جدلياً، ألا يفضي التعليب الطائفي، والتعليب المذهبي، الى التأجيج الطائفي، والتأجيج المذهبي؟
هذا وقت للشفافية. الاسلام في مأزق المسلمين. دين سني ودين شيعي، نبي سني ونبي شيعي، قرآن سني وقرآن شيعي. من يقولون العكس اياهم الذين فرّقوا بين زي رجل الدين السني وزي رجل الدين الشيعي، بين لحية رجل الدين السني ولحية رجل الدين الشيعي، بين حجاب (ولباس) المرأة السنية وحجاب (ولباس) المرأة الشيعية...
الذين يقولون بوحدة المسلمين يختلفون، في القرن الحادي والعشرين، أي بعد نصف قرن من السير على سطح القمر، على موعد الآذان، وعلى بدء الصوم، وعلى عيد الفطر، وحتى على عيد الأضحى، ناهيك عن الاختلاف حول يوم ولادة الرسول العربي، كما لو أن الاحتفاء بالمناسبة يرتبط بساعة بيغ بن، لا بالظاهرة الفذة التي نقلتنا من ثقافة حمالة الحطب الى ثقافة الله.
ذلك الرجل الذي اطلق «الفيديو» ليس غريباً عن أي بيئة من البيئات التي تناست أن عبقرية النص في التفاعل مع ديناميكية الأزمنة، وفي الدخول الى عقل (وقلب) الآخر. لا أغيار (غواييم) في الاسلام، ولا تلمود في الاسلام. بصوت عال نقول، والدول الاسلامية في قاع القرن، نحن في زمن... التلمود الاسلامي!
الأخرون يصنعون ما بعد الزمن. المسلمون يقبعون ما قبل الزمن. لماذا هذا الاصرار على البقاء بين القبور ؟
الرجل البشع الذي أطلق الفيديو لم يهبط من كوكب آخر. كلنا تحت عباءة الكراهية. شيء من «داعش» يستوطن كل منا. الكلام، عبر مكبرات الصوت، عن التسامح والايثار، كلام لا يعلق حتى في آذان الدجاج.
ألسنا هكذا ؟ نقدّس أولياء أمرنا، لكأنهم أولياء الله. عند أي واقعة، الشرر يتطاير من عيوننا. نأخذ شكل السكاكين البشرية في منازلنا، وفي شوارعنا، وحتى في مساجدنا.
الثورة أن يغتسل الانسان بالانسان، أن نصغي الى الأنين، لا لصراخ ذلك النموذج من رجال الدين الذين يقطعون الطرقات، ويقطعون الرؤوس، من أجل اقامة دولة الاسلام. أي اسلام ذاك لتقوم... دولة الا سلام؟
ليل الاثنين كانت أسناننا على الأرض. أهل البيت أكثر تقاء، وأكثر شفافية، وأكثر رقياً، من أن تسيء اليهم لغة الادغال. كلنا، ايها السادة، والغون في لغة الأدغال...
امتناننا لتلك الوجوه النبيلة، من الجانبين، التي هبت لوأد الفتنة، بعيداً عن قهقهات أولياء الأمر. يفترض ألا تنام الفتنة، لكي تستيقظ عند كل صرخة. يفترض أن تموت، ثم تموت، ثم تموت.
ألم نر كيف تعمل التوتاليتاريات في ديار المسلمين على توظيــف النيران لأغراض قبلية أو لأغراض جيوسياسية ؟ في نهاية المطاف، فقاعات بشرية ما دون الأمم. ما دون القبائل.
الآن، نحن في منزلة بين المنزلتين. اللادولة واللاثورة. اذا زال الشخص زالت الطائفة. واذا زال ولي الأمر زالت الدولة. على أرض الثورة، شاهدنا من هم مع سعد الحريري ومن هم ضد سعد الحريري. يا لزمن صائب سلام، وعبدالله اليافي، ورشيد كرامي، وتقي الدين الصلح, وغيرهم وغيرهم!!
ثمة من أغلق، ويغلق الأبواب، ويغلق البيوت. لا نتحدث عن بيوتات القرون الوسطى. الطائفة لا تتسع الا لرجل واحد، أياً كان هذا الواحد، ولو بثقافة، ولو بكاريزما, تأبط شراً. لا دولة الا اذا كانت تضج، حتى الثمالة، برجال الدولة. هكذا نقل أندريه مالرو عن شارل ديغول، ولم يكن كأي رجل آخر...
الدولة في الدوامة. الثورة في الدوامة. باستطاعة عود ثقاب واحد، وقد رأينا ذلك بالعين المجردة، أن يحوّل الجمر الى رماد. ماذا بقي منا سوى الرماد؟