الوقتأقساماخبار العراقمختارات من الثقافة التنظيميةالدولة المدنية مفهوم ليبرالي
(0) مشروع - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي - لتأسيس الدولة العراقية(0) العقد الإجتماعي والميثاق الوطني !!(0) الليبرالية الديمقراطية ومفهوم الدولة ــــ راغب الركابي(0) دستور الجمهورية العراقية(0) كلمة في اليوم العالمي للمرأة ــــــ راغب الركابي(0) أزمة الخطاب الإسلامي السلفي الجديد (0) نساء من أجل الحياة ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية والحكومة القوية(0) ردٌ على صالح الفوزان ... مكفر الليبرالين ـــــ راغب الركابي(0) الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية ـــ الحلقة (5)(0) زمن التغيير ــــ راغب الركابي(0) بيان إعلان مبادئ صادرعن الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي (0) الليبرالية والنيوليبرالية في الواقع ـــــ راغب الركابي(0) الإنتقال إلى الدولة ــــــ راغب الركابي(0) احتلال الكويت(0) الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية (أ)(0) الشرف......راغب الركابي (0) من مقالات التفسير والفكرالقرآن بين التحريف والتصحيف : ـــــــــــ آية الله الشيخ إياد الركابي
موسى النبي والعبد الصالح ــــــــ آية الله إياد الركابي في ظلال آية المحارب ــــــ الحلقة الثانية في ظلال آية المُحارب ـــــــ الحلقة الأولى الذات الإلهيّة بين العلم والعبادة ـــــــ مادونا عسكر الحراك العراقي اللبناني ـــــــــــــ راغب الركابي ثمن الحرية ـــــــــــ راغب الركابي المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، الجوار الكنس ] – التكوير 15 ، 16 العلاقة بين الفكر والسلطة ـــــــــــ راغب الركابي رسالة ملك الفرس يزدجرد* الى عمر بن الخطاب صوت أبي العلاء الاشتراكي.... إبراهيم مشاره - الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل .. الروح مثالاً |
Sunday, February 4. 2018الإنسانية من الحرب إلى السلام ... مؤمن سلام
إنشغل الكثير من الفلاسفة منذ القدم بفكرة القضاء على الحرب بين الأمم ونشر السلام والتعايش بين مختلف العرقيات والديانات والطبقات والأيديولوجيات. ولطالما انحزت إلى اعتبار فكرة اختفاء الحرب من الأرض فكرة رومانسية حالمة يرددها الإنسانيون وأصحاب الفلسفات المثالية. فأنا ابن مدرسة الدكتور محمد طه بدوي السياسية بجامعة الإسكندرية التي كانت شديدة التأثر بالمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية.
والحرب في تعريفها بموسوعة ويكيبيديا “حالة صراع مسلح بين دول أو أمم، تتصف بشكل عام بالعدوان الشديد والدمار والوفيات باستخدام القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية”. ويعرفها الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه الشهير “عن الحرب” أو “في الحرب” (ON War) بأنها “عمل من أعمال القوة لإجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا” ص.103. ويقول أيضا “الحرب عمل بالغ الخطورة، والأخطاء التي تسببها الطيبة والسذاجة هى من أسوأ الأخطاء. لا يمكن مقارنة الاستخدام الأقصى للقوة مطلقا مع الاستخدام المتزامن للفكر. فان استخدام أحد الطرفين دون ندم، ودون أن يأبه لسفك الدماء