المهدي وبدر ـ حروب آيات الله الجدد في العراق (الاخيرة)
عندما قال بيكر لوفد شيعي عام 1991 لو سمعنا مثل هذا الكلام قبل اربعة اشهر لكانت الامور قد تغيّرت كثيراً
تيار شيعي تبلور من داخل وخارج الاحزاب الدينية بات يجاهر علناً بوضع استراتيجية تحالف مع الامريكيين
في هذه الدراسة الجديدة وغير المسبوقة يقوم الباحث والمفكر العراقي فاضل الربيعي بتحليل سوسيولوجي لظاهرة الميليشيات في العراق، فيلاحظ أن جيش المهدي قام بتطوير شبكة من المخبرين العلاّسة مهمتها تقديم معلومات تفصيلية عن المواطنين وخصوصاً ممن يعملون في قطاع التجارة والبيع والشراء من أجل تصفيتهم أو ابتزازهم. لقد انتقلت الميليشيات إلي مرحلة التمويل الذاتي. ومن دون تجفيف موارد هذه الجماعات الإجرامية لن تنجح أي محاولة لتفكيكها.إن مصادر تمويل الميليشيات لا تنحصر في هذا النمط من النهب؛ بل تتخطاه إلي نهب موارد الدولة عن طريق السيطرة علي قطاع النفط في الجنوب والشمال. لكن العلاّسة كظاهرة اجتماعية كما يلاحظ المفكر العراقي الربيعي، تتلازم مع صعود نخب جديدة حاكمة أو مسيطرة علي بعض مفاصل الحكم هي في الغالب الأعم مواد متحللّة من طبقات وفئات اجتماعية هامشية لم تحصل علي أي قدر من التعليم أو الثقافة. الدراسة سوف تصدر قريباً ضمن منشورات المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية ـ عمان
القدس العربي
اقامة دولة عربية اسلامية ديمقراطية
الحوار الشيعي/ الامريكي
يمثّل غزو العراق في واحدة من اهم دلالاته الداخلية، اول شكل من اشكال التنسيق العملي بين قوي دينية عراقية وقوة دولية عظمي، وهو امر نادر الحدوث في التاريخ السياسي والاجتماعي العراقي؛ اذ لم يحدث ان دخل رجال دين في ما يشبه تحالفاً سياسياً مكشوفاً مع قوة عظمي، ومن اجل هدف وحيد هو الاطاحة بالنظام بواسطة الغزو العسكري. واذا كان العراقيون استردّوا في لا وعيهم الجمعي، القصة الشعبية (الاسطورية) الملتبسة، عن دورٍ من نوع ما قام به في الماضي البعيد احد رجال الدين في تسهيل غزو هولاكو للعراق؛ فانهم ما انفكوا يبحثون عن المبررات والاسباب التي دفعت بعض رجال الدين الشيعة الي التنسيق مع الامريكيين منذ عام 1991. ان الوثيقة الخطيرة التالية التي نعيد نشرها لغرض الاطلاع عليها من جانب جمهور اوسع من القراء والمهتمين بدور رجال الدين الشيعة، تسلط الضوء علي هذا الجانب الخفي والمعقد من العوامل والاسباب التي وقفت خلف هذا التطور المثير.
وثيقة الحوار مع الادارة الامريكية
مجموعة شيعية عراقية
تدير حواراً مع واشنطن لاسقاط صدام حسين
في آذار (مارس) 1991 وبعد ايام قليلة فقط من خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش (الاب) الذي دعا فيه العراقيين الي الاطاحة بالرئيس العراقي، وفي اعقاب حرب عاصفة الصحراء التي اخرجت الجيش العراقي من الكويت، تفجرت في معظم المحافظات العراقية (الجنوبية والفرات الاوسط ذات الغالبية الشيعية) اعمال شغب وفوضي عُرفت في الادبيات الشيعية السياسية بـ (الانتفاضة الشعبانية) انتهت الي سقوط نحو 14 محافظة في قبضة المتمردين. كان التمرد واسعاً ومخيفاً، فاعمال القتل والحرق والنهب عمت سائر المدن في هذه المحافظات، ينما انكفأت الحكومة المركزية علي نفسها في بغداد.
