مدخل إلى البحث الأول :
كان إنعقاد مايسمى بمؤتمر السقيفة في المدينة المنورة ، بعد وفاة رسول الله – ص - أمراً طبيعياً ، أي إنه كان أمراً واجباً على أصحاب محمد – ص – أن يبادروا للقيام به من خلال إنتخاب الحاكم السياسي الذي يقوم بإجراء القوانين بين الناس ومايتعلق بحماية الحقوق والواجبات وكل متعلقات وشؤون الحكم
هذا الإجراء يعبر عن وعي للمرحلة وعي تاريخي ووعي معرفي للمستجدات والإحتمالات الممكنة ، فكانت السقيفة خطوة في الإتجاه الصحيح قام بها أصحاب محمد - ص - ..
فتحرير محل النزاع من كونه صراعاً على الكيف والبحث عن النوع في ظل الإضطراب الحاصل في مجتمع الجزيرة ، وما حولها من قبائل نتيجة لوفاة الرسول محمد - ص - ، هذا الإضطراب كان حتماً سيؤدي إلى تقويض البناء الذي شيده محمد – ص – وأصحابه ، فهو إذن مؤتمر كان مطلوباً وواجباً .
يقول الركابي : إن تحديد ملامح وسمات الشخصية الحاكمة التي تتولى الحكم بعد رسول الله – ص - ، كان هو الأمر الهام بل هو القضية المصيرية بالنسبة لمجتمع الصحابة ..
فجدلية الحكومة والحاكم هي جدلية زمنية وشأن إجتماعي لأنها ترتبط بحياة الناس ، ولذلك قيل عنها في الفلسفة السياسية : بأنها تعبر عن حالة تبادل عام في المسؤولية بين الحقوق والواجبات ، ولكنها عندي تعبر عن جدلية [ الحاكم العادل والحكومة العادلة ] التي هي قيمة إنسانية وفعل إنساني متحضر ومتقدم ، وأعني بذلك إنها ليست من القضايا الخاضعة للنص في التنصيب وعدمه .
بمعنى أدق : هي قضية إنسانية ترتبط بحاجة الإنسان للقانون والنظام والإدارة ، وهذه بما هي ليست من القضايا التي تتدخل السماء بها وبتركيبها بل هي متروكة للناس يرون فيها ماهو مناسب ضمن النظام والقانون العام ، كما إنها ليست من القضايا القهرية القائمة على الإكراه ، بل إنها تتعلق بالإختيار الذي هو وظيفة يمارسها عموم الناس .
وهذا ما نرآه واضحاً في إحداثيات السقيفة فهي تؤوسس لما ذهبنا إليه من إعتبار - الإختيار - هو القاعدة القانونية والموضوعية التي يتم على أساسها إختيار الحاكم ، وهذه القاعدة المنطقية تفرض علينا :
أولاً : رد دعوى القائلين بالنص الإلهي .
وثانياً : رد دعوى القائلين بالتوريث وولاية العهد .
ذلك لأن أمر الحكومة هو ليس شأناً خاصاً بل هو أمر يرتبط بمصير أمة ، وهي وحدها القادرة على تحديد سماتها وملامح نظامها السياسي والإجتماعي . والتحديد موضوعياً من لوازمه تشخيص طبيعة المصلحة وهذه وحدها القادرة على ضبط عناصر الإختيار في شخص ما ، وهو ضبط لآلية التناسب بين الواقع الموضوعي والمرحلة التاريخية .
يقول الركابي : إن تكوين السقيفة على نحوه الذي تمت فيه ، هو - أمر واقع - أقتضته ضرورات محلية ضاغطة ، عكست وجه تلك المرحلة بكل لوازمها وشروطها ، وهو ليس خروجاً على الله والدين ، كما يزعم فريق من المسلمين بقولهم : [ بوجود نص إلهي على إنسان بعينه ] .
