«ان جهودا وطنية حثيثة يجب ان تبذل للنهوض بالمؤتمرات العلمية الوطنية لتكون بحق مرآة صادقة تعكس منجزات بلادنا العلمية والتقنية، وإعلاء شأن هذه المؤتمرات بحيث لاتقل عن مثيلاتها في ارقى بلدان العالم،بحيث يسعى العلماء ورجال الفكر والثقافة في أرجاء المعمورة للمشاركة فيها.
ولعله مفيد ان نشير الى ان عدد المؤتمرات العلمية التي تعقد في البلاد العربية مازال قليلا جدا قياسا بعددها في اقطار العالم، فضلا عن ضعف مشاركة العلماء والباحثين الأجانب في هذه المؤتمرات».
المؤتمرات العلمية إطلالة علمية وحضارية للمؤسسات العلمية والبحثية على محيطها الخارجي لعكس منجزاتها، وتعزيزا للتفاعل البناء بين العلماء والباحثين في المؤسسات المختلفة. وتهدف المؤتمرات العلمية الى تحقيق اهداف عديدة ، أبرزها الاتي:
1- تعريف العلماء والباحثين وطلاب العلم والمعرفة كافة بعضهم بنتاجات بعضهم الاخر العلمية والفكرية من خلال اللقاءات المباشرة وتبادل الخبرات والآراء وابداء الملاحظات بشأنها.
2- تعزيز الصلات والوشائج الانسانية بين العلماء والباحثين المشاركين في هذه المؤتمرات، وبما يساعد على تقدم حركة البحث العلمي وتطوير العلوم والمعارف الانسانية.
3- عكس المنجزات العلمية والثقافية للبلدان المختلفة، ذلك ان المؤتمرات انما هي النوافذ التي يمكن من خلالها ابراز منجزات وابداعات العلماء والمفكرين والمثقفين التي يقدمونها من خلال بحوثهم ودراساتهم العلمية الرصينة التي تعبر عن مستوى الانجاز العلمي والحضاري لتلك البلدان، وبالتالي تؤدي المؤتمرات دورا اعلاميا مهما للتعريف بالمستوى الحضاري لكل بلد.
4- يمكن توظيف المؤتمرات العلمية لأغراض سياحية من خلال البرامج الترفيهية المصاحبة لهذه المؤتمرات، وهذا ما دأب عليه الكثير من المؤسسات العلمية في العديد من البلدان، بالتنسيق مع المؤسسات السياحية وخاصة في الأوقات خارج المواسم السياحية، وفي ذلك تحقيق فائدة مشتركة لجميع الاطراف.
5- توفر المؤتمرات العلمية بيئة مناسبة لتنشيط حركة البحث العلمي وتقدمها وتطورها لا تقل في اهميتها عن المجلات العلمية كونها إحدى وسائل النشر العلمي المهمة.
6- تساعد المؤتمرات العلمية كثيرا على توطيد العلاقات العلمية والثقافية واواصر التعاون بين الجامعات والمراكز العلمية فيما بينها من جهة ، وبين حقل العمل من جهة أخرى، وبما يعود بالمنفعة على جميع الجهات.
ولكي تحقق المؤتمرات العلمية أهدافها لابد من التخطيط السليم لها في ضوء اهداف واضحة ومحددة لكل مؤتمر وفق منهجية علمية لضمان نجاحها والافادة منها، ولهذا الغرض نقترح الآتي:
1- ان تكون المؤتمرات العلمية عملا مؤسساتيا تنظمه الجامعات والمؤسسات البحثية والجمعيات العلمية بالتعاون والتنسيق فيما بينها، وان لا تكون عملا فرديا ينظمه فرد او مجموعة افراد بصورة مزاجية على وفق اجتهادات شخصية او مبادرات فردية، ان اعمالا كهذه غالبا ما تنتهي بانتهاء دور هؤلاء الافراد في موقع عملهم، اي انها لا تتوفر فيها صفة الديمومة والاستمرار كما هو الحال في الاعمال المؤسساتية.
2- لا بد من التنسيق بين الجهات العلمية المنظمة للمؤتمرات لضمان عدم تكرار مواضيع هذه المؤتمرات من جهة مع اعطاء أولوية لعقد المؤتمرات التي تتناول موضوعات ذات صلة مباشرة باحتياجات المجتمع وتلبية متطلباته وتطلعاته بالتقدم والرقي، ومواكبة حركة تطور العلوم والمعارف المختلفة وانعكاساتها على مجمل تطور الحركة العلمية والثقافية، واستلهام التراث الانساني لأمتنا العربية الاسلامية وابراز دورها الحضاري، وجدولة هذه المؤتمرات ضمن توقيتات مناسبة من جهة اخرى، وأن تعقد بصورة دورية ومنتظمة تتناول مواضيع علمية مختلفة.