داخل العراق بدا ان الربط بين دعوة الرئيس بوش للثورة وبين وقوع اعمال التمرد هذه، وكأنه يعيد الي الاذهان الصورة المرّوعة والخيالية لامكانية وقوع البلاد في فوضي عارمة.اما خارج العراق، فبدأت في هذا الوقت سلسلة من الاتصالات المحمومة بين المعارضين. ثم تعالت في اوساط الاحزاب والجماعات الشيعية المنفية المقيمة في طهران ودمشق ولندن، الدعوات الي فتح قنوات اتصال مباشرة بين الشيعة والامريكيين . مثل هذه الدعوات كانت صادمة للوجدان، وابدي كثير من السياسيين المعارضين استغرابه من هذا التحول في استراتيجيات الصراع ضد نظام الرئيس صدام حسين؛ فحتي وقت قريب من هذه الاحداث، كان الصراع محكوماً جزئياً علي الاقل، بقواعد عمل تؤكد علي استبعاد العامل الخارجي.
في سياق هذا التطور، تبلور تيار شيعي من داخل وخارج الاحزاب الدينية، بات يجاهر علناً بوضع استراتيجية بديلة تقوم علي اساس التحالف مع الامريكيين. وبين آذار (مارس) وحزيران (يونيو) من العام نفسه تشكلت لجنة مؤلفة من شخصيات شيعية مستقلة كما اسمت نفسها. وبعد ايام من الاتصالات السرية تلقت اللجنة دعوة رسمية للقاء وزير الخارجية جيمس بيكر والسفير ادوارد دجرجيان وجون كيلي.
في واشنطن تم الترتيب للقاء قصير مع بيكر اعتبر لقاء بروتوكولياً قيل فيه للضيوف انه لن يستغرق سوي بضع دقائق. اما اللقاء مع كيلي فسيكون، كما قيل لهذه المجموعة، مطولاً من اجل وضع اللمسات الضرورية لانشاء قنوات اتصال فعالة. كان كيلي مسؤولاً عن الملف العراقي، وكان علي رأس الوفد الشيعي الذي توجه الي واشنطن رجل الدين الشاعر مصطفي جمال الدين المقيم في دمشق، ورجل الدين محمد بحر العلوم المقيم في بريطانيا ومجيد الخوئي ابن المرجع الشيعي الاعلي(في هذا الوقت كان ابو القاسم الخوئي هو المرجع الاعلي وكان يستعد لتقديم السيستاني كخليفة له. وكان مع هذا الفريق السياسي الشيعي عزت الشابندر (عضو مجلس النواب الحالي).
خلال اللقاء جري تسليم الامريكيين الوثيقة التالية التي تشرح، باسم المرجعية الشيعية وباسم الخوئي شخصياً، موقف الطائفة ورؤيتها السياسية ورغبتها في التحالف مع الامريكيين. وتشير معلومات اضافية الي دور محوري لعبه موفق الربيعي (المدعي ان اسمه الحقيقي كريم شاهبور والذي يشغل اليوم منصب مستشار الامن الوطني).
وهنا نص الوثيقة (التي نشرت في صحيفة النهار البيروتية يوم الاربعاء 23/10/2002 بعد بضع سنوات من الحوار) نشير هنا ، فقط الي ان الجانب الامريكي الذي شعر بسعادة غامرة باستعداد رجال الدين الشيعة لعقد تحالف علني مع واشنطن، رتب فيما بعد لقاء مطولاً بين بيكر وجمال الدين. في ختام اللقاء قال بيكر للوفد الشيعي معبراً عن اسفه:
لو سمعنا مثل هذا الكلام قبل اربعة اشهر لكانت الامور قد تغيّرت كثيراً .