وكما قلنا ونقول : إن الله لم ينص على أحد بعد رسول الله ، أي إنه ليس بين إيدينا وثيقة في كتاب الله تتحدث عن النصب والتنصيب ، لذلك قلنا إن ذلك القول مردود وحجيته عبارة عن مراسيل وأخبار متفرقة لاتصمد أمام النقد والتمحيص والتحقيق ، ونود هنا التأكيد على إن منهجنا في البحث يعتمد في هذا الشان على ما في كتاب الله من نصوص ، وقد ثبت لنا بالدليل أن لا وجود للنص في هذا الشأن ، وهذا يعني بطلان تلك الدعوى من رأس ، وإذا ثبت هذا فيجب القول ببطلان توابع هذا الإدعاء في مطلق الزمان وفي مطلق المكان ، ويعني ذلك ثبوت مبدأ الإختيار في إنتخاب الحاكم السياسي بأعتباره الطريق الوحيد والممكن وماسوآه فمخالف للنص .
وإذا كان ذلك كذلك :
فلماذا إذن الخلاف بين السُنة والشيعة ؟؟
نقول في البيان إن أصل الخلاف هو سياسي !! ولكن السؤال هذا ينطلق من أرضية موضوعية ، أعني إنه ينطلق من واقع حال يسود فيه الخلاف بين السُنة والشيعة ، والخلاف هذا ليس وليد اللحظة التاريخية بل هو خلاف يعيش في وعيهم الإيديولوجي وسلوكهم المعرفي ، حتى غدى لكل منهم شرعةً ومنهاجاً ، يخطئ بعضهم الأخر ، ويكفر بعضهم بعضا ، ويقتل واحدهم الآخر ، على الأسم والهوية ، هم إذن نتاج سيء لتفسير خاطئ للتاريخ ولحركة الواقع بعد وفاة رسول الله - ص - ، كما لحق بهذا التفسير كعامل مضاف أحقاد شعوب دخلت الدين عنوة وبالإكراه غذت ونمت فرضية [ أنا خير منه ] جاعلةً منها قاعدة في المحاججة مستندين على أخبار وهمية من قبيل [ تفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلاّ واحدة !! ] وكل منهم قال بإنه هو المعني بتلك الواحدة الناجية .
والحق كما يقول الركابي : إن التعريف بطبيعة الخلاف وبماهيته متعدد تبعاً لتعدد وجهات النظر عند كل فريق ، فمنهم :
1 - من زعم إن الخلاف أصله هو تولية أبي بكر خليفة للمسلمين يوم السقيفة .
2 - ومنهم من زعم إن الخلاف منشأه الفتنة الكبرى علي وبنوه كما سماها طه حسين .
أي إن الخلاف كما قدمنا أصله سياسي ينطلق من أرضية كلامية سياسية تؤوسس لمفهومي : - الإمامة و الخلافة - ومن يتولى ذلك بعد محمد - ص - .
طبعاً لا يفوتنا التذكير بان هذه الأرضية الكلامية وجدت بعد تشكل الفرق والمذاهب ، مما خلق للناس إرباكاً في عقيدتهم وعلاقتهم بالله وكيف يعبدونه ؟ على أي نحو وعلى أي مذهب وعلى أي فكر ؟؟؟
نعم أنعقدت - السقيفة - في ظل ظرف إستثنائي ، وكانت هي بمثابة الإجراء الإحترازي الذي أُريد منه تلافي ما يمكن حدوثه من أمور طارئه بعد وفاة الرسول محمد – ص - في الواقع القبلي لمجتمع الجزيرة العربية ، فهي إذن وقاية وحماية للمجتمع من التصدع ، وهذا يعني إلزام مجتمع الجزيرة بمقررات مؤتمر السقيفة وما آل إليه ، لهذا كان الجميع يعمل من دون تراخي أو إهمال ، ولايجب النظر إلى ما قيل من هوامش إلتزم بها قوم : - حول تجهيز النبي ودفنه - ، إذ إن إنتخاب الحاكم السياسي وحماية مؤوسسات الدولة أولى بكثير من قضية التجهيز والدفن فهذه قضية فنية إجرائية يمكن إن يقوم بها بعض القوم وتؤدي الغرض ، أما إنتخاب الحاكم وتعيينه للناس وتعريف الناس به يرتبط بمصير أمة بكاملها ، ولا أظن بان الأمر خاف على أحد ..
