ان رصد ما يجري في العراق وما يتعلق بشأنه، يصلح عنوانا عريضا يعبر عن حالة الفوضى والتخبط التي تسيطر على الادارة الأميركية، في العراق، فخلال 48 ساعة تجد مجموعة من الاحداث والمؤتمرات المتلاطمة الامواج، في بغداد يتم عقد اجتماعات أميركية - إيرانية حول الوضع في العراق،
ويجري حديث طويل عريض عن التدخلات الإيرانية في العراق، ولا يفهم الكثيرون شيئا من هذه الاجتماعات التي بدأت بصورتها العلنية مطلع العام الماضي 2006، لكنها بدأت خجولة، ثم قالوا عن لقاء اواخر مايو هذا العام بأنه يحاول اذابة جبل الجليد بين واشنطن وطهران، وتبين ان الاجتماع الاخير ينزع نحو بحث أميركي عن معاونين لخروجها من المأزق العراقي، الذي تنزلق في اعماقه المظلمة ساعة بعد اخرى، وتتخبط بين امواجه المتلاطمة، وقبل ان تجف اقلام المحللين وتنتهي تقارير المراسلين، التي تابعت اجتماعات بغداد، اتجهت الانظار الى دمشق، حيث انعقد المؤتمر الخاص بالشأن العراقي، ويتحدث المشاركون عن المأزق الخطير ايضا، وخلاصة ما يدور ان الأميركيين يتوسلون بالآخرين بحثا عن قشة يتمسكون بها، عسى ان يخرجوا من مجموعة الآبار المظلمة التي انحدروا بأعماقها، ومثلما لف الغموض تفاصيل اجتماع بغداد، فإن الامر لا يختلف في دمشق، لان العنوان العريض الذي برز حول هذا الاجتماع يثير الضحك عند جميع المتابعين للشأن العراقي، وهم يستمعون الى المطلب الرئيسي الذي خرج به المجتمعون في دمشق ويتركز حول اسطوانة منع المتسللين الاجانب الى العراق، في حين يدرك الجميع ان الواقع العراقي يتحدث عن هذه القضية بحقائق اخرى، وهم الذين يقولون ان العراق بدأ بتصدير المقاتلين، وان فصائل المقاومة تزخر بالمقاتلين والخبراء والعلماء الذين ينخرطون يوميا في صفوف المقاومين ضد الاحتلال، ومن هنا يكتشف المتابعون ان الحديث يجري في اجتماع دمشق، بذات الاسطوانة التي انطلقت بقوة في وسائل الاعلام بعد عدة اشهر من بداية الاحتلال، واراد الأميركيون فيها القول ان المشكلة تكمن في تسلل مقاتلين عبر الحدود الى العراق، ولم يتركوا امرا إلا فعلوه، هاجموا سوريا وقالوا انها تقف وراء ذلك ووضعوا الاسلاك الشائكة والسواتر الترابية ونقاط الرصد لضبط الحدود، لكن الهجمات على قوات الاحتلال اخذت بالازدياد، وحصلت تطورات نوعية هائلة في اساليب المقاومة في العراق، وهذا التطور يحصل بسرعة مثيرة للانتباه، وهذا ما اعترف به الأميركيون.
اما اجتماع بغداد بين الإيرانيين والأميركيين فقد ركز على قضية العبوات الناسفة والاسلحة التي يستخدمها المسلحون ضد القوات الأميركية، وهذا الامر ان صح وكان هو جوهر المباحثات، فهذا يعني ان الأميركيين في غاية الغباء والسذاجة، لانهم هم يعلمون اكثر من سواهم ان الاسلحة التي استولت عليها فصائل المقاومة بعد الاحتلال لا تعد ولا تحصى، وقدم وصفا دقيقا لكمياتها واحد من اهم القادة العسكريين في الجيش السابق، هو الفريق اول ركن سيف الدين الراوي، قائد الحرس الجمهوري العراقي ويحتل رقم 7 على قائمة المطلوبين في النظام السابق، عندما اعلن قبل اربعة اشهر عبر فضائية الجزيرة، ان سلاح الجيش السابق يكفي المقاومة العراقية لخمسين سنة في مقاتلة قوات الاحتلال الأميركي.
فإذا دارت الاجتماعات حول هذين الامرين، فإن الأميركيين لن يمسكوا بالخيط الذي يخرجهم من مأزقهم، بل ينزلقون اكثر واكثر.