نص الوثيقة
بسم الله الرحمن الرحيم
1 ـ الشيعة والحكومات المتعاقبة في العراق
حتي النظام الدكتاتوري القائم
الشيعة ـ أ ـ مذهب اسلامي يتبع في عقيدته وتشريعاته مذهب الامام علي (ع) واهل بيت النبي (ص). ولا يختلف عن مذاهب السنّة الاربعة الا في اتباع اهل البيت في فهمهم للاسلام، لانهم يعتقدون ان اهل بيت النبي ادري من غيرهم في معرفة الدين الذي جاء به نبيّهم. اما في مواقفهم السياسية والاجتماعية فلا خلاف بينهم وبين اهل السنّة.
ب ـ يؤلف الشيعة في العراق حوالي 65% من الشعب. اما الباقي فهم سنّة عرب حوالي 16%، وسنة اكراد 17% و2% ديانات ومذاهب اخري.يختص سكن الشيعة في محافظات وسط العراق وجنوبه ـ ديالي، الكوت، بابل، كربلاء، النجف، الديوانية، الناصرية، العمارة، البصرة. ويختص السنّة العرب بسكني ثلاث محافظات هي الموصل، الرمادي، صلاح الدين. والاكراد في ثلاث محافظات هي ـ السليمانية، اربيل، دهوك.اما بغداد العاصمة فيتناسب سكانها مع النسبة الموزعة علي المحافظات تقريباً. اما كركوك فهي مشتركة ايضاً بين السنّة العرب والسنّة الاكراد والتركمان وهم من الشيعة والسنّة.
ج ـ مع ان الشيعة في العراق هم اكثرية الشعب لم يستلموا الحكم فيه لا في القديم ولا في الحديث. فاذا صرفنا النظر عن عهود الامويين والعباسيين والعثمانيين باعتبار انهم كانوا يحكمون البلاد الاسلامية، ومن ضمنها العراق علي اساس الخلافة الاسلامية؛ فانهم في عهد الاستقلال في السبعين سنة الماضية، كانوا محكومين من قبل السنّة العرب لاسباب كثيرة لعل اهمها، انهم حاربوا الاحتلال البريطاني في اوائل هذا القرن، واقضوا مضاجع حكومة الانتداب في ثورة العشرين وما بعدها، فلم يجد الانكليز بدا من التعاون مع الفئة التي اعتادت حكم العراق في السابق، وحرموا اكثرية الشعب من حقوقها. واخطأ اخوتنا اهل السنّة بالاستئثار في الحكم في السابق، وحصنوا انفسهم بجيش هو سني في قياداته ومراكز قوته حتي الآن. واصطنعوا مجالس نيابية في العهد الملكي كان نواب المحافظات الشيعية في الغالب يعينون من اهل السنّة. اما الوزراء والمحافظون والاداريون وضباط الشرطة وكبار موظفي الدولة، فلا تزيد نسبة الشيعة فيهم عن 6% وخنقوا بالاستبداد والجور اي تطلع شيعي للمشاركة في الحكم، وهذا الامر هو الذي دفع اكثرية الشباب من الشيعة لان يرتموا في احضان الحركات السرية المناهضة للسلطة، فكانوا اكثرية في الاحزاب الشيوعية والبعثية ثم الاصولية الاسلامية، لا التزاماً بهذه المبادئ في الغالب، ولكن بغية التخلص من الجور والاستبداد وفقدان الحقوق الانسانية التي مورست بحقهم في العهد الملكي والجمهوري. واستمر هذا الاحتراب والعواصف السياسية الطاحنة بين ابناء الشعب حتي اسلمتهم اخيراً الي عاصفة الصحراء التي قوّضت في ستة اسابيع كل ما بناه هذا الشعب المغلوب علي امره في السبعين سنة الماضية. وعادت بانسان العراق في التسعينات الي نقطة الصفر التي بدأ بها في العشرينات. وللانصاف نسجل هنا ان اخوتنا اهل السنّة في العراق لم يكونوا بعامة علي عداء مع الشيعة، فالاكراد والتركمان السنّة وكثير من عرب السنّة كانوا علي صلة وثيقة بالشيعة في القضايا الوطنية المشتركة، وكان التزاوج والتواصل بينهم يتصاعد باضطراد. وهذا الاستبداد والاضطهاد خلقته ظروف فئة مستأثرة بالحكم، وقد دعمت نفسها بجيش طائفي في اكثر فروعه. ولذلك تري الوزراء والحكام اقرباء بعضهم البعض ومن قري وبلدات عراقية سنيّة تتبادل السلطة فيما بينها، مثل تكريت وعانة وراوة وامثالها، واذا شاركتها قري سنّة آخرين من سامراء والموصل او المناطق الكردية فبنسبة ضئيلة لغرض التغطية واعطاء الطابع العراقي الشامل.
