إذا لم ينجح ديفيد بترايوس في تحقيق الاستقرار في العراق خلال هذا الخريف، أو إذا قررت أميركا الانسحاب من العراق من دون منحه فرصة كافية، فإن علينا توقع فوضى أسوأ من الموجودة هناك الآن
سنرى قتلا جماعيا وحملات تطهير عرقي ضد المصلحين العراقيين وظهور دول متفتتة يسيطر عليها الأتراك والإيرانيون، فيما ستقوى شوكة تنظيم القاعدة هناك بعد أن تنهار الهالة الأميركية في المنطقة.
ثم ماذا يمكن أن تكون عليه السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط بعد انهيار العراق؟
الرؤساء والسياسيون السابقون، من أمثال مادلين أولبرايت وجيمس بيكر وجيمي كارتر وبيل كلينتون وبرينت سكوكروفت، جميعهم تقدموا بحلول لما يفترض أنها أخطاء فادحة ارتكبتها أميركا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
واقع الأمر يشير إلى أنه من المفترض أن ينسى الأميركيون تلك الأخطاء التي ارتكبها الذين من المفترض أنهم إستراتيجيون لامعون، في تعاملهم مع قضية الإرهاب في الشرق الأوسط والتشدد والحكام الدكتاتوريين. غير أن الفشل الذي تحقق على أيدي هؤلاء المسؤولين من الحزبين قد ساهم في الحالة التي عليها العالم حاليا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومن ثم فإننا قبل أن نتخلى عن سياستنا الحالية في العراق وأفغانستان، فإنه يتوجب علينا على الأقل تذكر سجل الماضي وأحداثه.
جيمي كارتر الآن يؤلف كتبا يندد فيها بالسياسات الأميركية الحالية، عليه أن يلزم الصمت. فعندما اقتحم الإيرانيون السفارة الأميركية في طهران، أشاد السفير الأميركي في الأمم المتحدة أندرو يونغ بالخميني. بل إن كارتر نفسه حاول إرسال اليساري رامزي كلارك إلى طهران للتوسل للإيرانيين لإطلاق سراح الأسرى مقابل الحصول على مبيعات أسلحة.
ثم جاء بعده رونالد ريغان الذي كان قد هاله التشدد لدرجة أنه سحب القوات الأميركية من لبنان بعد أن قتل حزب الله 241 من رجال المارينز، ومن ثم ساعد على تشجيع قيام حركة متشددة جديدة وقتها في الشرق الأوسط. ولا داعي لذكر المعلومات التي سربتها إدارة ريغان إلى صدام حسين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولا الطريقة التي استكملت بها تلك الإدارة سياسة كارتر في تسليح المتشددين في أفغانستان.
وكان بيل كلينتون غالبا ما يفكر في الوصول إلى تسويات في الشرق الأوسط. ولكن في عهده خسرت أميركا عرضا من السودان لتسليم أسامة بن لادن. كما لم تفعل إدارة كلينتون الكثير خلال ثماني سنوات حيال سلسلة من الهجمات الإرهابية ضد مركز التجارة العالمي وضد الأميركيين العاملين في السعودية والسفارات الأميركية في شرق إفريقيا والمدمرة الأميركية (كول).
غير أن استرجاع الأخطاء التي ارتكبها القادة الأميركيون السابقون لا يعني محاولة منا لتقديم العذر للأخطاء الحقيقية التي ارتكبت وتسببت الآن في عدم استقرار العراق. ولكن الأخطاء الماضية تذكرنا بأنه كانت لدينا خيارات قليلة جيدة للتعامل مع الإرهاب والشمولية والجنون الديكتاتوري في الشرق الأوسط، وتُذكرنا أيضا أنه لم يكن لدينا أي من تلك الخيارات بعد مقتل 3000 أميركي في الحادي عشر من سبتمبر.
بعد جهود استمرت أربعة أعوام في العراق، قد يسأم الأميركيون بالطبع من تكلفة المعركة هناك ويقررون إعادة بترايوس والقوات إلى الوطن. ويمكننا بعد ذلك اللجوء مرة أخرى إلى العلاجات قصيرة الأجل التي اعتدنا عليها في الماضي. ولكن على الأقل علينا تذكر ما كانت عليه السياسة الماضية؛ تهدئة ديمقراطية مع الإرهابيين، كان يتخللها تعامل وصفقات بين الجمهوريين وأنظمة تدعم الإرهابيين.
ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي قررنا بعدها أن نكون أكثر غلظة من الديمقراطيين، وذلك عندما عملنا على إزالة نظامي طالبان وصدام حسين، وأكثر تنظيما من الجمهوريين عندما قررنا أن نبقى بعد ما حققناه من نجاح من أجل تحسين الأوضاع. إن المتشددين الآن يخوضون حربا يائسة ضد القوة العسكرية الأميركية الجديدة وضد الإصلاح السياسي المستوحى من أميركا. إنهم يريدون منا العودة لأسلوب غض الطرف عن الإرهاب والأنظمة الدكتاتورية.
هذا هو الأسلوب الذي نجحوا من خلاله في البداية في الوصول لوسائل القوة التي يمتلكونها الآن، ويحاولون بكل ما لديهم من وسائل المحافظة عليها.
خدمة «لوس أنجلوس تايمز»