تسمّرت عيناي على البابا وهو ينزل سلّم الطائرة في مطار أربيل : رجلٌ
تجاوز عقده الثامن بخمس سنوات - وربما أكثر بقليل - ، برئة واحدة مدّت
جسده بالأوكسجين منذ بدايات شبابه ، وهو يمشي بمشقة ناجمة عن تبديل مفصل
الورك لديه بآخر إصطناعي قبل شهر . أشفقتُ على تعب الرجل الذي قد
لاتستطيعه كثرةٌ من الشباب ، وحدّثتُ نفسي : هل يمكن لهذا الرجل أن يبوح
بتعبٍ أو بأية إشارة تنمُّ عن عدم قدرة على التحمّل ومواصلة رحلته التي
جاء فيها العراق " حاجّاً " ؟ لايمكنُ بالطبع ، وليس أمامه سوى أن يتحمّل
كلّ أتعاب الرحلة المضنية وخذلانات الجسد المرهق . ليس بوسعه سوى أن يحمل
صليبه مرهقاً ويمضي في زيارته لأرض الرافدين . التعب بالنسبة إليه ترفٌ
غير مسموحٍ به ، وليس بوسعنا جميعاً إلا أن نعترف ببطولة هذا الرجل الذي
تحدّى كلّ " الكوابح " التي وُضِعت أمامه بقصد ثني عزيمته على إتمام هذه
الزيارة البابوية غير المسبوقة إلى أرض العراق التي صارت ساحة صراعية
لشتى الأفكار والأسلحة المسندة بقوة العضلات ؛ لكنه مضى غير آبه بما قد
يواجهه من مفاجآت غير سارة . الحقُّ أن هذا الجانب البطولي في السلوك
الشخصي للبابا هو ماأسرني في شخصيته الوديعة ، وأظنُّ أنه هو ماأسر معظم
العراقيين
تتمة موضوع "" البابا " المبتسم الذي أحبّه العراقي ــــــــ لطيفة الدليمي"