سلة تفاهمات" على تقاسم المصالح تفرض التنفيذ دون خروقات!
أبرز النُقَاط السّاخنة في حوار الملالي مع "الشيطان الأكبر" ببغداد
جولة المفاوضات الثانية أكدت الاعتراف الايراني بالاحتلال مقابل الاعتراف الأميركي بدور ايراني في حاضر ومستقبل العراق !
.. والمالكي سعيد بـ "انجازات" البلدين اللذين يحتلاّن بلده؟!
إتفقوا مبدئياً على تهدئة أوضاع الخليج.. ولم يحسموا الموقف من مجاهدي خلق
مرة أخرى، عاد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الايراني الجنرال محمد جعفري صحرارودي ليتصدّر عمليا وفد بلده في المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة التي تمت ببغداد الأسبوع الماضي وكان موضوعها الأساس "بحث شؤون.. العراق"!
ومع أن هذا الرجل مطلوب للإنتربول والقضاء النمساوي، وقد صدرت بحقه مذكرة جلب لمسؤوليته عن عملية فينا التي ذهب ضحيتها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني عبد الله قاسملو واثنين من رفاقه في 13 تموز 1989، كما كان هو المستهدف الأول في هجوم القوات الأميركية على القنصلية الإيرانية بأربيل، إلاّ أن الأميركان رحّبوا به وجلسوا معه وجهاً لوجه للمرة الثالثة، بعد التقائهم بمؤتمر شرم الشيخ حول العراق، والمباحثات الثنائية الماضية في بغداد/أواخر أيار.
صحرارودي الذي قاد عملياً ومن تحت ستار وفد بلده في اللقاءات الثلاثة – وليس وزير الخارجية متّكي ولا السفير الايراني ببغداد – لقي اهتمام الاعلام الأميركي أيضاً وجرى التركيز عليه أكثر من الأعلى مسؤولية منه، حتى أن صحيفة النيوزويك قد خصّته بلقاء مميّز حول العلاقات الثنائية وسير المفاوضات، تحدّث فيه هُوّ وليس متّكي أو السفير الايراني، عن ايجابيات التنسيق بين الدولتين المتواجدتين على أرض العراق لرسم مستقبله، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه المباحثات كان يجب أن تبدأ منذ سنين (أي منذ حلول الاحتلال!)، لافتاً النظر الى أن بإمكان الولايات المتحدة التي أضاعت فرصاً كثيرة في السابق – كما قال – التوصّل الى نتيجة لصالح الطرفين فيما يتعلق بمستقبل العراق، إذا قرّرت استمرار الحوار مع طهران والتعاون معها من أجل المصلحة المشتركة"!" مؤكداً إصرار إيران على "استحالة أن يعود المعادون لها الى حكم العراق، في اشارة واضحة الى "النظام السابق".
صديق صديقي في كفة واحدة
هذا الكلام الذي أعجب الأميركان بدليل ما توصلوا إليه في المفاوضات الأخيرة من اتفاقات أولية حول أكثر من محور عراقي وحتى خليجي، جاء في الوقت الذي تعرف فيه الولايات المتحدة جيّداً ما تقوم به إيران على أرض العراق من تدريب وتسليح ودعم للميليشيات التي تُنفّذ عمليات القتل الجماعي، وفي الوقت الذي ما زالت توجه لها فيه سلسلة اتهامات بالأدّلة غير المفبركة هذه المّرة، كما تعرف – بداهة – حجم دعمها لحكومة المالكي المنّصبة من قبلهم. وهذا يعني دون ذكاء في التفسير أن الحكومة ضالعة في كل ما يجري، وهي وراء ما تنّفذه فرقة الموت التابعة لوزارة الداخلية.
وإذا طبقنا مقولة "صديق صديقي صديق لي" فإن هذا يعني أيضاً أن نظام طهران كنظام المالكي – في المحصّلة النهائية – بالنسبة للأميركان، مهما وجّهوا له من اتهامات، وبالرغم من بعض مظاهر التناقض والتنافس بينهما على الحصّة الأكبر من "الكعكة العراقية".