د ـ المرجعية الشيعية. يرجع الشيعة الامامية في امور دينهم وعقائدهم سواء كانوا في العراق او ايران او في مختلف البلاد الاسلامية الي مراجع الدين في النجف الاشرف، وقد تنحصر المرجعية احياناً في فقيه واحد ـ بناء علي مذهبهم من اتباع الاعلم ـ. وفي الوقت الحاضر يتبع الشيعة في مختلف انحاء العالم المرجع الديني الاعلي الامام ابو القاسم الخوئي في النجف الاشرف. اكثرية الشيعة حتي في ايران الثورة الاسلامية هم من اتباع الامام الخوئي. والامام الخوئي يختلف عن المرجعية الحاكمة في ايران في قضايا كثيرة اهمها:
1 ـ ان الامام الخوئي لا يذهب الي (ولاية الفقيه) التي قامت عليها الثورة والحكومة الاسلامية في ايران. وولاية الفقيه هي العنصر الاساس الذي خوّل الامام الخميني (قدس سرّه) ان يقيم الحكم الاسلامي في ايران، وان كثيراً من علماء الشيعة في العراق وايران ولبنان يخالفون هذا المبدأ ويرون ـ بعد ولائهم للاسلام ـ (ولاية الامة علي نفسها) وهو المصطلح الذي يقابل (سيادة الشعب) في نظم الحكم الحديثة.
2 ـ ان اسلوب (الارهاب والعنف) ليس هو الاسلوب الذي يرتضيه الامام الخوئي في الدعوة الي الله؛ بل يتبع مبدأ القرآن الكريم (ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويفضل اتباعه الوصول الي الحكم عن طريق الاختيار الشعبي للاصلح، وهو سبيل الديمقراطية وحقوق الانسان. وقد كان الامام الخوئي معارضاً لشاه ايران وللحكم القائم في العراق طيلة فترة زعامته الدينية، ولكنه لم يسلك في معارضته لهما طريق الثورة والعنف؛ بل طريق النقد والمعارضة الايجابية. ويفضل ان يقوم الحكم في ايران او العراق علي العدالة والمساواة واختيار الشعب لحكامه بحرية تامة، واتباعه في العراق ـ ونحن منهم ـ لا يمانعون في ان يكون الحاكم سنياً او شيعياً عربياً او كردياً اذا تم اختياره من طريق الانتخاب الحر المباشر.
2 ـ موقف الشيعة
من امريكا وانكلترا والغرب بوجه عام؟
أ ـ كان موقفنا المباشر طيلة السنوات الماضية مع انكلترا دون غيرها من الغربيين، وقد لاقينا منها ولاقوا منا، ما يحتفظ به تاريخ العراق الحديث منذ الاحتلال البريطاني حتي اليوم نتيجة اعطائهم السلطة لفئة من العسكريين العراقيين، نشأوا ـ ثقافياً وسياسياً ـ في ظل الدولة العثمانية السابقة التي حرمت شيعة العراق من ابسط حقوقهم الانسانية، وقد دعموا هذه الفئة بجيش اسسه جعفر العسكري ونوري السعيد وياسين الهاشمي واحزابهم من السنّة العرب ومنعوا دخول الشيعة فيه، الامر الذي جعل الحكم يتداول باستمرار بين فئات لا نصيب لاكثرية الشعب فيه حتي استلمه اخيراً صدام حسين وتفنن في اضطهاد الشيعة الي حد الاذلال والمهانة، وحرمهم من ممارسة شعائرهم الدينية. وسحق بدباباته وجيشه القوي اغلي مقدساتهم في النجف وكربلاء مما هو غير خاف عليكم. وهذا الامر هو الذي جعل حتي المعتدلين من الشيعة يسلكون سبيل الثورة والعنف في الدفاع عن انفسهم وعن مقدساتهم الدينية.