3- اعتماد منهجية واضحة ومحددة لعقد المؤتمرات العلمية وفق خطط علمية بعيدة وقصيرة المدى وبما يؤمن تحقيق تراكم معرفي من جهة، وتواصل علمي من جهة اخرى. أي ان لا تكون هذه المؤتمرات حلقات منقطعة عن بعضها لا يربطها أي رابط على الاطلاق.
4- ان تكون المؤتمرات العلمية مرايا ناصعة تعكس التطور العلمي والتقني والثقافي للبلاد.
5- السعي بكل الوسائل المتاحة لمشاركة كبار العلماء ورجال الفكر والثقافة والمبدعين العرب والأجانب في التخصصات المختلفة، لإضفاء الطابع القومي او العالمي على هذه المؤتمرات وبما يؤمن توسيع افق الإفادة من هذه الشخصيات المتميزة في مجالات عملها المختلفة.
6- توظيف بعض جوانب هذه المؤتمرات لأغراض الاعلام والاطلاع على معالم البلاد الحضارية والسياحية ضمن برامج مرافقة للبرامج العلمية وبما لا يؤثر في سير اعمال هذه المؤتمرات وكما هو متبع في العديد من المؤتمرات العلمية العالمية.
7- الزام الجهات المنظمة للمؤتمرات العلمية باخضاع جميع البحوث والدراسات التي تقدم للالقاء في المؤتمرات للفحص والتقويم العلمي الدقيق لضمان جودتها ورصانتها العلمية وحداثتها وجدواها.
8- الزام الجهات المنظمة للمؤتمرات العلمية بإصدار مجلد يتضمن جميع البحوث الملقاة في المؤتمر، ويفضل ان يتم ذلك قبل انعقاد المؤتمر بوقت مناسب.
9- ان تشرف على المؤتمرات لجان تحضيرية من كبار العلماء ورجال الفكر والثقافة من جهات متعددة وعدم حصرها في الجهة المنظمة للمؤتمر فقط، ويفضل ان تكون قطاعية حسب التخصصات العلمية المختلفة.
10- اعتماد تخصيصات مالية مناسبة ومراعاة الصرف وفق الاصول المالية المعتمدة.
.11 إجراء مراجعة دورية لتقييم جدوى المؤتمرات العلمية المعقودة بهدف تطويرها.
.12 إجراء مراجعة دورية لتقييم فاعلية المشاركات الوطنية في أعمال المؤتمرات العلمية.
يلاحظ اي متفحص للمؤتمرات العلمية التي انعقدت في الأقطار العربية على مدى السنوات السابقة ما يأتي:
1- تفاوت مستوى الإعداد والتنظيم للمؤتمرات العلمية بحسب قدرات وامكانات وخبرات الجهات المنظمة.
2- عدم وجود خطة واضحة في معظم الأحيان لعقد هذه المؤتمرات، لمواضيعها من جهة، او لتوقيتاتها من جهة اخرى، بحيث تتكرر بعض مواضيعها، وتتضارب بعض مواعيدها احيانا.
3- لا تخضع اغلب البحوث العلمية المقدمة في المؤتمرات لإجراءات الفحص والتقويم العلمي الدقيق.
4- لا تصدر عن اغلب المؤتمرات وقائع تتضمن اعمال وبحوث هذه المؤتمرات.
5- لا تعقد اغلب المؤتمرات بصورة دورية ومنتظمة.
6- لا تتوفر الإمكانات العلمية لدى بعض الجهات المنظمة للمؤتمرات بما يكفي لضمان نجاحها بصورة مقبولة.
7- يغلب الطابع المحلي على بحوث اغلب المؤتمرات العلمية اي ان بحوثها تكاد تنحصر بمنتسبي الجهة المنظمة في معظم الاحيان.
8- يقتصر الحضور الواسع على الجلسة الافتتاحية في اغلب الاحيان ويضعف الحضور الى حد كبير في الجلسات التالية بصورة واضحة ومؤثرة في اعمال المؤتمر، لا سيما بعد إنصراف راعي المؤتمر وكبار المدعوين.
9- لا يوجد توثيق لدى اي جهة عن المؤتمرات العلمية التي عقدت في السنين السابقة.
10- لا يوجد تعاون مع الجهات العلمية الدولية لاستضافة المؤتمرات العلمية الدولية في البلاد العربية كما هو واضح من انعدام عقدها أو قلته في البلاد العربية.
وفي ضوء ما تقدم يتضح جليا ان جهودا وطنية حثيثة يجب ان تبذل للنهوض بالمؤتمرات العلمية الوطنية لتكون بحق مرآة صادقة تعكس منجزات بلادنا العلمية والتقنية، وإعلاء شأن هذه المؤتمرات بحيث لا تقل عن مثيلاتها في ارقى بلدان العالم، ويسعى العلماء ورجال الفكر والثقافة في أرجاء المعمورة للمشاركة فيها. ولعله مفيد ان نشير الى ان عدد المؤتمرات العلمية التي تعقد في البلاد العربية مازال قليلا جدا قياسا بعددها في اقطار العالم، فضلا عن ضعف مشاركة العلماء والباحثين الأجانب في هذه المؤتمرات.