وفي ضوء هذا الواقع تبدو إمكانية نزع فتيل صدام المصالح ممكنة من خلال التنسيق الجدّي، وهو ما يجري الآن على طاولة المفاوضات التي تعود قيادتها الفعلية لرجال الأمن والمخابرات – لا السياسة – في الجانبين – فهم الذين يديرون دفة الحوار من خلف السياسيّين المتواجدين أمام عدسات الإعلام كديكور، ولهذا لم يكن مفاجئاً أن يسارع مصدر رسمي أميركي الى الاعلان عن رفض اقتراح وزير الخارجية الإيراني رفع مستوى المفاوضات لتكون بين نائبي الوزيرين.
هكذا إذن ايران: تعارض وتناكف علناً، وتساعد سراً. وهي في ذلك لا تمارس "لعبة مزدوجة"، كما اسماها مايكل هيرش في مقال له بصحيفة "النيوزويك"، بل أعمق من ذلك وأخبث. إنها طبيعة مزدوجة ومعقّدة قديماً وحديثاً، طبيعة يُمارسها النظام في الداخل الإيراني، وتجاه الجيران، كانت آخر ملامحها خارج إطار العراق، اعتبارها البحرين امتداداً ايرانياً في الخليج، ثم نفيها ذلك. ولما قامت دول الخليج بالإحتجاج والتضامن مع "شقيقتهم المسالمة" عادت إيران الى تهديدها كلها بـ "مصير صدّام" إذا ما لعبت بذيل الأسد الإيراني، على حد تعبير صحيفة "اعتماد مكي"!!
نقاط الاتفاق الأولّي
هذه الطبيعة التي تلتقي مع طبيعة إدارة الشيطان الأكبر حقّقت خطوات على طريق التفاهم المشترك. فحسب آخر المعلومات المسّربة الى مصادر أوروبية يعنيها "استيعاب" إيران أن أبرز ما أنتجه الاجتماع التحاوري الأخير ببغداد يتعلق بتأكيد الإعتراف الايراني بالإحتلال، مقابل تأكّيد الاعتراف الاميركي بخصوصية الدور الايراني في حاضر ومستقبل العراق. هذا بالنسبة للإطار العام، أما بالنسبة لتفاصيل ما دار الحوار حوله فقد تركّز على النقاط المحددة التالية:
• كيفية ضمان تنفيذ ما ينص عليه مشروع استثمار النفط دون مفاجآت مستقبلية، وضرورة الالتزام بكامل "سلّة الاتفاقات" التي سيُقّرها الطرفان دون خروقات.
• كيفية المساهمة المشتركة في السيطرة على أوضاع العراق بعد استفحال العمليات "الارهابية"، والحؤول دون عودة/أو قيام نظام معادٍ للطرفين.
• ضرورة الحفاظ على "خليج هادىء" خصوصاً في هذه المرحلة، وتجنّب الإنزلاق الى حرب التهديدات الكلامية مهما كانت الأسباب، لأنها ستسمم أجواء المنطقة، على أن يجري لاحقاً وضع التفاصيل الكفيلة باستمرار التهدئة، في ضوء تجربة المساهمة المشتركة (أي تجربة تقاسم المصالح والنفوذ في العراق)!
• استغلّ الوفد الايراني جوّ طرح "سلّة" القضايا السابقة، فأعاد على مسامع الوفد الاميركي طرح موضوع قديم لم يلق تجاوباً من إدارة بوش، ويتعلق بمصير المعارضة الايرانية المتواجدة على أرض العراق، وتحديداً منظمة مجاهدي خلق الذين يسميهم النظام بالمنافقين. وطالب بضرورة انسجام الولايات المتحدة مع نفسها، والتعامل معهم كإرهابيين – وليس وفق اتفاقية جنيف – أسوة بقرار الاتحاد الاوروبي الذي رفض الإلتزام بقرار محكمة العدل الدولية القاضي برفعهم من قائمة الإرهاب.
أما التعامل الأمثل مع "المجاهدين" في نظر الوفد الإيراني فيجب أن لا يتضمن السماح لهم لا البقاء في العراق تحت أي اعتبار أو حماية، ولا بإمكانية "توزيعهم" على أقطار العالم كلاجئين سياسيين، بل إعادة تصديرهم الى إيران كي يُساءلوا فيها وفق معايير "الشرعية الدولية" المتعلقة بمواجهة الإرهاب!
