فى سنة1955كتب الشيخ عبدالحميد بخيت مقالا فى صحيفة الجمهورية، قال فيه أنه يجوز للمسلم أنْ يفطر فى رمضان، إذا كان يعمل عملا بدنيـًـا شاقــًـا، خاصة إذا كان الصيام سيؤثرعلى عمله.
صوّب المُـتشـدّدون والمُـتعصبون من الإسلاميين (من شيوخ الأزهر، ومن أساتذة ودكاترة الجامعات) مدافعهم ضد الشيخ بخيت رغم أنه أحد شيوخ الأزهر، ومتفقه فى الدين الإسلامى، وكانت (التهمة) التشكيك فيما هو معلوم من الدين بالضرورة.. والنتيجة تقديم الرجل للمحاكمة بتهمة العداء للإسلام والإلحاد والكفر.
تولى عميد الثقافة المصرية (طه حسين) الدفاع عن (هذا الشيخ التنويرى) فكتب مقالا فى صحيفة الجمهورية (6يونيو1955) قال فيه إنّ الشيخ بخيت من حقه أنْ يجتهد، ومن واجبنا أنْ نستمع إلى ما يقول، ومن حقنا أنْ نتفق معه.. ومن حقنا- أيضـًـا- أنْ نختلف معه. ولكن ليس من حقنا أنْ نــُـهاجمه أو نــُـكفــّـره..إلخ. ولكن أهم ما ورد فى مقال طه حسين قوله ((ويلٌ لأمة يـُـعاقب فيها الناس على (حق الخطأ) فتلك أمة لا تعرف الحرية ولا تــُـقـدّرها، ولا تقيم أمرها على القصد والاعتدال، وإنما تــُـقيمه على الفتنة والغرور. وأى فتنة أشد من معاقبة الناس على أنهم رأوا رأيـًـا لايـُـعجب الرؤساء))
تتمة موضوع "طه حسين يدافع عن الشيخ الذى أباح الإفطار فى رمضان..... طلعت رضوان "
لم تكن العلمانية في يوم من الأيام شيئا واحدا جامدا، وهو أمر طبيعي في منهج تفكير يقوم على النسبية ويرفض الوقوع في أسر المطلقات سواء كانت دينية أو لادينية، وكذلك ترفض العلمانية الجمود على نصوص أو نماذج أو أفكار يتم حبس الواقع المتغير فيها، سواء كانت هذه النماذج أو النصوص أو الأفكار دينية أو وطنية أو أيديولوجية. ببساطة العلمانية ترفض حبس الواقع المتغير في مطلقات ثابتة، كما ترفض حبس العقل وتقييدة لصالح نصوص كتبها نبي أو فيلسوف أو رجل دين، تعطل عمل العقل في تفاعلة مع الواقع ليؤثر ويتأثر به.
وقد ظهر نوعين رئيسيين من العلمانية متأثرتين بالواقع الذي نشأت فيه كل منهما.
فهناك العلمانية المؤمنة المتسامحة مع الدين كما نراها في بريطانيا. والتي تأثرت ببيئتها الإنجليزية التي لم يكن الصراع فيها بين الكنيسة والسلطة السياسية والشعب صراعا حادا أو عنيفا، بل كان صراعا هادئاً انتهي سريعا بسيطرة الملك علي الكنيسة، وليصبح الملك أو الملكة حتى يومنا هذا رأسا للكنيسة الإنجليزية الإنجليكانية، في إشارة رمزية لخضوع المطلق للنسبي وإنصياع النص للعقل. ولهذا لم يحدث صدام مباشر بين الكنيسة الانجليزية والشعب. فقد كان الصراع في بريطانيا صراع سياسي هادئ في أغلب الأحيان بين أصحاب المصالح من جهة والملك من جهة أخرى، غالبا ما كان يستجيب فيه الملك لطلبات الإصلاح والتنازل عن مزيد من سلطاتة المطلقة، منذ العام 1215 تاريخ ميلاد الماجنا كارتا. ولهذا لا نجد العلمانية الانجليزية تتعامل بشكل حاد وعنيف مع مؤسسات أو رموز أو رجال الأديان المختلفة، وتترك لكل دين حرية ممارسة الشعائر وارتداء الرموز الخاصة بهم، دون أن تنحاز لعقيدة أو طائفة معينة، وبما لا يؤثر على حقوق المواطنة أو سيادة القانون الذي يخضع له كل المواطنين دون تمييز.
تتمة موضوع "لاهوت التحرير .... رؤية علمانية - مؤمن سلاّم "