مقدمة وسؤال وجواب :
مجلة ذوات في عددها التاسع والأربعين نشرت حواراً مفصلاً مع خزعل الماجدي حول التصوف ، أجرت الحوار الكاتبة والناقدة السورية نبيلة علي التي وضعت هذه المقدمة :
" من يستطيع دفن شريط الابجدية ؟
من يستطيع ان يدفن عقدا من الخرافات ؟
هل تبددت الحياة مثل خرزة وسقطت في البئر؟"
أسئلة وجودية في عالم الدكتور خزعل الماجدي لكي ياخذنا إلى عوالم الأساطير القديمة والآلهة التي يقول أن سببها : " شغفي بالأعالي وميلي إلى المُثل ، هذه المُثل التي يحنّ لها كلّ انسانٍ مفطورٍ على الحبّ والخيرِ والجمالِ ، ويؤمن بها دون النظر إلى خطورة التعلّق بالمفاهيم الشمولية "
إنه يصنع أسطورته الشخصية على مهل ، ويشحذها من أعماقه ومن واقعه الذي عاش فيه لأن الجذور الأسطورية للواقع ترقد في الأعماق ، كما يقول ، وفي ذخيرة الجمال والخيال والشحنة الروحية والرموز.
إنه يسعى إلى الحياة وإلى حرية الإنسان من خلال ثورته الفكرية البحثية في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير ، ليكون الشاعر والمسرحي والمفكر د .خزعل الماجدي من الاوائل الباحثين في هذه الحقول .
وهو يرى أن الظاهرة الدينية تثير، اليوم، أكبر الأسئلة وتغيّر أعرق المجتمعات ، ولذلك فنحن نحتاج إلى فهمها من خلال البحث العلمي والمعرفي لعلم الاديان، كما فعل الغرب عندما انتقل من عصره الوسيط الى الحديث بوجود مفكرين تنوريين لعبوا دوراً كبيراً في عملية التغيير والتطوير، وهذا ما يحتاجه مجتمعنا العربي.
هذا المجتمع الذي يفتقد إلى أبحاث في علم وتاريخ الحضارات والأديان باستثناء ما تم ترجمته ، وهنا سيكون للباحث الماجدي السبق في هذا العلم ولان العلم كما يقول:" وحده هو الذي يتقصّى حقيقة الاشياء والظواهر أما سواه فيتقصى تصورنا النفسي عنها والفرق بينهما كبير."
هو باحث علميّ وليس مصلحاً دينياً ، لان الغاية في البحث العلمي للاديان، كما يقول ، تصبّ في مجال الإصلاح الديني والحضاري والمجتمعي .
" في أقاصي الريح تتردد أغانيه القديمة
في شغاف عقله تنمو النجوم والأزهار
ويختمر الليل في صحنِهِ ... يختمرُ النهارُ في عينيهِ
هكذا يكون طوافه مثل الفصول
يشيل عن الارض طرف ثوب ويدور.. "
إنه الدكتور خزعل الماجدي الباحث في علم وتاريخ الحضارات الأديان والأساطير والشاعر والكاتب مسرحي. والذي أصدر في هذه الحقول مجتمعة مايقرب من 85 كتاباً. أكمل دراسته في بغداد وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم من معهد التاريخ العربي للدراسات العليا في بغداد 1996. والذي سوف نجري معه هذا الحوارعن مفهوم التصوف وإشكالاته، والذي تناوله من خلال بحوثه وكتبه في علم وتاريخ الأديان بشكلٍ خاص .
السؤال الاول ( نبيلة علي ) : هل يمكننا ان نعرف معكَ مدخلاً جديداً لتعريف التصوف وتاريخه المختصر عالمياً وعربياً ؟
خزعل الماجدي : التصوف هو المواجهة المباشرة بين الإنسان والله ، الإنسان بروحه التي هي قطرة من النور والله كبحر لاينتهي من النور ، فهو إزاحة للوسيط بينهما ، إزاحة للنبي والإمام والوليّ والقطب .. والمواجهة المباشرة التي تقتضي حواراً مباشراً مع الله ، ثم رؤية مباشرة وأخيراً التحاماً وذوبانا لروح الإنسان في بحر الله اللامتناهي .
أما تاريخ التصوف عالمياً ، فقد بدأ التصوف من الهندوسية في ماعرف بال( سادانا) التي تهدف الى التغلب على الجهل وتبغي معرفة الله عن كثب ، عن طريق تجاوز الجسد والإتصال به ، وكان هذا يتحقق عن طريق مجموعة من التقنيات الروحية منها ماعرف ب( موكشا ) و (يوغا ) و( تانترا) ثم ( سمران ) عند السيخ ، وقد رأت الهندوسية أن الله ( براهمان ) هو المطلق، وأن روح الإنسان هي ( أتمان ) التي هي جزء منه ، والموكشا واليوغا تقنيتان لربط البراهمان بالإتمان .
طورت البوذية طريقة التصوف للخروج من دورة الولادة والموت عن طريق النيرفانا ، إلى الخلاص الروحي . وكانت هناك بذور للتصوف في التاوية الصينية .
ارتبطت الصوفية المصرية القديمة بالمحافل الأوزيرية وبالتحوتية ، وارتبطت في فارس بالغنوصية الزرادشتية ، وفي اليونان بالغنوصيات الإغريقية القديمة مثل الإليوزيسية والأورفية والفيثاغورية.
في اليهودية كان هناك نوعان رئيسيان من التصوف هما : التصوف المرقابى والقبالا. المرقابي (المركبي : نسبة إلى المركبة النارية التي شاهدها حزقيال وهي تحمل كائنات سماوية ) يركز على الرؤى ، وخصوصاً رؤى سفر حزقيال. أما التصوف القبالي ( مأخوذ من الأمور القبلية أي الأولية ) فهي مجموعة من التعاليم الباطنية التي تهدف إلى شرح العلاقة الغامضة والأبدية بين مايعرف بالعبرية ب ( عين صوف ) أي (اللانهائي) والكائن المحدود المخلوق البشري . ولاحظي أن (عين صوف) اليهودية تحتوي على جذر كلمة الصوفية والمقصود بها هنا اللانهائي أي المطلق أو الله .. وربما كانت مصدر تسميته العربية الإسلامية .
في المسيحية مارس اللاهوت الأباتاتي ، ويسمى " اللاهوت السلبي" ، تأثيراً كبيرا على الرهبنة المسيحية التي كانت بذرة الصوفية المسيحية ، وكان للأرثودوكس تجربة مهمة في الثيوريا ( التجربة الحميمة ) والهسيشيا (السكون الداخلي) حين يقوم التأمل والصلاة الداخلية بإخراس العقل والتقدم نحو الله .
التصوف الإسلامي رغم أنه نشأ في بداياته الأولى نشأة فطرية بين الزهاد الأوائل لكنه تأثر بكل ماسبقه من أنواع التصوف في الحضارات السابقة ، ثم أصبح نمطاً فريداً في التصوف العالمي ، وتكونت خصوصيته وتبلورت، مابين القرنين الرابع والسابع الهجريين ، لكنه انحدر بقوة ، بعد ذلك ، وطغت عليه الدروشة والتصوف الشعبي الرث.
ولاشك أن تاريخ التصوف استمر في التاريخ الحديث والمعاصر بأشكال وأوصافٍ جديدة ، لامجال لذكرها ، وكل ما أريد قوله أن التصوف حركة دينية عالمية موجود في كل الأديان غايتها تخفيف الأديان من جوانبها الطقوسية والمفهومية التقليدية والمتزمتة والإتجاه نحو الله مباشرة والإلتحام به .