الذي سينجم عن ذلك، في الوقت الذي يحجم فيه الطرف الأخر عن فعل ذلك، فستكون اليد العليا للأول الذي سينجح باجبار الطرف الأخر على أن يحذو حذوه.” ص.104. ويقول في ص.106 “الحرب عمل من أعمال العنف”. ويصف الحرب في ص. 107 بأنها “اصطدام قوتين حيتين”، فهى بين طرفين يمتلكان القوة العسكرية اللازمة للقيام بهذا الصدام. ويلخص كلاوزفيتز خصائص الحرب في ثلاث خصائص: 1- ليست عملا منعزلا 2- لا تتكون من ضربة قصيرة ومنفردة 3- نتائج الحرب ليست نتائج نهائية والهدف من الحرب هو هدف سياسي فيقول كلاوزفيتز في ص 112 “يحدد الهدف السياسي – والذي يعد الباعث الأول والأساسي لاندلاع الحرب – كلاً من الهدف العسكري الواجب تحقيقه، والحجم المطلوب للجهد في ذلك.” فالحرب إذا ترتبط بالقتل وسفك الدماء والدمار، باستخدام القوات المسلحة وكافة الأسلحة القادرة على القتل والتدمير سواء بشكل جزئي باستخدام الأسلحة التقليدية مثل الدبابات والطائرات والصواريخ والمدافع، أو أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية. ولذلك، لا يندرج تحت مسمى الحرب الأشكال الأخرى من الصراعات الاقتصادية أو العلمية أو الثقافية أو الإعلامية وإن أطلق عليها البعض لقب حرب، سواء “حرب اقتصادية” أو “حرب ثقافية” أو “حرب كلامية”، فالحرب هى استخدام القوة المسلحة لإخضاع الأخر لإرادتنا. أما ما يحدث بين الأمم في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والاعلامية فهى تنافس أو صراع على أقصى تقدير الغرض منه ليس اخضاع الأخر لارداتنا ولكن تحقيق تفوق أو ربح في المجال الذي يدور حوله التنافس أو الصراع. لذلك، قد تتنافس أو تتصارع دولتين اقتصاديا، إلا أنهما يظلا حلفاء عسكريا وسياسيا ويحملان نفس الثقافة، وهو ما يمكن متابعته في الصراعات الاقتصادية الأمريكية – الأوروبية، والأمريكية – اليابانية. أما السلام فهو في أحد تعريفاته غياب الحرب أو التوقف عن الأعمال العدائية بين الأمم وهو ما يُعرف بالسلام “السلبي”، وهو في الحقيقة سلام غير مستقر، إذ أن الحرب أو الأعمال العدائية قد تندلع بين الطرفين في أى لحظة ولأى سبب، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى فقد تم توقيع معاهدة فرساى عام 1919 التى انهت الحرب رسميا بعد 6 أشهر من مؤتمر باريس للسلام، إلا أن الأمر لم يتطلب سوا 20 سنة لتندلع الحرب العالمية الثانية عام 1939. أما “السلام الإيجابي” فهو يتعدى مرحلة وقف الحروب والأعمال العدائية إلى مجال أكثر رحابة وهو التعايش والتعاون والمصالحة ونسيان عداوات الماضي وهو ما شهدناه في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة بين ألمانيا وفرنسا اللتين كونا معا قاطرة الاتحاد الأوروبي بعد أن نسيا عداوات ودماء وكراهية الماضي القريب، وذلك على عكس ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى. كما تكرر هذا النموذج من السلام القائم على التعايش وقبول الأخر في حالة الولايات المتحدة واليابان، فبالرغم من قيام الولايات المتحدة بضرب هيروشيما وناجازكي بقنبلتين ذريتين، واحتلالها لليابان لمدة 7 سنوات من 1945 وحتى 1952، إلا أن الأمتين إستطاعتا تجاوز الكراهية والدماء والدخول في شراكة اقتصادية جعلت اليابان الاقتصاد الرابع