ب ـ اما الامريكيون والفرنسيون فليست لنا بهم تلك العلاقة المباشرة الامر الذي جعل املنا بهم يختلف كثيراً عن غيرهم، ولكن الذي يأخذه الشيعة علي امريكا بوجه خاص انهم بعد ان هدموا بعاصفة الصحراء ما لم يدخل في عملية تحرير الكويت التي جاؤوا من اجلها، من البني التحتية ـ اقتصادية وعسكرية ومدنية ـ واحتلوا الكثير من المناطق الشيعية في العراق، وحرضوا الشعب علي ازاحة هذا الكابوس الجاثم علي صدورهم، وقفوا بعد ذلك متفرجين علي الثورة التي اشعلوها بين شعب اعزل وجيش لا يزال قوياً، وكانت مواقف الامريكيين متذبذبة اول الامر بين منع الطائرات العراقية من قصف المواطنين والسماح لها، وقطعوا امرهم اخيراً باعطاء النظام الضوء الاخضر لتصفية هذه الثورة. هذا الامر جعل اكثر العراقيين من الشيعة يشكون ـ ولعلهم كانوا علي حق ـ في ان الامر تم بتواطؤ في خيمة صفوان بين الفريق الامريكي والفريق العراقي علي تصفية الانتفاضة في الجنوب ثم في الشمال، ليبقي الحاكم العراقي المهزوم كسيحاً لا ميتاً، ليسهل الطريق لهم في التعامل معه و اخضاعه في سبيل الاحتفاظ بكرسيّه، والقبول بالعقوبات التي تقع نتيجتها علي شعب لم يكن طرفاً لا في احتلال الكويت ولا في تخويف جيران العراق، ولا في حشد الثروة العراقية لبناء اسلحة الدمار المخيفة التي يشكو منها العالم الغربي.وقد كان امل العراقيين ان الخراب الذي اوقعه الامريكيون ببلدهم ـ سواء كانوا مصيبين او مخطئين ـ ومنعهم حتي من الغذاء والدواء والنور والماء، سيكون سهلاً عليهم لو كان ثمنه ازاحة هذا الكابوس عن صدورهم وتمتعهم بما يتمتع به الشعب الامريكي والفرنسي من الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.اما وقد جمع الحلفاء علي هذا الشعب خراب بلدهم مادياً ومدنياً وقتلهم وانتهاك مقدساتهم، فيعلم الله وحده كم سيكون مقدار حقد هذا الشعب عليهم وعلي حلفائهم. ونحن لا نري شيئاً يمكن ان يزيل صوت هذا الحقد من نفوسهم الا بالرجوع الي ما كانوا يأملون من امريكا وحلفائها مثل:
1 ـ دعم الانتفاضة الشعبية التي لم تمت في واقع الامر، وانما خطط القائمون عليها ان تفتر قليلاً بغية تحصيل هذا الدعم المادي والمعنوي لها، منكم ومن الامة العربية والدول المجاورة علي وجه الخصوص.
2 ـ العمل علي ادانة ما ارتكبه النظام الديكتاتوري ضد ابناء الشعب العراقي وضد المرجعية الدينية والعتبات المقدسة للمسلمين الشيعة من دول التحالف والامم المتحدة والفاتيكان.
3 ـ العمل علي تعليق عضوية النظام العراقي في الامم المتحدة والمحافل الدولية ما دام نظام صدام قائماً.
4 ـ مدّ جسور الصلة والتفاهم بين ممثلي المرجعية الشيعية ودول التحالف لاسقاط النظام وصوغ المستقبل الذي يريده العراقيون لبلدهم، وبعكس ذلك ستخسرون اكثرية الشعب العراقي؛ بل اكثرية الشيعة في العالم الذين تمثلهم المرجعية الدينية في النجف، مما سيخلق مناخاً لنمو حركات متطرفة ليست في مصلحتنا ولا في مصلحتكم.
