قرارين صحيحين شرعياً ونظرياً وقانونياً ولكن مفجّرين للاوضاع نظراً الى خطورتهما والعجز الفعلي عن تنفيذهما. علماً ان هذه النصائح لم تعطَ تبرعاً بل بعد استمزاج أراء من بعض السلطة. وما كان فريق 8 آذار ليحقّق نصف النصر الذي حقّقه اخيراً لولا الفارق الشاسع في الاستعداد للدعم والمساعدة بين المحور الاقليمي الذي يدعمه (اي 8 آذار)، والمحور الاقليمي – الدولي الذي يدعم 14 آذار.
طبعاً لا يرمي هذا الكلام الى تنغيص فرحة اللبنانيين باتفاق الدوحة وخصوصاً انه انهى اعتصاماً شل العاصمة، واوقف اقتتالاً مذهبياً كاد ان يتحول وبلحظات حرباً اهلية شاملة، وملأ او سيملأ الفراغ في رئاسة الجمهورية، وسيهيِّىء للانتخابات النيابية المقبلة، وسيعيد نوعاً من الاستقرار الامني وان هشاً وبالتراضي، وسيعيد فتح ابواب مجلس النواب، بل يرمي الى دعوتهم الى عدم الوقوع في فخ التبسيط، وإن اعتمده احياناً كثيرة قادتهم والزعماء. ويرمي ايضا الى دعوة القادة والزعماء الى الصدق مع انفسهم ومع "شعوبهم" او على الاقل مع انصارهم داخل هذه الشعوب، فذلك وحده يمكن ان يجنّب لبنان العودة الى الماضي قريبه والبعيد. والصدق وعدم التبسيط يعنيان بوضوح عدم صحة وصف اتفاق الدوحة بانه اتفاق اللاغالب واللامغلوب. طبعاً لا يمكن الحديث عن غالب ومغلوب في صورة نهائية، لان الحرب الداخلية المزدوجة بمواجهة خارجية ساحتها لبنان وادواتها شعوبه، لم تنته بعد. وقد لا تنتهي قريباً لانها تشمل اكثر من ازمة ومشكلة اقليمية ودولية. ولكن لا بد من الاعتراف بارجحية حققها فريق 8 آذار وبواقع جديد دخلته البلاد وربما بواقع جديد دخلته المنطقة اخيراً او ستدخله ولا بد ان تكون له آثاره اللبنانية. الا ان هذه الارجحية قد لا تكون دائمة وهذا ما على اصحابها (اي قادة 8 آذار) ان يدركوه لأن العوامل التي جعلتها ممكنة وتجعل تحولها غلبة على الآخرين ممكنة ايضاً، ومعظمها اقليمي ودولي، قد لا تبقى على حالها، اذ ليست هناك ثوابت في السياسة رغم احترامنا الكامل للعقائديين والمؤمنين بالايديولوجيات على تنوعها. فالسياسة مصالح، والمصالح تتغير تبعاً للظروف.
والى من لا يعتقد بكل ذلك نقول ان "حزب الله" هو عدو اسرائيل، والخلاص من خطره الكبير عليها غير ممكن الا باستدراجه الى حرب داخلية اهلية. وهذه نظرية يتبناها اسرائيليون كثر، لكننا نقول في الوقت نفسه ان "حزب الله" المساوي لسوريا في لبنان اولا بسبب رعاية ايران له، وثانياً بسبب قوته العسكرية والشعبية ليس في مصلحتها على المدى الطويل، وخصوصاً انها تعتبر لبنان ساحتها الخلفية. ونقول ايضاً ان اعادته الى حجم يحتاج معه وفي استمرار الى حماية او دعم سوريين ليست ممكنة اذا لم يتورط في حرب اهلية داخلية. فهل هناك من يسمع؟