إذن كان على مجتمع الجزيرة فعل شيء ما في هذا الإتجاه هذا من حيث المبدأ ، ولذا كانت مبادرة أهل المدينة أنصار رسول الله دليل على وعي متقدم يحسب لهم ، ولأنهم أهل الدار لهذا كانت المبادرة منهم ، وموضوعياً يمكننا إعتبار فعلهم هذا تعبير عن حاجة طبيعية وعن واقع ، إذ لم يكن لديهم البديل عن ذلك ، وهذا يعني إنهم لم يكونوا على علم - بخبر غدير خم - الذي تتمسك به طائفة من المؤمنين ، والخبر كما نعلم يمكن ان يرد عليه من وجوه منها مايلي :
أولا ً : فقدان خبر غدير خم للسند التاريخي والتوثيقي الصحيح ، وهذا يعني إفتقاده للقيمة التاريخية والموضوعية في هذا الباب ، ولهذا لايمكننا الركون إليه في إثبات شخص الحاكم على ضوئه ، كما لايمكننا إثبات نصب الحاكم من الله عبر هذا الخبر .
وثانياً : إن الخبر هذا ، إن سلمنا به وبصدوره فهو خبر عام مطلق ، ولكي يكون دالاً على المُراد يلزمه التالي :
1 - ان لا يكون خبراً أُحادياً ، فالخبر الواحد في باب الإعتقادات لا يحتج به لسقوطه من الإعتبار والحجية كما لا يخفى ذلك على من درس علم أصول الفقة التقليدي .
2 - والخبر وقع فيه إختلاف ومناقضة في لفظه ، كما في الزيادة التي وردت في صيغة الدعاء ، وهذه الصيغة زائدة يقيناً كما نعرف من تاريخ الخبر ، وهذا ما يجعله في أحسن الأحوال محتمل الوقوع ، والإحتمال في هذا المقام مسقط للخبر من الحجية .
وثالثاً : إن - غدير خم - مكان جغرافي نائي ومنبوذ وكانت العرب في الإسلام والجاهلية تستقبحه وتتشائم منه ، ولذلك كانت العرب تبتعد عنه ولا تمر به ، ولهذا فليس من اللائق ان يكون ذلك المكان المستقبح هو نفسه المكان الذي يُعلن فيه الرسول محمد – ص - عن ولاية علي ، خاصة ونحن نعرف محمد – ص - شخص يراعي الذوق ويحترم الشعور العام فيما يحب وفيما يكره ، يقول ياقوت الحموي : ولا أظن إن النبي يفعل أمراً يخالف الذوق العام وما تعود عليه الناس - أنظر معجم البلدان لياقوت الحموي غدير خم - .
ورابعاً : إن دعوى ثبوت الخبر في بعض الكتب التاريخية لا يصمد مع منطق عدم الإثبات ، فالإستقراء التاريخي والوثائقي المحايد يُثبت عدم صدور هذا الخبر تاريخياً في المطلق ، وأما موضوعياً فالقول فيه ينقسم إلى ما يلي :
فمن جهة التعبد : هذا الخبر ممتنع ، أعني إن هذا الخبر لم يأت لكي نتعبد به الله حتى تكون مخالفته مبطلة للاعمال والتكاليف الوظيفية ، بل إن هذا الخبر ممكن على من ذهب للقول : بالإعتبار ، أي هو ممكن من جهة الإرشاد ، والإمكان هنا إمكان عقلي ، والممكن العقلي لكي يكون واقعياً يلزمه مايلي :
1 - الرأي العام : فالارشاد لا يكون ممكناً إلاّ بالاجماع عليه خاصة في مقامنا هذا .
2 - الإنتخاب العام : ومنجزية الإرشاد هنا هو التوجيه للأصلح ، الذي تتوفر فيه الشروط الموضوعية لتولي هذا المنصب .
وقد تمسك الإمام علي - ع - بهذه اللوازم عندما تولى الحكم بعد مقتل عثمان بن عفان بالفعل ، والإلتزام منه بذلك ردٌ على من قال - بالنص الإلهي - عليه كحاكم لما بعد رسول الله ، كما قدم لذلك بعض الكلاميين لا حقاً ، إذ لو كان للنص وجود حقيقي لكان يجب :
أولاً : إن يكون النص معلوماً من قبل جمهور المدينة واصحاب الرسول من المهاجرين والإنصار ، وعدم العلم به منهم مع وجودهم بحياة الرسول – ص - مسقط للقول به لاحقاً ، للتلازم بين الشرط والمشروط كما يقول علماء المنطق [ كما يجب التفريق بين النص والإستحقاق ، ولا يجب الخلط بينهما ، وما ورد في أدب الأخبار والروايات في هذا المجال يدخل في باب الفضائل التي تعزز مبدأ الإستحقاق ، أي تعزز الشرط الموضوعي ، وهي تدخل في باب الكلي الذي تبناه جمع من كلاميّ المدرسة المعتزلية ، وقولهم بصحة إنتخاب المفضول بوجود الفاضل ] .
