ما هي أهم الشخصيات التي أثرت في القرن العشرين المنصرم. هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسها بعض الجرائد والمجلات الفرنسية وكرست له الملاحق الخاصة. وقد ذكرت مئة شخصية كان لها دور بارز في مجال السياسة، أو الفلسفة، أو الرواية، أو العلوم الدقيقة، أو العلوم الإنسانية، الخ
فمن الشخصيات السياسية ذكرت اسم تشرشل، وشارل ديغول، وإيزنهاور، وغورباتشوف، وغاندي، وهيلموت كول، ولينين، وجوزيف ستالين، وهتلر، الخ... ومن الشخصيات الفكرية ذكرت: سيغموند فرويد، وكارل غوستاف يونغ، ومارتن هيدغر، وكلود ليفي ستروس، وجان بول سارتر، الخ...
ومن الشخصيات الأدبية أو الروائية ذكرت: أندريه بريتون، وبورخيس، ووليام فولكنر، وجيمس جويس، وسيلين، ومارسيل بروست، وتوماس مان، الخ... ومن الشخصيات العلمية اينشتاين، ونيلزبور، وماكس بلانك، وسواهم...
فماذا قالت عن غورباتشوف مثلاً؟ قالت بما معناه: على الرغم منه فإن غورباتشوف لعب دوراً مفتاحياً في القرن العشرين. فعندما استلم الحزب الشيوعي السوفييتي عام 1985 راح ينخرط في برنامج ديمقراطي طموح من أجل إنقاذ النظام، واخترع مصطلحين أساسيين هما البرسترويكا والشفافية، وانتشرا في شتى أنحاء العالم. وحظي غورباتشوف عندئذ بشهرة كبيرة في الغرب.
ولكن بعدئذ أفلتت الأمور من يده وراحت الأحداث تتسارع بشكل هائل. فالاتحاد السوفييتي راح يتفسَّخ، وجدار برلين راح ينهار عام 1989. وغورباتشوف لم يكن يريد تدمير النظام السوفييتي وإنما إصلاحه من الداخل فقط وهذا هو معنى كلمة «البرسترويكا». ولكن الأحداث تجاوزته. وعندئذ حصل انقلاب ضده عام 1991 واتهموه بتدمير ميراث لينين. ثم انقض عليه أحد أعوانه «يلتسين» وحلّ محله. وهكذا انتهى غورباتشوف كرجل سياسي.
وأما اينشتاين (1879-1955) فقد كان بالنسبة للقرن العشرين ما كانه إسحاق نيوتن بالنسبة للقرن السابع عشر: أي الرجل الذي أحدث ثورة في تاريخ العلم. وفي البداية كان مهندساً مغموراً في مدينة برن السويسرية، ولكنه أصبح مشهوراً بعد أن اكتشف النظرية النسبية عام 1905. فقد برهن على أن الزمان والمكان ليسا مطلقين وإنما نسبيين. بل ان كل شيء نسبي في هذا العالم.. وهكذا قدم صورة جديدة عن الكون وحلّ محل نيوتن دون أن يلغيه فيما يخص قضايا أخرى عديدة.
وأما أندريه بريتون (1896-1966) فقد كان مؤسساً لحركة أدبية وفنية لعبت دوراً كبيراً في القرن العشرين هي: الحركة السوريالية. وكان يعتبر نفسه الحالم النهائي ويدعو إلى تحرير الإنسان بشكل كلي. وعلى الرغم من أنه كان ابن شرطي ـ أي رجل بوليس ـ إلا أنه كان ضد كل السلطات والقيود. ومن المعلوم أنه نشر «مانيفست السوريالية» عام 1924، وأصبح أحد كبار المحركين للحياة الثقافية الفرنسية بل والعالمية طيلة النصف الأول من هذا القرن.
وأما الكاتب الأميركي ارنست همنغواي (1899-1961) فكان روائياً ضخماً، وصحافياً من الطراز الأول، وكاتب قصة قصيرة لا يشقّ له غبار... وكان مهووساً باختيار العبارة الدقيقة، والكلمة الصائبة، والصدق أو الحقيقة في التصوير. وعلى الرغم من كل الضجة التي أثيرت حول اسمه، وعلى الرغم من كل شهرته فإن همنغواي يظل كاتباً مجهولاً إلى حد كبير. فلم يعودوا يرون فيه إلا عملاقاً يصطاد الوحوش، أو عاشقاً لمصارعة الثيران على الطريقة الإسبانية... وهذه الأسطورة التي شاعت عنه كادت أن تغطّي عليه: أو على أفضل ما فيه، أي كتابته الروائية.
وأما جيمس جويس (1882-1941) فهو صاحب الثورة الأدبية أو الروائية التي حصلت في بداية القرن العشرين. فعندما نشر روايته «أوليس» عام 1904 كان ذلك يعني حصول حدث كبير في الفن الروائي. ففي هذه الرواية العملاقة ذات النفس الملحمي نشعر بحضور هوميروس، ودانتي، ورابليه، وسيرفانتيس، وشكسبير: أي عظماء الأدب الغربي. وقد فتحت الطريق لروائيين كبار ليس أقلهم فيرجينيا وولف، وويليام فولكنر، وتوماس مان. ولا تزال هذه الرواية ملية بالأسرار والمجاهيل حتى بعد صدورها بزمن طويل.
