Sunday, October 7. 2007
ففي مثالنا المتقدم حول تعرض أجزاء المادة للجاذبية رأينا أن الكل كان متعرضاًللجاذبية بناءً على ما تحصل لنا من استدلال يسميه ارسطو:الأستقراء من الحد الأكبر للأوسط بواطة الأصغر ,أي أنه عكس القياس وتكون النتيجة المستقرأة أن كل أجزاء الكادة تتعرض للجاذبية لا أن هذا الحجر أوذاك يتعرض للجاذبية .
فيكون لدينا أن قياساً بوصفه وظيفة للعقل قد يشير إلى بعض المفاهيم بغية أن يضعها تحت قواعد كما يفعل الفهم بمقولاته ,أي أن العقل يكشف هناصر القياس بوصفها داخلة في العلة أو في المعلول ولكنه لا يستنتج المعلول دون علته . من هنا هو مكتشف العلاقة الجدلية الأستشراقية بين العقل والعلة مؤكداً على ان العلل راجعة في الإكتشاف الوجودي إلى العقل . لا أنه يجعل فقط وجدة الخبرة المنتجة أمراً ممكناً .بل أنه يستعير حتى مقدمات الخبرة من العقل مما يسهل علينا إكتشاف الظواهر الثابتة بالحركة .فوحدة الخبرة قائمة بدرجة الوعي القادم بالمفهوم العقلي . أي أنه كاشف بقدر ما هو مستنتج للعلاقة المركبة .وهذا اللون من التفكير تكيل إلى تأكيدة المدرسة الألهية فهي تقول بأن المبدأ سواء أدرك بالفهم المجرد النظري أو بالتجربة العملية إنما هو وليد ادراك العقل لمقدماته . التي توحي فيما بعد إلى شرط عام بالحكم على المدرك المعين ,وهو رد على ما ذهب إليه (عمانؤيل كانت) الذي قال بأن العقل لايستطيع أن يحيط بالحقائق اللامحدود وأنه مهيأ بطبيته لادراك الجزئيات فقط بينما هو قاصر عن إدراك الوجود الكلي ... ويقول أن الوجود الإلهي مثلاً إنما نعرفه بالضمير لا بالعقل فشوقنا للعدل كان دليلنا على وجودالعادل ... كما أن ظمأناً غلى الماء هو دليلنا على وجود الماء . في حين اثبت أرسطو من الظاهرة السببية أن العقل هو المدرك والمحيط للوجودالكلي أو الفكرة المطلقة لدى (هيغل) وجمع من الفرسفة الثنويين ,بل أن المدارس المثالية أثبتت جدلية العقل والإحاطة الممكنة بالوجود الخارج عن الإدراك المحسوس مستدلين على أن برهان التجربة يضفي على الظاهرة صورة المحدودية ,في حين تعلق العقل الخالص يظواهر لاتكتشف بالبرهان التجريبي ,خذ على ذلك مثلاً الحركة الجوهرية أو ظاهرة الأبعادالأربعة - فهي ليست قياسية المدى والمساحة بل تتبع الظاهرة الأنتزاعية المتشكلة بدءاً بقانون النظر إلى الوجود العام . فما يوجد بالبداهة يحيط به الفهم المجرد . وما يكتشف بالتجربة يحيط به برهان الإدراك ,وما لم يكتشف بالقوانين العلمية يصبته العقل بالتركيب والخبرة والمعاني والرموز . بحيث لايكون مشروط بشرط التعيين الأسبق حتى لا يدخل ضمن التجربة والفهم إمنا يدرك بالوعي المتقدم على الوجود , ولهذا فالذهن حالما يستنتج قياساً يجد حاله مراراً حائراً مضطرباً وهو يبحث عن يتوجب عليه أن يتطابق تطابقاً صحيحاً ومعناه العام . والذي نظراً لافقتقاره إلية لايستطيع أن يوضح نفسه تماماً للاخرين أو الذاته , وقد مر أن ذلك لا يتنافى وقواعد اللغة التي تتناسب وحجم الأستعمال ومفاده والمعنى الدال عليه ,
الذي هو بلا ريب مشتق إما من الأستعمال أو من الأصطلاح العرفي واحياناً اللغوي . وقد يتقدم هذا على ذلك ولكنه بالنتيجة يؤول إلى المعنى الكلي الملراد قياسه أو استقراؤه , والعقل بدافع الإيمان المبرم بصحة استعمال يستنتج علاقة عامة مشتقة من المفهوم الإصطلاحي المستخدم في الإيجابية والسلبية أو الخطأ والصواب .