وثانياً : ومن لوازم العلم بالشيء التذكير به ، وللتاريخ لم يكن جمع الأنصار أعداء لمحمد - ص - بل هم أنصاره الذين حموه وأمنوا به ودافعوا عنه بعدما طرده أهل مكة منها .
وثالثاً : الأنصار - أصحاب السقيفة - هم عبارة عن مجموعة من القبائل أشهرها قبيلتي الأوس والخزرج ، وقد عاشت هاتين القبيلتين صراعاً دموياً رهيباً قبل مجيء محمد – ص - إليهم ، وهو الذي آخ بينهما .. ويعني هذا في سيكيولوجيا الشعوب صعوبة أن يلتزم الأثنيين طريقاً واحدة لإنتخاب الحاكم .
ورابعاً : لم يعهد أن قراءنا أو سمعنا عن خلاف بين الإمام علي - ع - والأنصار ، حتى يعملوا على مخالفة النص الإلهي بحقه ، بل الثابت غير هذا أي إنهم كانوا أعواناً لعلي في الحرب والسلم - ودونك الكتب التاريخية في هذا المجال - .
وخامساً : ولو كان للنص وجود موضوعي حقيقي لسمعنا عنه ، عندما دار الجدل بين جماعة الأنصار وجماعة المهاجرين في السقيفة عمن يجب ان يكون حاكماً ، إذ لم يتكأ أحد منهم على النص مع ضرورته لو كان موجوداً ، فهو المادة القادرة على رجحان من يقول به على الآخر !! وحتى الإمام علي – ع - نفسه لم يرفع النص في مواجهة ما أتخذ من قرارات في السقيفة ، بل إنه عليه السلام أستخدم في الرد ذات الحوار والمنطق الذي إلتزم به الأخرون ، أي إنه إلتزم منطق الحق الطبيعي في الحوار ككونه الأفضل لتولي القيادة بعد رسول الله ، أي إنه انطلق مما يمتلك من رصيد وشمائل تؤهله للقيادة ولم يطرح موضوعة النص كمرجح له على غيره ، وهذا الإجراء طبيعي ولازم ولكن من حيث هو لا من حيث حتمية النص .
ولو استقدمنا مجمل الحجج التي اعتمدها في الرد فاننا سنجدها في الغالب العام تعبر عن المزايا الواجب توفرها في الحاكم ، وهي هنا عبارة عن وعي سياسي للمرحلة في دائرة الصراع السياسي المحض ، وهذا منا تقرير لما هو مبثوث في كتب الكلاميين والتاريخيين ، أي إنه عليه السلام لم يأت بالنص في حواره مع الغير ..
كما إن جماعة المهاجرين الذين لم يشتركوا في السقيفة وكان لهم رأي مغاير لتولي أبي بكر الخلافة ، لم يطرحوا النص على خلافة علي عليه السلام لرسول الله ، والمهاجرين هم ليس صنف واحد بل هم خليط قبلي غير متجانس ، فيكون قبولهم بما تم الإتفاق عليه في السقيفة دون رفض مهم يجعل من المنطق الكلامي الذي نتبناه في هذا الشأن هو الأقرب للواقع وللمنطق والأقرب إلى خطاب الله في نفي النص والتوريث [ ثم إن المهاجرين الذين شاركوا بمؤتمر السقيفة كانوا يمثلون جميع فصائل المهاجرين الذين لم يتمكنوا من حضور السقيفة ] ..
