في ضوء نتائج الانتخابات التركية
تركيا حددت ملامح تاريخها الجديد:
الإسلام السياسي والشرق الجديد في ضوء نتائج الانتخابات
تركيا: فوز ساحق للعدالة والتنمية في الإنتخابات
حزب العدالة والتنمية يحصل على الغالبية المطلقة في الإنتخابات التركية
إقبال شديد على التصويت في الانتخابات التركية
توفيق آلتونجي من السويد:توجه أمس 42,532 مليون ناخب من اصل 74 مليون نسمة الى 158700 مركز انتخابي ليدلوا بأصواتهم في احد أهم انتخابات التشريعية وهو الخامس عشر منذ إعلان النظام الديمقراطي البرلماني التعددي عام 1950. هذه الانتخابات المهمة في حياة الجمهورية التركية ومجمل منطقة الشرق الأوسط الجديد تأخذ أهميتها المصيرية من موضوع أساسي ومبدئي أسست عليه الجمهورية التركية الا وهو مبدأ العلمانية أي فصل الدين عن شؤون الدولة.
المتتبع للساحة السياسية التركية يجد ان هذه الانتخابات المبكرة لم تأت بطلب شعبي بل بقرار سياسي اثر إخفاق البرلمان والأحزاب السياسية في الاتفاق على مرشح لرئيس الجمهورية خلفا لاحمد نجدة سيزار الذي يعتبر رئيسا للجمهورية منتخبا من خارج تشكيلة أعضاء البرلمان. وكانت جهود حزب العدالة والتنمية تصب في تقديم مرشحهم وزير الخارجية الحالي عبد الله غول لهذا المنصب. وقد تعثر هذا المسعى للحزب مما دعاه الى إعلان الانتخابات المبكرة. الهدف الأساسي للحزب هو الحصول على اكبر عدد من المقاعد البرلمانية يؤهله إجراء إصلاحات قانونية ودستورية وربما الأخذ بمبدأ الاستفتاء الشعبي عند اختيار رئيس جمهورية للبلاد بدلا من البرلمان.
شارك في هذه الانتخابات 14 حزبا سياسيا وقائمة للمستقلين يتنافسون على 550 مقعدا في البرلمان الوطني التركي وتم ترشيح 7393 مرشحا بينهم 699 مرشحا مستقلا ستون منهم من الأكراد. ولا يزال شرط الحصول على 10% من أصوات الناخبين كشرط أساسي للدخول الأحزاب الى البرلمان ولذا نرى ان العديد من السياسيين السابقين والأحزاب السياسية الصغيرة والأكراد انتظموا تحت تجمع المستقلين لتفادي هذا الحاجز وعدم الحصول على نسبة ال 10%. الجدير بالذكر ان قسيمة الانتخابات كانت طويلة جدا ووصلت الى 88 سنتمترا.
دور المؤسسة العسكرية مهم جدا في دولة مثل تركيا والجدير بالذكر ان هذه المؤسسة القوية يربو عدد منتسبيها الملايين وهي جاهزة للقتال وخوض الحرب عددا وعدة بتجهيزات وأسلحة ذي مصدر أميركي وأوروبي بالدرجة الأولى. فتركيا كانت ولا تزال عضوا في حلف الناتو وكان لها دور مهم وحيوي إبان فترة الحرب الباردة وتقلص هذا الدور مع انهيار جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ان هذه المؤسسة التي تتدخل في شؤون الساسة بين الحين والآخر بتهديد المؤسسة السياسية او التلويح برفع رايات الحرب لغزو كردستان العراق" هذا الغزو الذي يكرره العسكر بين الحين والاخر ومنذ عام 1980" او قبرص للمرة الثانية او التدخل في شؤون ايران وسوريا وارمينيا ودول أخرى وحتى خوض مغامرات الانقلابات العسكرية كررتها على الأقل لحد الآن 4 مرات منذ عام 1960 كان آخر تلك الانقلابات في أيلول من عام 1980 ناهيك عن الضغوطات التي تمارسها بين الحين والآخر من خلال مجلس الأمن القومي التركي وكل ذلك تحت ذريعة حماية الجمهورية ومبدأ العلمانية. لذا نرى ان لطبول الحرب آذانا صاغية بين الملايين من الناخبين وقد استفاد حزب الحركة القومية من هذا التوجه في المعسكر الكردي لرفع وزيادة تمثيلها في البرلمان التركي.
حيث يعتمد الحزب الشدة والعنف أساسا في التربية الحزبية واستفاد من تعاظم عمليات حزب العمال الكردستاني فدفع بالعسكر الى مغامرات عديدة في جبال كردستان كلف الجانبين العديد من القتلى والجرحى وحسب الإحصائيات الرسمية وصل عدد الضحايا من شهداء الجيش التركي الى آلاف وتمثل أضعاف عدد قتلى وجرحى مقاتلي حزب العمال الكردستاني ناهيك عن أضرار أخرى في تدمير القرى والديار وتخريب الاقتصاد الوطني وهدر الثروة القومية الوطنية. حيث نرى اليوم ان احد اهم مصادر الثروة الوطنية التركية في قطاع السياحة قد وصل الى مستويات أدنى مما كانت عليها قبل بدء تلك الحركات العسكرية. من المؤسف ان تكون هذه النتائج المأسوية بين أبناء كلا الشعبين احد أهم مواضيع الدعاية الانتخابية اليوم لمعظم الأحزاب المشاركة في الانتخابات.