وأما فرانز كافكا (1883-1924) فهو أيضاً أحد عمالقة الرواية في القرن العشرين. وقد عاش حياة مضطربة ينهشها الشك والعصاب النفسي والقلق الرهيب. وكان يقول بما معناه: «لم ينقذني الأدب من محنتي. كنت ميتاً طيلة حياتي كلها، والآن أريد أن أموت بالفعل»®. هذه العبارة كتبها قبل وقت قصير من موته عام 1924 .
وبعد سنتين من ذلك التاريخ قضى عليه مرض السل وهو لا يتجاوز الأربعين من العمر إلا قليلاً. ولم يكن أحد عندئذ يتوقع أن أعماله سوف تكتسح العالم كله، وسوف يعتبره النقاد في مصاف بروست، أو فولكنر، أو جيمس حويس، أو أرنست همنغواي. كانوا يعتقدون أنه كاتب متوسط أو جيد على أحسن تقدير.. ولكن شهرته انفجرت بعد موته كالقنبلة الموقوتة.
فالهستيريا الشخصية التي نعاني منها، وتلك الدهاليز النفسية التي لا نهاية لها أو لا مخرج منها، والإحساس بالخطيئة والذنب بسبب وبدون سبب، هذا الإحساس الذي يلاحقنا باستمرار، كلها أشياء عبّر عنها كافكا في رواياته بشكل فني رائع. وهكذا كشف عن الجانب المظلم أو السوداوي من الوجود البشري. واستحق بذلك الأبدية والخلود.
والآن ننتقل إلى روائي آخر شهير هو: مارسيل بروست (1871-1922). فهو أيضا من عظماء القرن العشرين على الرغم من انه ولد في القرن التاسع عشر. فلا أحد يجهل عنوان روايته: بحثاً عن الزمن الضائع... ولكن الكاتب ألفونس دوديه كان يحسده ويقول: تسألونني عن مارسيل بروست؟ إنه الشيطان ! كان بروست منذ طفولته يحلم بكتابة عمل روائي لا يشبه أي عمل آخر.
وقد توصل إلى ذلك بعد أن أنجز روايته الشهيرة. وهي عبارة عن بحث مضن عن الزمن الذي مضى وانقضى: أي عن زمن الطفولة والشباب الأول الذي غاص في أعماق الزمن ومن الفلاسفة والمفكرين: غوستاف كارل يونغ (1875-1961). فهو المنافس الأكبر لفرويد في مجال تحليل نفس الأعماق. وبعد أن كان تلميذه أصبح عدوه اللدود.
وكان يونغ يرفض تفسير العقد النفسية عن طريق العوامل الجنسية فقط كما يفعل فرويد. وكان يتصور اللاوعي على هيئة مخالفة لفرويد. ففي رأيه ان اللاوعي هو مزيج من العناصر الشخصية والجماعية، وإن العناصر الجماعية هي المهيمنة. أما فرويد فكان يعتقد أن اللاوعي مشكل أساساً من العناصر الشخصية والطفولة التي عشناها.
وأما مارتن هيدغر (1889 ـ 1976) فيعتبره البعض أكبر فيلسوف في القرن العشرين. وكان يجمع في شخصه بين شيئين متناقضين تماماً. فمن جهة كان متعلقاً بالنزعة المحافظة الألمانية، ومن جهة ثانية كان مشهوراً بجرأته وفتوحاته الفلسفية. وكان كتابه (الكينونة والزمن) والذي صدر عام 1927 قد أثَّر على أجيال متتالية من الفلاسفة. وقد ترجمه عبد الرحمن بدوي بعنوان: «الوجود والزمن» وراح يمثل التيار الوجودي في الثقافة العربية. وبعضهم يعتبره أهم كتاب فلسفي منذ كتاب هيغل: فينومينولوجيا الروح الصادر عام 1807.
وأما كلود ليفي ستروس الذي ولد عام 1908 فلا يزال حياً حتى الآن بعد أن تجاوز التاسعة والتسعين من العمر. كل أبناء جيله ماتوا من سارتر إلى ريمون آرون، بل وحتى تلامذته من فوكو الى بورديو الى دريدا ماتوا، وبقي هو صامداً حتى الآن. بل إنه لا يزال يكتب ويؤلف. ويقال إنه لم يكن يتوقع أن يعيش كل هذا العمر الطويل وإنه مندهش جداً من هذا الوضع.
كان ليفي ستروس قد درس قبائل الهنود الحمر في البرازيل في النصف الأول من هذا القرن. بل وعاش في أحضانها لفترة من الزمن لكي يراقب تصرفاتها وعاداتها وتقاليدها كما يفعل علماء الاثنولوجيا أو الأنثربولوجيا. وأما فيما يخص رجال السياسة فيمكن القول إن تشرشل، وديغول، وايزنهاور، وهتلر، وستالين، ولينين، وماوتسي تونغ، هم من أشهر رجال السياسة في القرن العشرين.