3 ـ الموقف من ايران والاصولية الاصل
يكثر الحديث ـ وبخاصة بعد انتفاضة الشيعة في العراق ـ عن الانتماء الايراني للتشيّع، وان الانتفاضة ـ لو نجحت ـ فسيكون الحكم في العراق علي غرار الحكم القائم في ايران، وما لقيه العالم الغربي من الحكم الايراني كافٍ لحجب الدعم عن انتفاضة الشيعة، لان بقاء صدام حسين في الحكم ـ مع كل سيئاته ـ اهون بكثير من مجيء حكم اصولي يكون امتداداً للحكم الاسلامي في ايران.
وهذا الكلام علي جانبٍ من حق لو كان صحيحاً، ولكن الذي يميز شيعة العراق عن شيعة ايران امور كثيرة اهمها:
1 ـ ما اشرنا اليه سابقاً من ان الحكومة الاسلامية في ايران قامت علي اساس (ولاية الفقيه) التي تنكرها المرجعية الدينية العليا في النجف؛ بل ان الاساس لقيام الدولة عند شيعة العراق ومرجعيتهم الدينية، الاساس نفسه الذي تقوم عليه المرجعية الدينية نفسها، فهي لم تقم علي اساس (ولاية الفقيه) ولا علي اي اساس آخر يصادر حريات الناس في اختيارهم للمرجع الديني؛ فاذا كان المرجع نفسه يتم اختياره بحرية مطلقة من قبل الشيعة، فكيف يتم اختيار الحكام بغير طريق الحرية والانتخاب الحر المباشر، فولاية الامة علي نفسها والاختيار الحر المباشر هما الاساسان اللذان يختلف فيهما شيعة العراق عن شيعة ايران.
2 ـ ان العراق جزء من الوطن العربي الكبير، وشيعة العراق في غالبيتهم عرب اقحاح، تربطهم بالامة العربية في اجزاء الوطن الاخري مشاعر ولغة وآداب واعراق لا يربط شيء منها شيعة ايران. واذا كان الاسلام الشيعي قد صاغ شخصية الفرد العراقي ومجتمعه؛ فان (العروبة) شريكة هذا الاسلام في صياغة هذه الشخصية سواء في الفرد او المجتمع.
3 ـ صحيح ان الاسلاميين من الشيعة اكثرهم الآن في ايران نتيجة تعسف الحكم القائم في العراق، ولكن الصحيح ايضاً ان كثيراً من هؤلاء الاسلاميين لا يشاركون اخوتهم من شيعة ايران الافكار والاهداف والاساليب نفسها. هذا الي ان الاحزاب والفئات السياسية ليست كلها اسلامية، ففي الشيعة منذ القديم احزاب اخري وطنية وقومية ويسارية وديمقراطية. واذا كان بريق الثورة الاسلامية في ايران قد جعل امتداد الاسلاميين في العراق اوسع من غيرهم، فليس معني ذلك ان الاحزاب الاخري تعطلت عن العمل. يضاف الي ذلك ان الاحزاب بعامة ـ وفي كل الشعوب ـ لا تكون الا فئة يسيرة من تلك الشــــعوب، فلماذا نحكم علي الشيعة بانهم مــــن هذا الحزب او ذاك؟ وبكلمة اخيرة ـ الشيعة في العــــراق يرتبطون بشيعة ايران في عقيدتهم الدينية، كــــما يرتبطون بشيعة الهند وباكستان واندونيسيا ولبـــنان ودول الخليج وغيرها. اما عدا العقيدة فلكل ظروفه واحكامه، ولا يختلف ارتباط الشيعي العراقي بالشيعي الايراني عن ارتباط الكاثوليكي الامريكي بالكاثوليكي الآخر في فرنسا، او ايطاليا، او اسبانيا او اي بلد آخر.
