في ظلال آية المحارب
الحلقة الثانية
ولازال الكلام عن مفهوم - الفساد في الأرض - ، وفي سياقه المتصل نقول : يتحدث المنطق الأرسطي عن وجوب التمييز بين الفعل والأمر به ، أي إن التمييز يجري في الحكم كما يجري في الموضوع ، وبناءاً على هذا يمكننا القول إنه : أبداً لا تصح المساواة بين من فعل الفساد وبين من أمر به ، إذ لكل منهما حكمه المعين المستقل بذاته ، ويدفعنا هذا الإستنتاج للإيمان بأن موضوعة القتل المادي شيء والقتل المعنوي شيئ أخر .
طبعاً هذا يقودنا للإعتراف بصحة موضوعة - تحديد العناوين - ، فالتحديد سيسهل علينا فهم وإدراك الأولويات ، وكذلك يسهل علينا طرق المعرفة ، ويسهل علينا معرفة المواقف الصحيحة من الأحكام في الأشياء والقضايا ، وفي هذا الصدد تذكرنا الأحداث والتاريخ بنمط من الحكام المستبدين والدكتاتورين الذين فاقت جرائمهم حدود الوصف أو متعلقات الحدود الممكنة للعقوبات الدنيوية ، ولذلك تبدو الإحالة إلى العذاب الأخروي عاملا نفسياً مساعدا و مضافاً للعذاب الدنيوي ، وجدلية الجريمة والعقاب جدلية موضوعية تحدث عنها ديستوفيسكي ذات مرة بروايته الشهيرة ولكن من وجهة نظر مغايرة ، لكن الإحالة للعذاب الأخروي ضابطها الإيمان باليوم الآخر وبانه المستقر الأبدي ، والإيمان بذلك من لوازم و عناصر القوة لدى المؤمنين ، وبما أن الأمر يتعلق بالإيمان فهناك ثقة معنوية إذن : وبإن الأشخاص المستبدين الظلمه لا بد لهم من نهايات سود ، وهذه الآمال العريضة نسقها حكماً على مستبدين طغاة في التاريخ القديم والحديث ، منهم الوالي الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي و الزعيم النازي أدولف هتلر و ملك المغول جنكيزخان وأخرين تُبع ، وهؤلاء تاريخيا تسببوا في قتل المئات بل الألوف من الأبرياء ، والموت لهم توكيد ورجاء وأمل من المؤمنين بأن ينالهم العذاب العظيم الذين توعدهم الله به ، وهو عذاب أخروي شديد وطويل وخالد ، قال تعالى : ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) ، والإستغراق اللفظي في وصف العذاب بالعظيم يوحي لنا بمحدودية العذاب الدنيوي ، نعم لا يجب التقليل من أهمية ذلك ، ولا الإدعاء بإن المهم هو إقامة العدل في الدنيا ، بل هما معاً يكملان بعضهما البعض الأخر ، ولقد قدم لنا الله مجموعة من الأمثلة في صيغة بيانات توضيحية على ذلك .
تتمة موضوع " في ظلال آية المحارب ــــــ الحلقة الثانية "
على مر عقود وعقود حكمت الطبقة السياسية بنسبة 90% منها كانت فاسدة ونهبت اموال الشعب اللبناني، وهؤلاء يطلق عليهم اسم الفاسدين ونحن طوال 32 سنة في «الديار» عارضنا بكل طاقتنا الفاسدين ولم نكن نحظى الا بالقضاء الذي كان مسيراً.
كان الفاسدون يحتكمون الى شعار «قل ما تريد ونحن نصرخ ما نريد». وبالفعل خسر لبنان اكثر من 500 مليار دولار طوال عقود، اي حوالى 35 سنة تقريباً من نموه الاقتصادي ومن ثروته الوطنية حتى وصلنا الى اليوم. ولبنان على شفير انهيار اقتصادي وعلى شفير افلاس تفتش فيه الحكومة عن إلقاء المسؤولية على مصرف لبنان والمصارف ويطلق الفاسدون السياسيون بـ40% كلمة مندسين ومرتزقة ومخططات تآمرية على المظاهرات، الثورة التي شابها اعمال وأخطاء غير مقبولة مثلما حصل اول من امس في منطقة اللعازارية في بيروت وفي مناطق كثيرة كلهم ضد الفساد سرقوا الشعارات الوطنية ويستعملونها في خطاباتهم، وهم بعيدون عن الوطنية وعن الجدية والنزاهة، والدليل على ذلك ان النائب العام المالي المدعي العام الرئيس علي ابراهيم لديه مئات الملفات عن الفساد، لكن لم نر حتى الآن موقوفاً واحداً. وبالنسبة الى السياسيين، اما احجامهم كبيرة لا يمكن محاكمتهم وإما احجامهم عادية يتسترون وراء الحصانة النيابية والحصانة الوزارية او يهددون عندما جاءت المحاكمة اليهم بإثارة النعرات المذهبية والطائفية. واما الآخرون الضعفاء فيختبئون خلف حصانتهم النيابية والوزارية او يلجأون الى مرجعيات يوالونها وتقوم بحمايتهم.
تتمة موضوع " المشكلة ليست بالمتظاهرين بل المصيبة هي في الفاسدين "