يواجه الرئيس بوش عددا من الخيارات المؤلمة بشأن العراق. وفي الوقت الذي يفكر فيه مليا في الرهانات الاستراتيجية العالية في الشرق الاوسط والرهانات السياسية العالية في الداخل الاميركي فان التاريخ يمكن ان يقدم عددا من الدروس ذات الصلة بهذا الموضوع.
منذ ان اصدرت مجموعة دراسة اوضاع العراق تقريرها في ديسمبر الماضي يتم حض بوش من كثير من الجهات من اجل السعي الى صفقة غير حزبية مع الكونغرس. وسوف يعطيه ذلك ـ كما تذهب هذه النظرية ـ غطاء سياسيا للمخاطر الاستراتيجية فضلا عن المخاطر السياسية التي قد تترتب على فك الاشتباك هذا. غير انه يجب على بوش ان يكون منتبها الى ان الغطاء السياسي الموعود قد لا يتحقق. فاذا بدا فك الاشتباك ضد قراره الافضل وضد قرارات قادته والنتيجة هي تعجيل عدم الاستقرار في العراق والشرق الاوسط فان اسماء مثل جيمس بيكر ولي هاميلتون وهاري ريد ونانسي بلوسي سوف يتم احالتها الى الحواشي. وسوف يسجل التاريخ ان جورج دبليو. بوش نزع السدادة. وسوف يكون ذلك ميراثه وحده. وبدلا من ذلك فانه قد يفضل ان يكون السجل التاريخي غير غامض بشأن من الذي فرض قرارا غير حكيم.
بالطبع فان الرأي العام يمكن ان يتغير. ففي سنوات 1973و1974 و1975 كان الكونغرس يلمس بلا شك انه كان يعكس تحرر الشعب من الوهم فيما يتعلق بحرب فيتنام وفرض فك الاشتباك على المعارضة القوية لادارة نيكسون. ومع ذلك فان المؤرخين العسكريين يتوصلون الى اجماع بانه بنهاية 1972 كان هناك توازن اكثر تحسنا للقوات في فيتنام وهو ما انعكس في اتفاق باريس 1973 وان الكونغرس سحب بالتالي الدعائم بموجب توازن القوات هذا ـ حاكما بذلك على الهند الصينية بان تكون حمام دماء. وقد لازم ذلك ـ والذي ينظر اليه الان على نطاق واسع بانه رواية مقبولة لنهاية اللعبة في فيتنام ـ الديمقراطيين على مدى جيل.
الان يواجه الكونغرس ايضا خيارا محوريا بشأن العراق. ففي الوقت الذي يسن فيه الكونغرس قانونا يقيد حرية الرئيس في التصرف في العراق فانه بذلك يتحمل شطرا كبيرا من المسئولية فيما يتعلق بنتيجة الحرب. هل ستكون رواية الغد هي ان الوضع العسكري الاستراتيجي في العراق كان قد بدا يتحسن في 2007 غير ان موقف الكونغرس زاد من جرأة الاسلاميين في انحاء المنطقة وأحدث ربكة لكل اصدقائنا؟ فاذا كان الامر كذلك فانه لا يكون بوش هو الذي يحتاج لغطاء سياسي من خصومه بل انهم هم الذين يريدون غطاء سياسيا منه.
تدفع الرهانات الاستراتيجية الضخمة في الشرق الاوسط في اتجاه رفض دعاوى اي انسحاب اميركي لا تكفله الاوضاع في العراق. والمفارقة هي انه ايما كان الشخص الذي سيتم انتخابه رئيسا في العام المقبل من اي حزب كان فانه سيدرك ذلك بشكل افضل من اي شخص اخر.
من هذا المنطلق فان بوش مدين لخلفه بتحقيق اقصى حد ممكن من الاستقرار في العراق حتى يكون امام خليفته اقصى حد من الخيارات. ويمكن للخليفة ان يلقي بلائمة كل ذلك على بوش ويشرع في الانسحاب العاجل او ان يبدأ فك اشتباك مسيطر عليه كما قرر ريتشارد نيكسون ان يعمل عندما ورث حرب فيتنام في 1969. والعكس اذا بدأ بوش بنفسه عملية فك الاشتباك فان خليفته سوف يرث عددا من الخيارات اسوأ من تلك التي تواجهها اميركا الان.
سوف يتم نصيحة اولئك المتسابقين على منصب الرئيس بشكل خاص في خضم الحملة الانتخابية بان يعكسوا بشكل جيد ما هو المطلوب من الفائز. ومن المحتمل ان يكون العنصر الجديد الاكثر اثارة لعدم الاستقرار في العالم في الفترة المقبلة هو الخوف من الضعف الاميركي. حيث ان كل التنفيس المبالغ فيه بشأن العجرفة والاحادية القطبية الاميركية لم يكن له كثير من الشرعية او الصحة باي حال من الاحوال. والمشكلة الحقيقية هي ان الضغوط الممارسة علينا لقبول الهزيمة في العراق تستفز بشكل كبير الحلفاء في الشرق الاوسط وغيره الذين يعتمدون على الولايات المتحدة في المساعدة في ضمان امنهم في مواجهة الاخطار المستمرة. اذا سمحنا لانفسنا بالخروج من العراق فان ما سيسعى اليه العالم بشكل كبير من الرئيس المقبل لن يكون نوعا من الاظهار الكبير للتواضع وجلد الذات بل اعادة طمأنة الولايات المتحدة بانها لاتزال قوية وقادرة على التصرف بحسم وملتزمة بامن اصدقائها. ومع التسليم بجدلنا المحلي فان توفير اعادة الطمأنة هذه سوف تكون معركة شاقة عند احسن الاحوال. بل انها ستكون اكثر صعوبة اذا رضخ بوش لكل الضغوط عليه من اجل عمل الشيء الخطأ في العراق.
بيتر رودمان
باحث بارز في معهد بروكينغز وسبق له العمل مساعدا لوزير الدفاع الاميركي لشئون الامن الدولي
* خدمة لوس انجلوس تايمز واشنطن بوست