4 ـ موقف الشيعة من دول الخليج
والدول العربية الاخري
ومن هذا الذي تقدم في الفقرة السابقة، ُيفهم موقفنا نحن شيعة العراق ـ من الدول العربية والخليجية بوجه خاص ـ فنحن منهم وهم منا وكلنا عرب مسلمون، نشاركهم ويشاركوننا في الهم العربي في جميع الظروف والادوار، وموقعنا مما حدث من اجتياح الديكتاتور للكويت يعرفه اخواننا الكويتيون والخليجيون في المنفي الذي شاركناهم في حفلات الاحتجاج ومسيرات التظاهر والاستنكار لما حدث في الكويت في جميع منافيهم ومنافينا والفتوي الدينية التي اصدرها المرجع الاعلي للشيعة الامامية ـ الامام الخوئي ـ في حرمة التعامل في المنهوبات التي اقترفها الجنود العراقيون، معروفة مشهورة وابناؤنا من الشيعة الكويتيين دافعوا عن وطنهم امام الطاغية وُقتل وُاعدم كثير منهم بأيدي جنوده وهم كلهم من مقلدي الامام الخوئي حفظه الله. ونحن وهم ـ بعد ذلك كله ـ اجزاء من الوطن العربي الكبير، نفرح لافراحهم ونحزن لحزنهم، فما الذي يخيفهم من انتفاضة الشيعة علي نظام عرفوه وخبروه ولاقوا منه نفس المر الذي لاقيناه؟
5 ـ تصورنا لمستقبل العراق
نحن ندعو ـ بعد التخلص من النظام الديكتاتوري القائم ـ الي قيام دولة اسلامية عربية ديمقراطية تحفظ هذا الوطن ـ بعربه وكرده واقلياته الاخري وبمسلميه ومسيحييّه، وسنته وشيعته، وراديكالييه ومحافظيه ـ الحد الادني من قيمه الاجتماعية والروحية، والي بناء دولة مسالمة تستوعب متطلبات المعاصرة، ولا تتعالي علي قيم الاصالة وتقوم علي اسس ثلاثة ـ الاسلام والعروبة والديمقراطية، بحيث تتمازج هذه الاسس الثلاثة وتنفي عنها ما حملتها اياه بعض الظروف الاستثنائية من حدة وتصلب.
أ ـ فالاسلام الذي نريده ليس هو (الدولة الدينية) القائم علي (الخلافة) او (ولاية الفقيه) وانما هو العقيدة التي تعتنقها غالبية الشعب العراقي بعربه وكرده واقلياته الاخري، وهو التشريع الذي تخضع له مجتمعاته في مختلف مجالاتها وعلاقاتها واحوالها الشخصية. وهو بعد ذلك الفكر الذي صاغ شخصية الفرد العراقي وربطها بمجتمعه ابتداء بعلاقاته بأسرته وذوي قرباه وانتهاء بعلاقاته العامة بمدينته وقطره وامته. وهذه العقيدة الاسلامية تتسع في مجال التشريع لحقوق ابناء الديانات الاخري من العراقيين وتقاليدهم بما لا يجعلهم يتضايقون من جعل الاسلام اساساً لبناء الوطن.
ب ـ والعروبة ـ بلغتها وآدابها واعراقها وواقع الصلة بين اقطارها ـ شريكة هذا الاسلام، مع صياغة المجتمع العراقي، وهي عدله في بناء تقاليده واعرافه، فهل يكون غريباً ان نجعل من العروبة اساساً آخر لبناء دولتنا الحديثة في زمن تتطلع فيه الدول المتقدمة كأوروبا الي التقارب والتوحد بين اقطارٍ لا تجمعها لغة واحدة ولا تربط بينها ثقافة مشتركة.
وهذه (العروبة) ليست هي (القومية) الضيقة التي تبناها ومارسها بعض المتسلطين علي هذا الشعب مما كانت نتائج تلك الحروب الطاحنة بين العرب والاكراد في الخمسين سنة الماضية؛ بل هي ذلك الجسد الذي كان الاسلام روحه، تتسع لكل ما يتسع له الاسلام من اخوة وتسامح وباستطاعتها ان تحمي لغات شركائنا في هذا الوطن وثقافاتهم وحقوقهم القومية بالقوة نفسها التي تحمي بها العروبة لغتها وثقافتها وحقوق ابنائها.
