Monday, February 18. 2008
مفهوم القوامة من أهم المفاهيم التي تشكل حقل البحث المعرفي في قضايا الأسرة التي هي الوحدة الصغري والأساس بل هي أنموذج مصغر للأمة.
والقوامة أسست علي المصدر قياما وفعله قام والقيام بالشيء أو القيام له هو المراعاة للشيء والحفظ له ومنه قوله تعالي:(الرجال قواموان علي النساء)( النساء:34). والقيام بالقسط: مراعاة العدل, ومنه قوله تعالي:(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط)( آل عمران:18).
ومن ذلك أيضا اعتبار المال قياما للناس كما في قوله تعالي:(ولاتؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)( النساء:5). أي شئ به تقوم مصالحكم وحياتكم ومعاشكم.
ومنه كذلك قوله تعالي:(جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس)( المائدة:97). أي وجهة تقوم بها صلاتكم وعباداتكم ووحدتكم, وعلي التزام هذه الوجهة والتوحد حوله, يقوم بناء كيانكم وأمتكم أمة الأنبياء وأمة التوحيد, وتكونون علي الدين القيم, ودين القيمة.
وقد وردت صيغة القوامة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: آية النساء(34):( الرجال قوامون علي النساء), وآية النساء(135):( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله), وآية المائدة(8):(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط).
وقوامة الرجل للمرأة بنور هذا المعني القرآني, رعايتها ومراعاتها والمحافظة عليها والقيام بكل ما من شأنه تحقيق هذه الرعاية والمراعاة والمحافظة, وتجنيبها العنت وتمكينها من أداء أدوارها المهمة في الحياة دون حرج فهي زوجة وأم وأخت وبنت... وهي عماد الأسرة وعليها تعتمد سائر شبكات العلاقات القائمة علي البث المأخوذ من قوله تعالي:(وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)( النساء:1). فما لم تتوافر لها كل وسائل الطمأنينة والاستقرار والسكن والرحمة والمودة فلن تكون الأسرة لبنة قوية متينة من لبنات المجتمع ودعامة أساسية من دعامات الأمة الوسط التي تبني علي الشهادة والخيرية والشوري والوسطية.
وقد أساء البعض فهم القوامة فظنها سلطة منحها الله سبحانه وتعالي للرجال علي النساء وهي ليست كذلك بل هي مسئولية وتكليف تفرض علي الرجال أن يكونوا مسئولين عن أسرهم قائمين علي رعايتها بالقسط, فيأخذ الرجل نفسه بتوفير حاجات زوجته المادية والمعنوية بحيث يوفر لها السكن والطمأنينة وعليه أن يقوم بذلك بمودة ورحمة لابتفضل واستعلاء وتسلط. وأن تكون إدارة هذه المؤسسة الصغري قائمة علي الشوري والمناصحة والتكافل والتكامل.
فالفضل بالرزق أو بالقدرة علي الكسب ينبغي ألا يتحول إلي تسلط واستبداد.
وإذا كان الإسلام لم يعتبر إنفاق الغني علي الفقير مسوغا للمن والتعالي والتسلط عليه, لأنه لم يفعل أكثر من أنه قدم ماهوحق معلوم, فإن إنفاق الرجل علي زوجه قيام بأداء حق واجب, كذلك ولايستلزم ذلك نقصا في خصائص المرأة ولاضعفا ونقصانا فيها.
إن استحضار المفهوم القرآني للقوامة, يجعل من مؤسسة الأسرة, وحدة من وحدات مجتمع مدني متحضر يتعلم فيها الناس الشوري والحرية والتكافل والتسامح والتعاون وحفظ الحقوق وأداء الواجبات. ومن هنا قوله تعالي:يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط( المائدة:8).
فالقوامة وفق هذه الآية صفة من صفات المؤمنين, ومفهوم تفرع عن مفهوم يرتبط بالأمة كلها ألا وهو مفهوم الشهادة. فإذا كان الاتصاف بالقوامة بالنسبة للمؤمنين تكليفا منه سبحانه وتعالي, فإنها صفة من صفات ذاته سبحانه فهو الحي القيوم بشئون خلقه أجمعين.
لقد انعكس استبعاد المفهوم القرآني للقوامة علي كثير من الكتابات التي تناولت الحديث عن قضايا المرأة وأدوارها. فقد تم الاستشهاد بآية القوامة لتأكيد دونية منزلة المرأة من الرجل في الإسلام ونقصان أهليتها لتولي المناصب والمهام في المجتمع. كما وظف الفهم الخاطئ لآية القوامة ــ لدي البعض ــ في سياق إضفاء المشروعية علي ممارسات العنف والتسلط ضد الزوجات, لتغيب معاني القوامة التي تظهر بادي الرأي عند الاستهداء بنور المفهوم القرآني لها.
|