النتائج الأولية حسب اللجنة العليا للانتخابات ، عدد الأصوات وتوزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب (بعد تعداد 97,8% من الاصوات):
اسم الحزب % انتخابات عام 2007 توزيع المقاعد البرلمانية
حزب العدالة والتنمية 46,7 341
حزب الشعب الجمهوري 20,8 113
حزب الحركة القومية 14,3 70
الحزب الديمقراطي 5,4 0
الحزب الفتي 3,0 0
المستقلون من حزب المجتمع الديمقراطي 3.7 23
المستقلون 1,4 3
هناك أحزاب سياسية أخرى صغيرة شاركت في الانتخابات اليوم ك: الحزب الشيوعي التركي، حزب السعادة، حزب الكادحين، حزب تركيا الساطعة، الحزب الليبرالي الديمقراطي، حزب تركيا المستقلة، حزب الشعب النامي، حزب الحرية والديمقراطية و حزب العمال.
اولى ضحايا هذه الانتخابات كان زعيم الحزب الديمقراطي السيد محمد آغار حيث قدم استقالته اثر النتائج السيئة التي حصل عليها حزبه رغم انه وكمدير شرطة امن سابق ادى خدمته في شرق الأناضول "التسمية الرسمية لمنطقة كردستان" وتعلم الكردية التي كان يستخدمها في حملته الانتخابية وكما ذكر بنفسه وقد قام بطرح فكرة وطنية مفادها "النزول من الجبال وخدمة الوطن معا" لفتح الحوار مع المقاتلين الاكراد وكان قد تعرض لانتقادات حادة من معظم الأحزاب السياسية. رغم ان زعيم الحزب بقي عرضة للانتقادات والاتهامات حول دوره في الجريمة المنظمة والفساد وامور اخرى اجبره على الاستقالة والعودة مرة اخرى لقيادة الحزب.
ان اللوحة السياسية الجديدة تؤكد التوجه الى المركز مع بقاء الاحتمالات مفتوحة لحكومة الحزب الواحد أي بقاء الحزب الحاكم اليوم ورئيس وزراء السيد رجب طيب اردوغان بعد ان حصل على الأكثرية المطلقة من النواب في البرلمان التركي ما يؤهله لقيادة البلاد وإجراء جميع التغيرات والاصلاحات تنفيذا لوعوده الانتخابية بينما سيعاني صعوبات في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية حيث يحتاج الى 367 نائبا في البرلمان. الجدير بالاشارة ان زيادة اصوات الحزب تشمل كافة المناطق الانتخابية على ساحة الخارطة الجغرافية التركية وبالاخص في مناطق تواجد الاكراد حيث الانتماء الى الدين الاسلامي الحنيف ياخذ بعدا كبيرا في المجتمع الكردي في شرق وجنوب شرق البلاد هنا حصل الحزب على 55,1 % من الاصوات.
سوف يتحول الحزبان الاخران أي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية والمستقلون جبهة وكتلة معارضة داخل البرلمان .ان دور حزب الشعب الجمهوري في تقوية وإنعاش حزب الحركة القومية معروف في الأوساط السياسية التركية. ان وصول العديد من المستقلين اكثر من 23 نائبا مستقلا والعديد منهم من الأكراد من المؤمنين بالحل السلمي لقضية الشعب الكردي رغم ان اول تعليق لزعيم الحزب السيد ”احمد قان" الذي دخل الانتخابات من قائمة المستقلين يدل على انه سيتعامل مع الحكومة في ترجيح الحلول السلمية وتقديم الحوار في ما يخص حل المسألة الكردية في البلاد. نرى كذلك وجود 3 من المستقلين الاخرين قد افلحوا في الدخول الى البرلمان. قد يؤدي كل ذلك الى هبوب عواصف لا يحتمل عقباه ويشل الحياة السياسية النيابية.
لا تزال الازمة السياسية التركية مستمرة والى انتخابات قادمة.
هل يا ترى سوف نرى في المستقبل نظاما ديمقراطيا وجمهورية جديدة في الأفق وتسمى الولايات المتحدة التركية؟
هل يتم حقن الدماء بين الأخوة المتقاتلين؟ ام تنتصر الحركات القومية وتتشتت تركيا وتذهب ريحها؟
وهل تبقى راية العلمانية الممزوجة والمتكاملة مع قيم الدين الإسلامي السمح نموذجا جديدا في الشرق الأوسط الجديد والكبير؟
أسئلة سيجيب عليها المستقبل في الشرق الجديد.