لا أدري ماذا تعني الديموقراطية حين لا تمثل هوية الأفراد الأيديولوجية أو لا يعبر عنها بأي صورة من الصور بحيث يمكن إقامة حوار حول مستقبل المجتمع وما يواجهه من مشاكل وأزمات.
فإذا كانت الديموقراطية تعني أن أنتخب أصدقائي أو أقاربي دونما وعي حقيقي وإدراك لتوجهاتهم الأيديولوجية ومدى تقارب ذلك مع توجهي فإن هذه العملية في النهاية لا تعدو كونها "جمع أرقام" لا أكثر.
إن التوجهات الأيديولوجية موجودة لدى الأفراد لا محيص عن ذلك بحكم طبيعة الاختلاف وتعدد الرؤى لديهم، ودرجة تقدم مجتمع عن آخر في هذا المجال تأتي من درجة القدرة على التنظيم والشفافية. فهوية أفراد المجتمع أياً كان هي عبارة عن تاريخ ثقافة ذلك المجتمع ومراحل تطوره التاريخية التي مر بها والأجوبة التي يملكها أفراد المجتمع لا تخرج عن تصوراتهم من خلال ذلك التطور التاريخي لمجتمعهم وإدراكهم له وربما اعتناقهم لبعض جوانبه أو حتى رفضه البتة والتطلع الى المستقبل برؤى جديدة ضمن ثقافة الاحتكاك مع الآخر والاستفادة منه.
نحن في حاجة اليوم الى إبراز هوية المجتمع بشكل يعبر عن توجهات أفراده الأيديولوجية أكثر من أي وقت مضى حيث الهجمة على الاسلام تزداد شراسة، ومن يبن ظهرانينا من يمثل، الاسلام خير تمثيل والقومية أصبحت داء ليس له دواء في حين أن الخالف جعل منا أقواماً وشعوباً مختلفة ومن بيننا كذلك من له القدرة على إبراز ذلك بصورة حضارية وقابلة للحوار والتعامل مع الآخر والليبرالية ليست كلها عيب فالحرية شرط التكليف وما الى ذلك من توجهات أخرى وتحت أية مسميات. أنا أعتقد أن مسؤولية الدولة في خليجنا اليوم تتمثل في الأساس في قدرتها على إدارة الحوار الداخلي قبل الحوار مع الآخر الخارجي. إن الضعف يأتي من شمولية الطرح الداخلي الذي لا يأخذ في الحسبان اختلاف الرؤى وتعدد التوجهات. فبالتالي يعتقد المواطن العادي وتحت شعار معين أن الآخر الذي لا يمثل وجهة نظره مارق أو خارج أو حتى عدو يجب محاربته. لقد قامت في البحرين والكويت حوارات بين هذه القنوات المعبرة عن توجهات الأفراد وثمة تراكم ديموقراطي يزداد يوماً بعد آخر بالرغم من بعض المثالب التي لا تخلو منها أية تجربة. فتشجيع الدولة وحياديتها أمر ضروري لإيجاد المناخ المناسب لذلك، حيث الهدف كل الهدف أن تكون الانتخابات مبصرة أو على هدى وأن يرى أصحابها فيها مخرجاً من نفق قد طالت مسافته وحلك سواده.