وانه لمن اليسير علينا أن نرى بعد ذلك من الأسلوب المنهجي الذي استعمل وفقه (إفلاطون) تعبير كلمة فكرة , أنه لا شك كان يقصد به شيئاً ما ليس فقط غير مقتبس أبداً من الحواس بل أنه يتجاوز في بعض الأحيان المعاني العامة للفهم , والتي كانت مدار بحث وتتبع لدى (إفلاطون) , بكونه كما يعتقد مثاليو الذاتية انه لا يوجد أي شئ في الخبرة متطابق والفكرة أو منطبق عليها . في حين نرى جماعة من الفلاسفة اللاهوتيين جعلوا من الفكر نموذجاً للشئ ذاته وليس هو فقط كالمقولات . ومن هنا جعل (إفلاطون) الفكر عبارة عن تدفق من العقل الأسمى الذي لم يعد على كل حال يوجد في حالةالأصلية . بل يتوجب عليه أن يتذكر بصعوبة الفكرة لكنها شديدة الغموض الن , وحيث يقوم العقل هذا العمل بواسطة استجماع الذكر بالمعروف بالتبادر أو بالتخيلات لصور وحوادث شائعة واحياناً مبهمة غامضة , تحتاج بالاستجماع إلى كصير من التفكر مما يولد في التالي استجماع لهدف الذكر وأخرى استجماع للنتيجة المتوخاة. وهذه النواة شكلت لدى علماء الأغريق البحث العلمي حول فلسفة الوجود وفلسفة الحق . فاافلاطون كان يعرف معرفة جيدة بأن ملكة المعرفة التي تجيش بداخلنا تلك الأمنية التي هي أرقى من مجرد تهجية للظاهرات وفقاً لوحدة تركيبه : الأمنية لئن تقرأها على هذا الشكل وتفهمها بوصفها خبرة. ولقد كان يعلم بأنه إذا ما تُرك عقلنا وشأنه فأنه سيحاول التحليق متسامياًإلى معرفة لا يستطيع أبداً . أي موضوع قد تعطيه الخبرة ان ينطبق عليها . هذة المعرفة التي تكون بالرغم من ذلك حقيقة واقعية , ولا تكون إطلاقاً شقاً للدماغ . عند ذلك إكتشف إفلاطون بصورة أولية فكرة داخل ما هو عملي أي داخل ما يعتمد على الحرية التي تنتمي أيضاً إلى فعل من المعرفة ,وهو ثمرة خاضة بالعقل . ومن هنا كانت الفكرة تجاه مبدأ العدالة عند إفلاطون شيئاً مثيراً كذهلاُ لأن من تابع تصريحاته تجاه نفس المبدأ يجد أنه عمل بما يستطاع مغرقاً الواقع بكثير من الوهم والخيال . ولهذا اعتقد (بروكر ) بأنه من الهراء أن يكون أفلاطون قد قال بأنه لا يستطيع أبداً أي أمير يحكم حكماً صالحاً إلا إذا شارك افلاطون فكره. ولكن هذا الإعتقاد ليس له ما يبرره إلا النظرة التشاؤمية تجاه المبدأ الذي يراه افلاطون قابلاً للتفاعل مع أوسع مساحة جماهيرية. في حين تبدو النزعة بأتجاه المبدأ ضرباً من الخيال , أو انها لا تحقق إلا متى ما توفرت شروط القبول المحكومة مبدئياً بمشاركة افلاطون الجماعة العزمة على تحقيق المبدأ من الناحية الفعلية . ويبدو أن جملة الآراء والأفكار في هذا المجال تكاد تكون على درجة واحدة من الجدية مما يعزي إلى تنافر جدلي بين الأطروحة الفكرية والعالم التطبيقي له . وهذا التنافر منشأه كما اعتقد روبرت بنكلي , بالحاجة العرفية أو الظروف الإجتماعية . ولكنه تبرير على ما يبدو ظاهرياً إذ إننا بدوا نسبغ على هذا الإعتقاد النظرة الديماغوجية الجامدة , لأنها لا توكل بعض ما تؤمن به إلى الحلول العقلية . ولهذا تبدو كصير من الصوابت أشياء مبهمة وغير واضحة , طالما كان مبدأ السببية لا يعزى إلى الفكرة العامة للوجود . بل إلى آثار ومسببات خارجية اوجدتها الطاقة وفعل الإنسان . ومع أن هذا الإعتقاد صحيح ولكن صحته تكاد تتعلق بفرعيات وليس بمجمل ما يبحث أو يناقش .
