في المذكرات التي كتبها لينين عن الثورة وعن الدولة ، قادني نظري لبعض سطور كتبها أو كُتبت عنه ، في وعن أسباب سقوط الدول والحكومات قال : - حين يتغلب في المجتمع مجموعة التجار من أهل المخدرات والدعارة والفساد ، وحين يتحكم بالناس جوقة من المرتشين والمرابين ، فحتمية سقوط الدولة والمجتمع قائما بالفعل ..- ، نكتفي بهذا القدر من كلام ذلك المناضل التاريخي الفذ ، لنسلط الضوء على ما حدث قبل أيام حين أعلن الحشد الشعبي عن إسقاط أحد أوكار التآمر والفساد على الدولة والمجتمع .
كانت تلك العملية من الحشد ما يرفع لها القبعة والعقال والعمامة ، ولهذا باركناها وأيدناها وأيدنا الجهد وعنصر المفاجأة فيها ، خاصةً وإنها جاءت بعد فضيحة هروب المساجين من سجن القناة في بغداد ، وفي كلا الحالين مؤشر على أن التآمر على الدولة والمجتمع يأخذ أبعاداً خطيرة ويدخل في متاهات ، لا سامح الله إن قر لها قرار فقد تؤدي إلى إنهيار البلد بأكمله .
وكما قلنا : إن الخطوة كانت بالنسبة مباركة ومؤيدة وفي ذلك دافعا لنا للإيمان بأن خطوات في الطريق تتبعها إنشاء الله ، في تدعيم الأمن والحفاظ على ما تبقى من أسس الدولة والمجتمع ، وأملنا كبير كما هو رجائنا بأن يكون للمخلصين من بني الحشد دورا رئيسيا في إمساك الجانب الأمني والمخابراتي للمرحلة المقبلة ، فثمة رهان على تقطيع أواصر الدولة والمجتمع حسب ولاآءات وإنتماءات ، وقد خاب سعيهم في الأولى مع داعش وأخواتها وظني الغالب أن يخيب سعيهم هذه المرة كذلك ، ولكن كما كانت عملية إسقاط المفسدين مهمة وصالحة وباعثة على الفخر ، هناك ثمة أسئلة من هذا الطيف الشعبي الكبير قائلين : وهل ستتم محاكمة هؤلاء المجرمين وإنزال عليهم ما يستحقون من عقاب ؟ ، وهل سيتم ملاحقة مجرمين أخرين من نفس الفئة أو من نوعية أخرى ؟ ، وهل يمكننا مشاهدة جر مفسدين وغير صالحين للمحاكمة بسبب ما فعلوه وأقترفوه ؟ ، أعني هل هناك إرادة الشجعان في تبني خيار تنظيف الدولة وتطهيرها ؟ ، أم إن الأمر مجرد تبادل أدوار وحسابات وتنافس بين شركاء أختلفوا على النسب والربحية ؟ .
ومن وحي محبتنا لعراقنا وشعبنا نرجوا أن يتوالى إدارة الصراع شرفاء غير مدنسين ولا متخذين أخدان ، شرفاء من أبناء الوطن الكادح المجاهد البسيط ، وفي هذه المناسبة سوف أتذكر حكمة الإمام الخميني حين تسلم زمام الأمور ، فكان أول ما قام به تنظيف الدولة من أدوات العبث الداخلي من تجار مخدرات ودعارة مقنعة وغير مقنعة وإشاعة روح التمرد على الجهل والفساد ، جاعلا منها ثقافة وعلم وفن هذا لمن يعي إنه يريد السيطرة والدوام والإستمرار ، وليس لمن يفكر بالسرقة والنهب والتآمر ، ممن يلبسون ثوب الطهر وهم أفسد خلق الله ، وهم كثير في بلادي مع الأسف الشديد .
العملية الأمنية ضد تجار الفساد أحيت في نفسي روح الحياة وشعرت حينها ، إن الفساد بكل ما يمتلك هناك في الطرف المقابل رجال يريدون الحياة لشعبهم حياة حرة كريمة ، لهذا أيدنا من غير تردد هذه العملية ورجائنا أن تتلاحق لتصفية كل ما من شأنه تدمير الوطن والمجتمع ، فهذه الآفات أخطر بكثير من الإرهاب والحرب وكل أنواع المعانات ، هذه تتشارك بها كل الموبقات في العالم من أجل تحطيم الروح والمعنويات والأمل بالمستقبل .
إن معظم أطياف الشعب أظنها معي في هذا التوجه وهذه الرغبة إذ لا أحد يريد للعراق الهوان والضعة والفشل وتلاحق المحن ، لا أحد من شرفاء الوطن وهم كثير يريد للعراق الإندثار والمحو والتيه في ظل عالم تتحارب فيه الحيل ووسائل الشر المختلفة .
لقد سقط القناع عن الكثيرين ممن هم مرتبطين عن قرب وعن بعد مع هذه الشبكات المجرمة ، سقط القناع عن مسؤولين وعن متصدين من غير وجه حق ، سقط القناع عن المتاجرين بالقيم والشرف والدين والوطنية ، سقط القناع عن فئة المسبحين والناكثين والمارقين ، سقط القناع عن جوقة المزيفين والمرابين وأهل السوابق ، ممن دفتعهم نكبة العراقيين للتقدم في الصفوف الأولى ، سقط القناع عن أسماء وصفات وألوان ومسميات ودور ومساجد وحسينيات ومآذن ، وأنكشفت كل العورات من تلك التي قبحت وجه التاريخ إلى يومنا هذا ..