لا يجب أن يُفهم كلامي هذا على إنه دعوة للقبول بالوجود الأمريكي ، لكنما يجب أن يفهم هذا الكلام في سياقه الموضوعي والمنطقي ، ذلك إن الوجود الأمريكي في العراق حاجة ضرورية ولازمه هكذا أفهمه أنا ، ضمن الواقع وضمن ماهو مُشاهد ومسموع ولطالما لم يخرج العراق بعدُ من أزماته الأمنية الكثيرة والمعقدة ، كما أن ذلك الوجود مرتبط كما هو بحيوية وتطور العملية الديمقراطية ونشاطها في العراق ،
ونحن جميعاً نعلم وندري إن الديمقراطية في العراق في شكلها الحالي ومن خلال المشتغلين فيها مريضة وعرجاء وتعاني من جملة أشكالات ومعوقات جمة ، ساهم في هذا الإنقباض الديمقراطي وإنكساره دول الجوار التي كان لها النصيب الوافر في هذا المجال ، كما كان للعامل الطائفي والحقد المذهبي الدور المحلي في إنتكاسة المشروع الديمقراطي .
لهذا لايمكننا القبول بتلك الصيحات التي تأتينا من أناس جُل خبرتهم الثرثرة والكلام في الفاضي والمليان ، لهذا لانجد الجدية والصدق وحسن النوايا بل هي عادة قديمة في التشهير والطعن في الموافق والمخالف ، لهذا أقول : إن بقاء القوات الأمريكية من عدمه لا تحدده هذه الثرثرة التي نسمعها والتي يفتعلها بعض أعضاء برلمان الملالي والمُلايات ، ذلك لإن هذا الفعل تحديداً يجب ان يكون من صلاحيات رئيس الوزراء حسب الدستور ، وهو وحده القادر على النظر في الأولويات الأمنية والمخاطر الجدية في هذا الشأن ، وليس هو الرغبة فيما نريد أو لا نريد ، وحين أقول رئيس الوزراء فإنني أعني به حتماً المؤسسة الأمنية من جيش وشرطة ومخابرات وغيرها من أجهزة ، هذه المؤسسة هي وحدها القادرة على النطق في القبول أو الرفض ، ولهذ لا تجوز المزاودة هنا في هذا المجال لا من قبيل التهريج ولا في في سبيل إرضاء دول جوار بعينها ، التي ترغب بحدوث الفراغ الأمني كي يتسنى لها إحكام السيطرة على العراق ، وأظن إن رئيس الحكومة يعلم حجم هذا التحدي وخطورته ، وهو لن يبادر ليكون الضحية خدمة لمصالح دول لايهمها سوى مصلحتها ، والواقعية السياسية تفرض علينا جميعاً نوعاً من الكلام قد لا يستسيغه البعض في هذا الوقت بالذات ، لكن مصلحة العراق أهم عندنا من كل هذا الضجيج والتهويل ، كما إن مصلحة العراق كما أرآها اليوم هي مع إبقاء القوات أو بعض منها حتى يتعافى العراق من شدائده ومحنه وهي كثيرة كما نعلم .
وإذا كنا نريد للعراق أن يعيش حراً مستقلاً قوياً فعلينا العمل المخلص على بناء العراق وتوسيع نطاق المشاركة الوطنية بل كل ما من شأنه رفع المعاناة والعوز لدى سكانه ، ولنترك قضايا الأمن لمن هم أهل الخبرة في ذلك ، وكلامي هذا أوجهه لرجال الدين وإلى بعض البرلمانيين لتحديد ماهو مطلوب منهم فعله في هذا الشأن ، وليدعوا هذه المهمة لرئيس الحكومة وعلىيهم الإيمان بذلك وتوجيه الشعب للقبول بذلك ، وطبعاً قد يحتاج رئيس الحكومة ليوضح لماذا وكيف ولكنه غير ملزم ببيان كل قضايا الأمن للجميع ، والذي نعلمه كلنا إن هناك تحديات تواجه الدولة العراقية في الصميم منها ماهو إقتصادي ومنها ماهو خدمي ومنها ماهو إعلامي وثقافي ، هذه التحديات تتطلب توجيه الأنظار إليها والعمل لحلها من خلال الإسهام في وضع البرامج الصحيحة ، وعدم التحايل على القانون فهناك جهات تعمل لتقويض أمن المواطن الإقتصادي والخدمي كي يبقى العراق يدور في حلقة مفرغة وفاشلة ، ويبقى المواطن يشكو العوز والحاجة ، وهذه هي الطامة الكبرى أما الحديث عن بقاء القوات من عدمه فهذا تفريغ متعمد من البعض والزحف لكسب منافع للمناكفة وتبديد الوقت .
الكويت الآن تتحدى العراق في مينائها الجديد ولم نسمع سوى ثرثرات تصدر من هنا وهناك ليس لها وقع وقوة ، إن الذي يمكنه ردع الكويت عن الإضرار بالإقتصاد العراقي هو تمساك الشعب ووحدته ثم تقوية العلاقة مع أمريكا فلنتمسك بهذين الخيارين إن كنا حريصين بالفعل على مصالح بلدنا بالفعل ، ولندع الشعارات والكلام الفارغ فالحقيقة مرة ، وأقول : للذين يراهنون على إيران ، أقول لهم هي تعاني وقد لا يطول الأمد بها وبمعاناتها غير سنة أو سنتين ، كما أنها ليست الحيط الذي يمكن الإتكاء عليه ، ذلك لأنها الجدار المائل المهزوز فلندعها لشعبها هو أكفل بها وأبصر ، ولا نعلق مستقبل بلدنا على ماتريد فهي لاتريد لنا الخير مطلقاً