السِّمات : قيل جمع سمة بكسر السين و هي العلامة ، وقيل بل هي من السمو بمعنى العلو والرفعة ، وهناك من قال بل هو لفظ مشتق من - أسم - ، والأسم : عرفه بعض النحاة بمعنى السمو و الرفعة أو من الوسم بمعنى العلامة ..
وقد أطلق على هذا الدعاء أسم فقيل ( دعاء الشبّور ) والشبّور : في لغة العبرانيين يعني البوق ، أو هو الشيء الذي ينفخ فيه ، وهو بمثابة الأداة التي يُدعى أو يُنادى فيها للعبادة أو لأمر هام ، ولكن لماذا سميناه نحن العرب بهذا الأسم ؟ ، قال الشيخ الكفعمي : - فيما روآه عن الإمام الصادق ( إن يوشع بن نون عند محاربته للعماليق خاف منهم فأمر الخواص ممن معه في جيشه ، أن يكتبوا أسماء العماليق واحدًا واحدًا على جرار ، ويقرأ بهذا الدعاء في قرن مثقوب من قرون الضأن .. ) ، ومنه يتبين أن هذا الدعاء في أصله ليس عربياً وربما عُرب لأهميته .
وهناك قول شاذ ذهب إليه بعضهم فقال : - إنما الشبور بمعنى الشبوت وهو يوم السبت - !! ، وهذا قول غريب كما ترى ولا ينسجم مع لغة العبرانيين ولسانهم ، فالسبت هو يوم مقدس محترم عندهم ويطلق عليه في لغتهم - شبُت - ولم نسمع أحداً قال عنه شبورا !! ، ودعاء السمات في ظاهره هو ذكر و بيان لأسماء بعض الأنبياء وبعض الكلمات وبعض الأماكن التي تدل على معاني في نفسها .
وأما البناء التاريخي لهذا الدعاء من جهتي السند والدلالة ، ففيه أقوال متعددة والذي أعتمدناه من جهة السند ماورد في مصباح الشيخ الطوسي مرفوعاً عن مشايخه إلى حضرة الأمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، ويجري على هذا الدعاء ما يجري على غيره من جهة الضبط التاريخي ، وبما إننا أتخذنا من نفس القاعدة التي يجري تطبيقها على كل الأدعية والزيارات ، وهي القبول بها من جهة دعوتها للخير ومكارم الأخلاق ، ولهذا لم نجري عليها مشرط التحقيق كما في باقي الأخبار والروايات ، إنما أجرينا عليه قاعدة - التسالم في أدلة السنن - وهي قاعدة إعتبارية تجد ان الغرض المطلوب يتحقق من خلال الدعوة للخير والعمل الصالح بها ، هذا من جهة السند التاريخي ..
وأما من جهة المعاني والدلالات ، فهناك ثمة ما يُغري في هذا الدعاء شأنه في ذلك شأن باقي الأدعية والحكم ، وقد تعرضنا ذات مرة لتوضيح دعاء كميل وما فيه من الدلالات والعبر ، أعني أن هذا الدعاء مورد البحث هو من حيث الصناعة البيانية يشبه غيره من الأدعية ، مع تفاوت ملحوظ في بعض العبارات والجمل بحسب الوضع والإعتبار .
إن مقدمة الدعاء تبتدأ بالقول - اللهم إني أسألك بأسمك العظيم الأعظم - ، ويعلق أحد العرفاء بالقول : - ويصح إطلاق - الأسم الأعظم - على هذا الدعاء عنواناً وأسماً ومعناً ، فيكون معنى السمات المشار إليها هي الأسماء العظيمة ، والدعاء كما هو يستدرجنا بدعوته الخالصة إلى تزكية النفس وتهذيبها ، من خلال ما يقدمه لنا ويُحملنا إياه من كم هائل غزير من المعاني والألفاظ والمعارف الحاثة إلى الإعتصام والتمسك بحبل الله المتين .