في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وإذا قارنا مساحة اليابان الجغرافية وعدد سكانها، بمساحة وعدد سكان من يسبقوها نستطيع أن نرى أى معجزة حققت اليابان بفضل خروجها من مستنقع الكراهية وتخلصها من مشاعر الثأر المدمرة. كذلك، نستطيع الحديث عن نوع ثالث من السلام، ظهر حديثا ربما مع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، هو “السلام البارد” وهو وفقا لموسوعة ويكيبيديا “حالة سلام نسبي بين دولتين تتسم بانفاذ معاهدة سلام تنهى حالة الحرب بينهما، بينما تستمر الدولة أو السكان، لأحد طرفى المعاهدة على الأقل، في التعامل مع المعاهدة باحتقار صارخ”. ويصف الباحثان أوفير وينتر ومؤمن سلام السلام البارد بأنه “يقتصر على العلاقات الدبلوماسية بين الحكومات فحسب، بحيث لا يتسع ليشمل علاقات طيبة أو طبيعية بين الشعبين على العديد من المستويات.” وينقلان عن يوهان جالتنج في وصف السلام البارد “يقتصر على توفير ما هو أكثر من “سلام سلبي” أشبة بالهدنة من جهة وما هو أقل من “سلام إيجابي” يتضمن في معناه الواسع المصالحة، والقبول المشترك، والتعاون البناء بين الدولتين والشعبين.“، وأول من وصف السلام بين مصر وإسرائيل بالسلام البارد هو “بطرس بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية المصري، لوصف العلاقات المحدودة، والمتحفظة، والعدائية في هذا الوقت بين الدولتين.“ وبهذا فالسلام المستقر الدائم هو السلام الإيجابي القائم على قيم التعددية والتعايش وقبول الأخر والرغبة في العيش المشترك والمصالحة والعدالة، وهو سلام يقوم بين الشعوب في المقام الأول وليس بين الحكومات. ولكن هل عندما تتخلص الشعوب من مشاعر الكراهية والرفض للأخر المتولدة عن الأفكار الدينية والقومية المتطرفة ومع تحقق العدالة الاجتماعية بين الأمم والشعوب، هل يمكن أن تنتهى الحروب ويعم السلام العالم؟ أم أن الحروب هى مكون أصيل من مكونات العلاقات بين الأمم والدول ناتجة عن طبيعة الإنسان الأنانية وطبيعة البيئة الدولية الفوضوية؟ هناك مدرستان تجيبيان على هذا السؤال بإجابتان متناقضتان هما المدرسة الواقعية والمدرسة الليبرالية. النظرية الواقعية في العلاقات الدولية أو صراعات القوى من أجل المصالح هى مدرسة كما يقول عنها جاك دونللي في كتاب نظريات العلاقات الدولية في ص51 “إن الواقعية السياسية أو سياسة القوة هى أقدم نظرية في العلاقات الدولية وأكثرها استخداما”. ويقول في ص.52 “يؤكد الواقعيون على القيود التى تفرضها الأنانية الإنسانية على السياسة وغياب الحكومة العالمية (الفوضى)، وهو ما يتطلب أولوية القوة والأمن في كل الحياة السياسية”. وترتبط هذه المدرسة بالفلسفات التى ترى أن الانسان شرير بطبعة ولذلك يري البعض أن مكيافيللي وهوبز من الواقعيين في تاريخ الفكر السياسي. فينقل جاك دونللي في ص.53 عن مكيافيللى “يجب أن تتصرف في السياسة كما لو كان كل الناس أشرارا وأنهم سوف يقومون بتصريف الخبث الموجود في عقولهم عندما تسنح الفرصة”. وينقل عن هوبز في ص. 56 “فأثناء الوقت الذي يعيش فية الرجال بدون سلطة عامة ترهبهم، فإنهم في تلك الحالة التى يطلق عليها الحرب، وتلك هى حرب كل رجل ضد كل رجل”. فهى مدرسة تقوم على أن الأصل في العلاقات بين الدول هو الصراع والحرب كأحد أشكال الصراع الأكثر