ج ـ اما الديمقراطية فهي في نظرنا النموذج الامثل لنظام الدولة المعاصرة، وهي الكفيلة بحل كل مشكلاتنا الطائفية والعنصرية، ولا يمكن لأية فئة سياسية ـ اسلامية كانت او قومية ـ ان تطبق برامجها المطلوبة دون الوصول اليها من طريق الديمقراطية والغالبية البرلمانية، ولو سلكت اي فئة طريق القوة والعنف لتحقيق برامجها، لعدنا الي ما كنا نشكو منه طيلة هذه السنوات من طغيان واستبداد. ونحن الشيعة من موقعنا وموقع المرجعية العامة لا نمنع كما قلنا ان تكون رئاسة الدولة لسني او شيعي، اذا تم انتخابه بطرق ديمقراطية.
د ـ من اجل ذلك ندعو لقيام حكومة انتقالية تكون مهمتها ما يأتي:
1 ـ الغاء كافة المؤسسات القمعية التي خلفتها الديكتاتورية، واعلان العفو العام واطلاق سراح السجناء السياسيين من مختلف الاتجاهات واعادة المهجرين في الداخل والخارج الي مواطنهم وتعويضهم عما فقدوه.
2 ـ البدء فوراً في اعادة التعمير واحياء المرافق الاساسية لتأمـــــين الحياة الضــــرورية للمواطنين من خدمات صحية ومياه وكهرباء واتصالات ومواصلات وتوفير ما يلزمهم من غذاء ودواء.
3 ـ اطلاق الحريات العامة وفسح المجال لابناء الشعب في التنظيم الحزبي والنقابي والاجتماعي وتوفير الحرية للتعبير عن الرأي باصدار الصحف ومنع الرقابة عليها وضمان حق التظاهر والاضراب والتجمعات وغير ذلك.
4 ـ تصحيح علاقات العراق عربياً واسلاميا ودولياً، وانتهاج سياسة خارجية مستقلة تقوم علي مبدأ حسن الجوار والتضامن العربي والاسلامي واقامة احسن العلاقات مع كافة الدول والتمسك بميثاق الجامعة العربية ومواثيق الامم المتحدة ومراعاة مصالح الدول الصديقة بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية.
5 ـ المبادرة باجراء انتخابات حرة، وبالتصويت السري المباشر لمجلس وطني تأسيسي يمثل كل قطاعات الشعب تكون مهمته وضع دستور دائم للبلاد خلال فترة زمنية محددة يعرض بعدها علي الشعب للتصويت عليه، ونقترح ان تكون اهم بنوده:
أ ـ ان الاسلام دين الدولة، وان الفقه الاسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
ب ـ ان العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن الذي هو جزء من الوطن العربي الكبير، يسعي جاهداً للتضامن مع الاجزاء العربية الاخري، بهدف الوصول الي تطوير اقتصادها وتحقيق وحدتها بما يحفظ لشركائنا في هذا الوطن حقوقهم وطموحاتهم القومية.
ج ـ ان الديمقراطية هي نظام الحكم في العراق، وان التعددية السياسية، وتــــداول السلطة وحرية الترشيح، والانتخاب المباشر، وحرية التعبير عن الرأي والانتماء السياسي اهم ركائز هذا النظام.
د ـ الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، والقضائية.
ه ـ النص علي الرقابة الدستورية والقضائية علي مؤسسات الدولة ومرافقها وزارية كانت او غيرها.
و ـ العمل علي بناء جيش عراقي قوي ووضعه تحت سلطة الشعب والدستور ومنعه من التدخل في الشؤون السياسية والحزبية وحصر مهمته في الدفاع عن الوطن.
ز ـ العمل علي تحرير المرأة ومساواتها في حقوق الرجل وواجباته سياسياً واجتماعياً بما لا يتنافي مع الروح الاسلامية.