لكن جهة الإثارة المرموز إليها في هذا الدعاء والتي شدت إنتباهي ، هو في ذلك المعنى الأخر أو الأسم الأخر لهذا الدعاء ، في قول صاحب مفاتيح الجنان - دعاء الشبور - ، وإذا كان الشبور هو هذه الأداة أعني - البوق - ، والبوق من جهة الإختصاص أداة يستخدمها بنو إسرائيل في المناداة للصلاة والعبادة ، إذن هذا الدعاء ليس نتاجا عربيا أو مسلما ، بل هو ترجمة مدمجة مضاف إليه بعض العبارات والصور لكي يتشكل بطابع إسلامي ، وهذه صفة سيئة سادت في العصور اللاحقة في زمن الترجمة وماتلاها أيام الدولة العباسية .
ولو تتبعنا البنية اللغوية والدلالية لهذا الدعاء نجد إنه حريص على ذكر أماكن وسكنى أنبياء بني إسرائيل ، وما مر عليهم ، فموسى النبي كان حاضراً وبكثافة في كل زوايا هذا الدعاء وذكره ، وقصته حين ألتقاه الرب وكلمه أو جهة مسيره ودعوته ذكرت على نحو من التفصيل هنا ، ومن قبل هذا حدد أماكن سكنى وعبادة جميع أنبياء بني إسرائيل الأخرين ، بدءا بإبراهيم وإسحاق الذي عاش في بئر شيع ( بئر السبع ) كما يسميه العرب ، وأن يعقوب إسرائيل عاش وأستوطن بيت إيل في رامله القريبة من بيت المقدس كما في لغة أهل الشام .
هذه الإحالة التاريخية تُلغي عندنا المفهوم السائد الذي يتقاذفه سياسيو هذا العصر ، بأن هذه الأرض ليست أرض - بني إسرائيل - أو أنها محتلة منهم ! ، أو إنها جزء من الهبات التي منَّ بها عليهم الأنكليز في مطلع القرن العشرين !! ، هذا الكلام يوضح معنى التهافت التاريخي الذي يروجه في أذهان البسطاء جيش من المغالطين ، ودعونا نوضح المعنى بشيء من الذكر الذي ورد في باطن الدعاء وظاهره .
يقول الدعاء : أن مجد الله وملكوته تجلى لأنبياء بني إسرائيل ، هناك في تلك الأرض التي باركها الله لهم فيها ، وهذا التاريخ البعيد لا علاقة له بوعد بلفور وبالقرار الأممي لسنة 1947 م !! ، هي كلمات تحدثت عن حقبة تاريخية وماض سحيق ، مما يجعلنا أمام حقيقة أخرى كيف لنا أن نواجهها ؟ وكيف لنا أن نحكم عليها ؟ من غير كلام نظري وتنظير وعنتريات وحقوق لا حقة . ودعونا نقرب الفكرة هل يصح إعتبار كل من هاجر إلى أرض ما لظرف ما ، وأستوطنها يحق له طرد أهلها والإدعاء بأنه صاحبها ومالكها ؟! [ ونفس الشيء يمكن قوله حول جميع الملكيات والإعتباريات الأخرى ] ، فهل يصح مثلاً القول أن كتابات فرويد وكارل ماركس وأنجلز وشوبنهاور المترجمة للعربية كتابات عربية ؟ وهل يصح القول إن كتابات المشرقيين والمشائيين كحكمة الإشراق وكتابات البيروني والخوارزمي عربية لأنها ترجمة إلى العربية ؟ .
مع الأخذ بعين الإعتبار في المسألة التي نبحث فيها ، هناك ملاحظة تقول أن بني إسرائيل من جهة الإنتماء القومي والديني إلى الأم ، ومن جهة أخرى لا يصح عندهم الدعوة إلى دينهم ، لأنهم بحسب المفاهيم الثقافية لديهم إنهم أبناء الله وأحباءه !! ، على عكس باقي الديانات السماوية الأخرى التي فتحت الباب مشرعاً للدعوة والنشر على مصراعيه وبكل الطرق .
وأما إشكالية - الأقلية والأكثرية - فهي ليست غالبة في مسألتنا ، ولعل الله سبحانه من جهته حسم هذا النزاع بقوله : - وأكثرهم للحق كارهون - ، فليست الكثرة دليلاً على الصحة والحق ، ولا القلة دليلاً على الضعة والبطلان ، من هذه الجهة وغيرها أرجوا أن يقرأ هذا المقال بعين الرعاية لكي نقف جميعاً على طريق الحق مبتعدين عن الأحقيات والأدعاءات والتزييف ، ويبقى - الحق أحق أن يتبع - ..