عنفا “في النهاية الصراع والحرب متجذران في الطبيعة البشرية” ص.54. ويرجع ذلك إلى طبيعة الإنسان الأنانية وطبيعة العلاقات الدولية الفوضوية. فأنانية الانسان تدفعه للصراع مع الأخريين إما للحصول على ما في أيديهم من ثروات يرى أنه أحق بها أو أن الحصول عليها يحقق له مصلحة ما. وإذا كانت البيئة الداخلية أو داخل المجتمع تتسم بالتنظيم والهيراركية ووجود سلطة تستطيع التحكم في هذه الأنانية وقانون يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع، فإن البيئة الدولية تتسم بغياب التنظيم والقانون، ما يجعل القوة هى أساس العلاقات بين الدول. وعلى ذلك يرى الواقعيون أن لا مكان للأخلاق في السياسة الخارجية للدولة، وأن أى حديث عن قيم أخلاقية هو مجرد “غطاء قيمي” لسلوك الدولة لتحقيق هدفها الحقيقي وهو تحقيق مصالحها. فينقل دونللى عن هانز مورجانثو أحد أقطاب الواقعية في ص.81 “لا تحدد المبادئ الأخلاقية والالتزامات القانونية تصرفات الدول، وإنما اعتبارات المصلحة والسلطة”. وينقل أيضا عن أرل وشولتز “وليست الدول في سعة لأن تكون أخلاقية في حالة الفوضى. إذ تقوم إمكانية السلوك الأخلاقي على وجود حكومة فاعلة تستطيع ردع ومعاقبة الأعمال غير القانونية.” إلا أن وفقا للمنظريين الواقعيين قدرة الدولة، وإن كانت دولة عظمى، على استخدام القوة وانتهاك المعايير الأخلاقية والقانونية لتحقيق مصالحها ليست مطلقة. فينقل جاك دونللي في ص.78 “ومن غير الصحيح ببساطة، أن الأقوياء يفعلون ما يستطيعونه، والضعفاء يعانون ما يتحتم عليهم معاناته. إذ عادة ما يتقيد الأقوياء بحقوق الدول الضعيفة لكنهم قد يخرقون بالطبع قواعد السيادة.” ويذكر أيضا “تأمل أيضا مبدأ تقرير المصير الذي لعب دورا مركزيا في خلق عشرات من الدول الجديدة والضعيفة عادة، فمعظم الدول ما بعد الكولونيالية قد نجت ليس بفضل قوتها أو قوة حلفائها، ولكن بسبب الاعتراف الدولي.” وبهذا تري المدرسة الواقعية أنه لا يمكن إنهاء الحروب بسبب الطبيعة البشرية الشريرة والأنانية والطبيعة الفوضوية للبيئة الدولية التي لا تمتلك السلطة لكبح جماح الشر الانساني. إلا أن الملاحظ أن هذه المدرسة تعترف بنهاية “الحروب الهجومية” منذ منتصف القرن العشرين كما ذكر جاك دونللي في ص. 78 من كتاب نظريات العلاقات الدولية. أى أن الحروب التي عرفها العالم على مر العصور تحت مسميات الفتح والاستعمار وكانت تهدف للسيطرة على أراضي جديدة والحصول على ثرواتها قد انتهت ولم يتبقى إلا الحروب الدفاعية. ولذلك تسعى الدول التي ترغب في مهاجمة دولة أخرى إلى خلق الذرائع وتقديم التبريرات للقيام بالغزو، ليظهر الهجوم في صورة الدفاع عن النفس، فالولايات المتحدة احتاجت لمبرر محاربة الارهاب لغزو أفغانستان بعد هجوم 11 سبتمبر 2001، ومبرر تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية لغزو العراق عام 2003، والسعودية احتاجت لمبرر حماية الشرعية لمهاجمة اليمن عام 2015، وروسيا احتاجت لمبرر حماية القرم الروسية لمهاجمة أوكرانيا عام 2014، فلم يعد من الممكن لدولة أن تقوم بغزو دولة أخرى وأحتلالها هكذا دون أى مبرر حتى لو كان كاذبا. كما يعترف أتباع هذه المدرسة أن المؤسسات الدولية والقيم الأخلاقية ليست بلا قيمة تماما، ولكن يؤديان دورا في منع الحروب. ففي