سعادة المالكي وإغراء الجواسيس
رئيس وزراء العراق نوري المالكي، الذي تسّيره إيران عبر أقنيتها المتعددة من جهة، ويُسيّره بوش عبر شاشة تلفزيونية مغلقة من جهة أخرى، كما يعطيه التعليمات والمطلوب والمحظور مرة كل أسبوعين على الأقل، كان سعيداً بهذا الإنجاز الذي حققه البلدان اللذان يحتلاّن بلده، خصوصاً وأنه يصبّ في صلب توجيهات بوش له حول "وجوب أن يظهر للعراقيين وكل جيرانه أنه على الرغم من أن حكومته يقودها الشيعة، إلاّ أنها لكل العراقيين"، كما يساعده على تنفيذ ما طلبه منه، حسبما أوردته صحيفة النيويورك تايمز/عدد 25 حزيران بنصه التالي حرفياً:
".. عليك أن تفعل ذلك لكي تكون قائداً لكل العراقيين. وعندما تفعل هذا فإنك تبعث رسالة الى المنطقة، ستساعدك مع جيرانك السُنّة. وبصراحة أكثر، فإن ذلك سيساعدني هنا داخل الولايات المتحدة"!
لكن سعادة المالكي شيء ومواقف الناس ومشاعرهم المعادية للاحتلال والقهر شيء آخر. حتى أولئك الذين يتعاملون مع قوات الاحتلال بصيغة الوظيفة أو العمالة أو ما شابه، لم يعودوا يشعروا بالأمان والضمان الحالي أو المستقبلي كما كانوا يتوهّمون، وبدأت المعلومات المتداولة حول نيّة الكثيرين منهم الهرب من "الخدمة" تقضّ مضاجع إدارة بوش خوفاً على مصير ونفسية جنودها، وقد دفع هذا الوضع السفير الأميركي في بغداد إيان كروكر إلى اتخاذ خطوة "ترغيبية" خبيثة ومفضوحة المقاصد، عندما أعلن على مسمع وسائل الإعلام أنه طلب من الادارة منح تأشيرات هجرة لسائر العراقيين الذين عملوا مع القوات الاميركية صوناً لحياتهم و"عربون ضمان" لمستقبلهم، وهذا يعني ضمناً "تطمين" كل من يريد أن ينضّم الى قوافل العملاء والجواسيس أن إدارة بوش سوف تحميه، رغم أنه لا تأشيرة الهجرة ولا جواز السفر يمكن أن يحميا أحداً من مصيره، عدا عن أن قوات الاحتلال نفسها تفتّش عمّن يحميها هي!
رأي "المجاهدين" بالنظام
أما بالنسبة لإيران النظام، فإن أدق ما قيل عن دورها بلسان ايران – الشعب، ما ورد على لسان "رئيسة ايران المنتخبة في المنفى مريم رجوي" أمام آلاف الايرانيين الذين تقاطروا من أنحاء العالم المختلفة ليعترضوا على ضرب الاتحاد الاوروبي قرار محكمة العدل الدولية عرض الحائط، حين قالت "إن الجرائم المروّعة التي يشهدها العراق كل يوم يتم التخطيط لها ولتنفيذها داخل هيئة شكّلها النظام برئاسة خامنئي شخصياً، لأن هذا النظام إذا لم يتحقق مخططه في السيطرة التامّة على العراق، لن يستطيع البقاء في حكم طهران".
وفيما يتعلق بالصراع القائم في العراق (خارج إطار الاحتلال) فإنه يتأرجح بين بديلين هما "بديل نظام الملالي الفاشي الحاكم في ايران" أمام بديل عراقي معادٍ للفاشية بكل تياراته وأحزابه وشخصياته الوطنية والديمقراطية ...الخ.
أما بالنسبة للعلاقة مع الأميركان والاوروبيين، فقد قالت إن هؤلاء جميعاً وُضعوا أمام خيارين: إما شطب المقاومة والمجاهدين الايرانيين من قائمة الارهاب وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، أي "كسر الجرّة" مع النظام، أو اختصار الطريق وضرب القانون واسترضاء النظام. وهكذا قرّرت الدول الأوروبية ترجيح المصلحة على احترام القانون. وما لم تقله السيدة رجوي أن هذا هو قرار الأميركان – أيضاً – قبل الأوروبيين، حتى لو غيّروا رأيهم وموقفهم وقرّروا يوماً ما التعاون أو التنسيق مع "المجاهدين" كما تردد بعض المصادر وتتوقع، مع أن المستجدات تؤكّد أنهم أوروبيون أكثر من الأوروبيين. ولعلّ الجولات القادمة من الحوار الثاني بين الملالي والشيطان الأكبر ستعطينا الدليل.