وسادساً : ولو كان للنص على علي عليه السلام وجوداً موضوعياً ، لما بايع علي – ع - أبا بكر بالخلافة معترفاً له بذلك ، فالبيعة منه تأكيد على عدم وجود النص في الأساس ، وكما قلنا لو كان لديه نص على خلافته لأمتنع عن مبايعة أبي بكر في كل الظروف والأحوال ، لأنه بذلك يمتثل لأمر الله المقدم على كل أمر ، ولو فعل ذلك وأمتنع لوجود النص عليه لما أرغمه أحد على البيعة ، فهذا سعد بن عبادة لم يبايع ابابكر بالخلافة ولم يعترض عليه أحدُ بسوء ، وللتأكيد فقط نقول : إن شخصية ومكانة علي – ع – الإجتماعية والدينية وقربه القريب من الرسول – ص – كلها مزايا وخصال تفوق ما لسعد بن عبادة . ولهذا كان علياً في أيام أبي بكر وزيراً وناصحاً وناقداً وقاضياً ، ولم يتخلف أبداً عن أمرٍ دعي فيه إليه ، وظل على هذا الحال حتى مقتل عثمان بن عفان .
وسابعاً : لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة مارس علي عليه السلام دوره الريادي في الإصلاح الديني والمجتمعي والحربي والسياسي ، من خلال مشاركته الجادة في إعمار الدولة ، جاعلاً من نفسه جندياً في جيوش حكومة عمر بن الخطاب .
وثامناً : إن علياً - ع - أمضى عن طواعية ورضى أمر عمر بن الخطاب حينما جعله سادس ستة في الشورى ، فلم يعترض على ذلك الجعل ، ولم يقل مثلاً : دعني وشأني ! أو لا حاجة ليّ في وصيتك ياعمر لأن عندي نص إلهي عن رسول الله – ص - وهو أُولى بالتنفيذ من وصيتك !!!
فعلي -ع - لم يقل هذا ولم يمتنع عن المشاركة في الشورى ، فلو كانت خلافة الشيخين غير صحيحة أو إنها أغتصبت الحق فمن باب أولى ان يكون كل فعل وعمل ناتج عنها باطل [ وعلي عليه السلام كان قادراً على عدم المشاركة في الشورى وجعل حقه رهين للتجاذبات السياسية ، إذ لو كان منصوص عليه فحقه ثابت لا يجوز له المساومة عليه ] ..
وعندما قتل الثوار الخليفة عثمان لم يخرج علي – ع – النص على خلافته ولم يُسارع إلى تولي الحكم ، بل إنه كان يردد مقولته الشهيرة : - دعوني واختاروا غيري - إلى أن أجبرته جموع الناس على القبول بالخلافة والحكم ..
إذن فالخلاف الذي تعيشه الأمة المؤمنة من قبل ومن بعد ، هو خلاف سياسي ولم يكن سببه السقيفة أو النتائج الحاصلة عنها ، كما يروج لذلك البعض من الموتورين ، بل إن الخلاف يمكن رصده في جملة عناصر نوجزها على النحو التالي :
1 - المصالح السياسية التي تضخمت مع تفكيك الأمبراطورية الفارسبة القديمة ، فقد كان ينظر إلى ذلك التفكيك ولازال ككارثة حقيقية حلت بشعوب المملكة الإيرانية القديمة [ فتحطيم دولة الفرس القديمة خلقت شعور بالكراهية للدين المحمدي ، نمى ذلك دخول الكثير منهم مرغمين في الدين الجديد ، وهذا ما عزز لديهم الشعور بالأمتهان ، مما دفعهم للعمل على خلق المشاكل عبر صناعة المعارضين ، ساعد في ذلك دكتاتورية الدولة الأموية وفسادها وطبيعتها العنصرية ] .
2 - مقتل الإمام الحسين عليه السلام بتلك الطريقة البشعة ، هذا الفعل خلق في الداخل شعور بالمهانة لدى الفرد المؤمن .
3 - تولية الأمصار رجال مفسدين تعوزهم الكفاءة والمقدرة ، أشتهروا بالظلم وإشاعة الخوف والجهل وتكوين مجتمع عصبوي قبلي حطم كل ما بناه محمد في العدل والحرية والسلام والمشاركة في السلطة ..
كانت تلك عوامل رئيسية في خلق حالة قلق مستمر ، رافق ذلك تفكيك بنيوي من خلال صناعة الأخبار الكاذبة ونسبتها إلى الرسول – ص - في قضايا كلامية وسياسية وفقهية وغيرها ، وتوظيف ذلك في حركة الصراع ليكون صراعاً في الدين وفي الحق ، ووضع الأحاديث وإسباغها بالقدسية مكونة في ذلك عقلاً متناقضاً غير مستقر ، يكذب ويفتري ويطعن ويقتل وكل ذلك تحت مظلة أخبار الرسول !!
يتبع ...