ص 77 من كتاب نظريات العلاقات الدولية يقول جاك دونللي “التأثير الفعلي للمعايير والمؤسسات الدولية ليس أمرا نظريا وإنما إمبريقي (تجريبي).” ويقول في ص82 “فيستطيع الرأى العام، الداخلي والدولي كلاهما، أن يمثل قوة هائلة، مثل إقناع الأصدقاء والحلفاء والأطراف المعنية. وفي بعض الحالات، قد تبرز قوة وسلطة المؤسسات الدولية، وبوجه عام لا ينتهك القانون الدولي، الذي يحتوى على بعض الالتزامات، وهى التزامات أخلاقية أيضا، بأكثر مما ينتهك القانون الداخلي.” ويضيف “ومع ذلك تقوم الدول أحياناً بالالتزام بالمعايير الأخلاقية باعتبارها غاية في ذاتها.” ولعل ما يؤكد على أن يد الدول ليست مطلقة في استخدام القوة ضد الأخرين وأن هناك معايير دولية سواء قانونية أو أخلاقية لا يمكن الخروج عليها، هى حالة الصراع التركي – الكردي، والصراع الإسرائيلي– الفلسطيني. فبالرغم من أن تركيا وإسرائيل تتمتعان بتفوق عسكري كبير على كردستان وفلسطين، كما أن لدى تركيا وإسرائيل شبكة علاقات وتحالفات دولية كبيرة بينما لاتجد كردستان وفلسطين أى دعم من أى دولة في العالم باستثناء الدعم الكلامي، إلا أن السياسيين في تركيا وإسرائيل لا يستطيعان التمادي في صراعهما مع الأكراد والفلسطنيين إلى حد إبادة الشعبيين على سبيل المثال، أو القيام بعملية تطهير عرقي واسعة بطرد الأكراد إلى العراق وسوريا، والفلسطينيين إلى الأردن ومصر، وتصفية الصراع تماما، ولا أجد ما يمنع ذلك سوى وجود قواعد قانونية وأخلاقية تحول دون القيام بذلك. كذلك لقد اختلفت تقاليد الحرب كثيرا عن السابق، فبالرغم من ارتفاع عدد ضحايا الحروب من القتلى والجرحى بشكل كبير نتيجة التطور التكنولوجي الكبير في أنظمة التسليح، إلا أن الكثير من الممارسات اللاإنسانية قد اختفت من الحروب. فأسرى الحرب أصبحت لهم حقوق محمية باتفاقية جنيف لحماية أسرى الحرب الموقعة في أغسطس 1949، فلم يعد أسير الحرب بلا حقوق يُجبر على العمل بلا مقابل أو يتحول إلى عبد يُباع ويُشترى، كما أن الدول المنتصرة في الحروب لم تعد مطلقة اليد في التعامل مع الشعوب المهزومة التي أصبحت محمية بالقانون الدولي الإنساني، فلم يعد من المتاح للجيوش المنتصرة، على سبيل المثال، أن تستبيح المدن ثلاث أيام فينطلق الجنود في السلب والنهب والقتل والاغتصاب، فهذه الجيوش أصبحت محكومة بالميثاق العالمي لحقوق الانسان وقد تُعرض الانتهاكات صاحبها للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وهكذا يرى أصحاب النظرية الواقعية أن الحرب هي الأصل وأن السلام هو الاستثناء بسبب أنانية الانسان وفوضوية النظام الدولي. نظرية العلاقات الدولية الليبرالية أو السلام الديمقراطي يمكن اعتبار النظرية الليبرالية من النظريات المنشأة التي لا تكتفي بالتفسير والعمل على فهم واقع العلاقات الدولية فحسب ولكنها تعمل أيضا على تشكيل واقع دولي جديد أكثر سلماً وأقل حرباً. فالنظرية الليبرالية كما أنها تنطلق من منظور يحمل القيم الليبرالية مثل العقلانية والفردانية والمبادئ الدستوريه والديمقراطية والقيود على سلطة الدولة، فإنها ترى أيضا أن هذه القيم إذا انتشرت داخل الدول فستصبح قادرة على إنشاء وضع دولي جديد يسوده السلام، كما أن رأسمالية السوق تشجع على رفاهية الجميع من خلال توزيع