خذ مثلاً على ذلك الأصول والمبادئ الأخلاقية . فهذه تارة تعزى إلى فكرة مطلقة , في حين يراها البعض مجرد حاجات سيكيولجية تعززها التجربة وتصبتها الخبرة التي قد تنشأ منها أخلاق دائمة وأخرى مؤقتة . ولكنها بالنتيجة تعطي للعقل الدور الأكبر في تثبيت ما يؤمن به وبصحته . وطرد ما هو خارج عن حدود الصحة أو الأصول العرفية في المجتمع . وهذا الرأي وأن علله الفلاسفة بالحاجات المؤقتة ولكنه لوجه حق . فالمتغير والثابت من الأشياء لا يحدده العقل والحاجة بل تحدده المبادئ ويمضيه العقل والحاجة . في حين لانتصور ديمومة ما ينافي العقل والحاجة . حتى لو اثبتت التجربة صحة الخبر لدى مجتمعات اخرى . فالميثولوجيا والأطيقا كلها ترتفع بوجود الحاجة مع التقرير وتصبت مع الحاجة والتقرير الذي العقل . وبهذا يكون التشريع قد اعطى للعقل دوراً أكبر في تقرير الصح والخطأ في الواقع الذي تطبق فيه المبادئ . ومن هنا نصل إلى نتيجة البحث الذي دار في المعرفة والعقل . ونستطيع بالإجمال ان نتصور النتائج التالية :
أولاً : الأستقراء والقياس المنطقيين إنما يمارسان الدور العلمي تجاه مجمل البحوث والدراسات حتى التأملية منها والرياضية بما يقرره العقل من كقدمات وحدود منطقية في القضايا التي فيها الطرفان الطبيعيان .
ثانياً : العقل دوره كاشف ومقرر وحاكم ولكنها لا تأتي بالكلية على مجمل القضايا , وإنما يمارس دوره ذلك جسب نوعا القضية وطريقة الكشف والتقرير .
فيدفع بالمقدمات كبراهين للقضية الثانوية التي لا تغيير من القضية الأساسية شيئاً . كما لا تكون الخبرة التي هي الديمومة على القضية علاقة تركيبة لا تحتمل الخطأ والصواب . لأن ما يحكم به العقل مع فقدان المبادئ التقريرية العامة (والتي نقصد بها النص الصريح) هي بمثابة الحكم الساسي بطريقة العلم بطرفي القضية أو القضايا الخارجة عن المبادئ العامة للفهم .
ثالثاً : يكمن دمج العلم بالعقل المجرد أو بالأستقراء الكامل بحيث يشكل لنا برهاناً على صحة التقرير العقلي وكشفه للعلة ولكنه بإزاء العقل ممكن . لكنه تجاه الأستقراء ذاته للشئ نفسه فريكشف عن الصحة لأنه لا ييتوفر في القضايا الكلية التي يدور البحث فيها كمسألة إثبات الوجود والوعي بالوجود الذي يشتق منه إثبات الوحدانية والألوهية .
رابعاً : من خلال العقل يمكن الأستدلال على إثبات الله ودور الأنبياء والمعجزات . ولكنه إثبات على أساس ما جاء من تشريع في المبادئ وليس هو إثبات قهري دونما مقدمات وعلل . ولهذا فهو يؤكد دور السببية والعلية ويمضي القول بأن الوعي متقدم رتبة على الوجود كاشف بالعقل على الوعي الذتي المحدود الذي لا يقصد به الوعي المطلق , الذي تنفيه الفلسفة المادية وتعتبره اختزالاً انتزاعياً لروح التضخم المثالي العاجز عن إيضاح صور التطور الجدلي في الحركة التأريخية والطبيعة . !!
|