أكفئ للموارد النادرة. وهو ما يُعبر عنه بمقولة “الديمقراطيات لا تتحارب” ومصطلح “السلام الديمقراطي”. أي أن عن طريق الديمقراطية والتجارة الحرة يمكن تحقيق السلام العالمي والقضاء على الحروب. الديمقراطية فوفقاً للنظرية الليبرالية، يتميز قرار الحرب في الديمقراطيات بالصعوبة الشديدة حيث ينبغى أن يمر بعدة مراحل عبر مؤسسات الدولة وينبغى كذلك أن يحظى بقبول الرأي العام ودعم المواطنين، وذلك على عكس الوضع في الديكتاتوريات حيث يخضع قرار الحرب لرغبة ومصالح الطاغية ومن يحيطون به، ولذلك قد تذهب الدولة الديكتاتورية إلى الحرب لأي سبب غير موضوعي وفي كثير من الأحيان تكون الحرب لمعالجة أزمة الشرعية التي يعاني منها نظام الحكم. فالنظرية الليبرالية تنطلق من الداخل إلى الخارج أي أن تغيير الواقع الدولي ينبغي أن يبدأ من تغيير نظم الحكم الداخلية لتكون أكثر ديمقراطية وليبرالية. فتحقيق السلام ليس شيء مستحيل، بل أن السلام هو أساس العلاقات دولية وذلك على عكس النظرية الواقعية التي ترى في السلام وضع استثنائي بين الحروب. كذلك وفقاً لهذه النظرية يؤدي انتشار قيم الليبرالية إلى نفور عام من الحرب، فمع تغير الثقافة وانتشار ثقافة التسامح وقبول الأخر والتعايش وحقوق الإنسان يصبح هناك رفض شعبي للحرب باعتبارها لا أخلاقية وسلوك همجي، كما حدث من تغير في القيم العالمية أدى في النهاية إلى رفض العبودية ومن ثم إلغاءها. فيمكن القضاء على ظاهرة الحرب كما تم القضاء على ظاهرة العبودية. التجارة الحرة وفقاً لأصحاب هذه النظرية أيضا فان روح التجارة الحرة وروح الحرب لا يتفقان. فحركة التجارة تقتضي وجود طرق آمنة تنتقل عبرها هذه التجارة. كما أن التجارة الحرة تعمل على توسيع الاتصالات وترفع مستوى التفاهم بين شعوب العالم وتشجع الصداقة والتفاهم الدولي. كما أن التجارة الحرة التي تقوم على التخصص وفقا لمفهوم الميزة النسبية، حيث تتخصص كل دولة في إنتاج وتصدير السلع والخدمات التي تتمتع فيها بميزة نسبية مقارنة بالدول الأخرى وتقوم باستيراد السلع والخدمات التي لا تتمتع فيها بالميزة النسبية، يؤدي إلى خلق نوع من الاعتماد المتبادل بين الدول وتشابك المصالح يجعل من تكلفة الحرب الاقتصادية شديدة الارتفاع مما يكبح جماح الدول عن خوض الحروب ويجعلها أكثر رغبة في الحوار وحل المشكلات بالطرق الدبلوماسية والتفاهم المشترك للوصول لحلول يربح فيها جميع الأطراف. فالنظرية الليبرالية ببساطة تسعى لتأسيس علاقات دولية بين الدول تقوم على السلام العالمي وليس الحرب، وذلك عن طريق نشر الديمقراطية وقيم الليبرالية في الداخل والتوسع في التجارة الحرة بين الدول في الخارج، فتعمل قيم الليبرالية والسوق الحر على زيادة التفاهم والتواصل بين شعوب العالم ما يحقق السلام والأمن والمنفعة للجميع. هل يمكن تغيير طبيعة الإنسان الشريرة؟ لن ندخل في الجدل الفلسفي حول طبيعة الإنسان وما إذا كان خير أم شرير بطبعه. ولكن دعونا نفترض أن الإنسان بالفعل شرير وأناني بطبعه وهو ما يخلق الصراعات التي تؤدي في النهاية إلى الحرب وفقا للنظرية الواقعية، فهذه الطبيعة البشرية لابد أن تأتي من أحد مصدرين، إما الصفات الوراثية التي يتوارثها الإنسان جيل بعد جيل، أو من خلال البيئة التي ينشأ فيها والثقافة التى تتحكم في سلوكة. من ناحية الصفات الوراثية فلا يوجد ما يؤكد على تأثير جينات الانسان أو شفرته الوراثية على سلوكه خيرا أو شرا، فأغلب أبحاث علماء الوراثة تذهب إلى غياب هذا التأثير، وحتى في حالة وجوده فهو وجود ضعيف ويمكن تعديلة من خلال التربية والظروف البيئية المحيطة. فيقول شيلدون كريمسكي في كتاب تفسيرات وراثية ص. 23 “لكن الخيارات السياسية ليست لها أسس بديهية في السببية الوراثية” ويقول في ص. 24 “إن التفسير الوراثي للسلوك الاجتماعي يشير ضمنيا إلى أن جينا يظل كيانا واحدا ثابتا ومحافظا عليه عبر الأجيال. غير أن هذه الفكرة بقية متبقية من وجهات نظر قديمة وقد طرحت جانبا في مجال علم الوراثة الجزيئي”. ويتحدث عن كتاب روث هبارد في ص. 25 “أما كتابها الصادر في العام 1993 بعنوان تفجير أسطورة الجين Exploding the Gene Myth، شاركت في تاليفه مع إيلايجا والد Elijah Wald، فقد منح العلماء وغير العلماء إطارا لوضع الجينات والحمض النووي في سياقها الصحيح مع خلع الجينات من فوق عرش الجزيء الرئيس أو الكأس المقدسة لعلم الأحياء. سلط كتاب تفجير أسطورة الجين أيضا الانتباه على مغالطات الورثنة geneticization وهى العملية التي تختزل من خلالها الفروق الفردية في الصحة والسلوك والمعرفة إلى مجرد شفرة وراثية.” وتقول ماى وان هو في نفس الكتاب ص. 361 و362 “كان الناس يناقشون ما إذا كانت تركيبتنا الجينية أو البيئية هى التى تحدد من نحن – تخبرنا نتائج بحثية جديدة – حول كيف أن للرعاية الأمومية تأثيرا دائما في سلوك الأولاد يستمر لأجيال – أن هذا بالتأكيد ليس السؤال الصحيح الذي يتعين أن نطرحه. إن التفاعل فوق الجيني بين الجينات والبيئة يعيد وضع الكرة في ملعبنا. والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو ربما هذا: كيف يمكن أن نعطي الجميع فرصة أفضل في الحياة.” وتقول في ص. 363 “في البشر، ترتبط الشدائد البيئية التى تحدث في وقت مبكر من الحياة بزيادة خطر كل من الاضطرابات الجسدية والنفسية في مرحلة البلوغ. وقد أثبتت التجربة أن إساءة المعاملة في الطفولة والإهمال يؤديان إلى زيادة معدلات الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك القابلين لتعاطي المخدرات والإكتئاب والفصام والاضطرابات المتعلقة بالقلق. وهناك أدلة قوية على أن عدم توافر الرعاية الأبوية/الأمومية، أو إساءة المعاملة في الطفولة، يمكن أن يسهم في السلوك الإجرامي لاحقا. وأظهرت دراسة مولها المعهد الوطني الأمريكي للعدل U.S. National Institute of Justice، أن الطفل الذي يعاني الإهمال أو تعرض للإعتداء الجسدي أكثر عرضة للاعتقال كحدث بنسبة 53%، وأكثر كبالغ بنسبة 38%، مقارنة بالأطفال الذين لم يتعرضوا للإهمال أو سوء المعاملة. وجدت دراسة أخرى أن 68.4% من السجناء الذكور من مؤسسة إصلاحية في ولاية نيويورك ذكروا تعرضهم إلى إساءة المعاملة في الطفولة أو الإهمال: 71.2% من مرتكبي جرائم العنف و 61.8% من مرتكبي الجرائم غير العنيفة. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 70% من الآباء والأمهات سيئ المعاملة هم أنفسهم تعرضوا لسوء المعاملة. وأن 20 إلى 30% من الرضع المعنفين من المحتمل أن يُسيئوا لمعاملة. وقد تكرر الحصول على مثل النتائج البشر هذه في تجارب على الرئيسيات. ومن الواضح أن البيئة تؤدي دورا كبيرا، لكنها لا تُحدد قطعيا ما إذا كان الأطفال سوف يكبرون ليكونوا مجرمين، بالدرجة نفسها من أن تركيبها الوراثي لا يحدد قطعيا ما سوف يصبحون عليه. والأهم من ذلك، أن تغيير البيئة يمكن في كثير من الأحيان أن يعكس الضرر الذي شهده الأفراد أو آباؤهم/أمهاتهم في وقت مبكر من الحياة.” وبهذا لا نستطيع القول أن شر الانسان وخيره نتيجة عوامل وراثية لا يمكن التحكم فيها، فالانسان هو بشكل كبير نتاج البيئة التي ينشأ فيها وما تزرعة فيه من ثقافة تنعكس على سلوكياته وقراراته وخيارته. أى أن شر الانسان يمكن السيطرة عليه ويمكن تحجيمه لكى يصل إلى أقل حد ممكن. فشر الانسان وعنفه ليس حتمية ملزمة. وقد أشار الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل في كتابه السلطة والفرد، إلى أسباب نفسية تدفع الانسان إلي العنف وركوب المخاطر بحثا عن الريادة والمجد وهو ما يحقق له متعه تفقد الحياة معناها إذا اختفت، إلا أنه يرى أنه يمكن منح مثل هؤلاء ما يحتاجونة من ريادة ومجد وشهرة من خلال أنشطة أكثر سلما وأقل عنفا ولا تؤدي إلى إراقة الدماء. يقول برتراند راسل في ص.23 “وقد وصف علماء الانسان كيف أن صيادي الرؤوس البابيين (سكان بابوا وهو اقليم في جنوب شرق غينيا الجديدة بالمحيط الهادئ) – عندما حرمتهم السلطات البيضاء من رياضتهم المعتادة (صيد الرؤوس) – فقدوا كل الحماس. ولم تعد لهم أية قدرة على الاهتمام بشيء. ولا أرغب أن أوحى بأنه كان يجب تركهم يذهبون لصيد الرؤوس، ولكنى أقصد، أنه كان يمكن أن يكون مجديا، أن يحاول علماء النفس أن يوجدوا لهم نشاطا بريئا كبديل.” ويقول أيضا في نفس الصفحة وصفحة 24 “ويجب على كل من يؤمل في في إمكانية الغاء الحرب قي وقت ما، أن يفكر جديا في مشكلة اشباع الغرائز، التي نرثها من أجيال بعيدة من الهمج. وبالنسبة لي شخصيا، فاني أجد في القصص البوليسية تنفيسا كافيا – ففيها أرى نفسي تارة في شخص القاتل، وتارة في شخص الشرطي الصائد، الذي يسعى للقبض عليه – ولكنى أعلم أن هناك أولئك الذين يجدون هذا التنفيس البديلي أبسط من اللازم. ويحتاجون لتزويدهم بما هو أقوى منه.” ويقول أيضا “وكان التنافس البدائي صراعا على من الذي يستطيع اغتيال الرجل الأخر وزوجته وأطفاله – والتنافس الحديث في هيئة الحرب يتخذ نفس الشكل. ولكن في الرياضة، وفي التنافس الأدبي والفني، وفي السياسة الدستورية، يتخذ التنافس أشكالا أقل ضررا، ولكنها مع ذلك تقدم تنفيسا مناسبا إلى حد ما، لغرائزنا العدوانية.” ويقول في ص. 27 “وإذا تعين علينا أن نمنع هذا (السلوك الهمجي)، فلابد أن يجد العنصر الهمجي في كل منا منفذا متوافقا مع الحياة الحضرية، ومع سعادة جارة الهمجي بنفس القدر.” وبهذا نخلص إلى أن الإنسان وإن حمل في داخلة الشر فإن هذا ليس قدر محتوم يقود البشرية نحو الحرب والقتال، ولكن هذا الشر يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه والقضاء علية من خلال تفريغ هذه الطاقة العنيفة والمغامرة والمحبة للتنافس في صور أخرى يحقق بها الإنسان الطموح والمجد والشهرة والثروة، من خلال المنافسات الرياضية والفنية والأدبية والسياسية والعلمية والنشاط الاقتصادي الحر. هذا بالإضافة إلى التغيير الثقافي والفكري الذي يؤسس لقيم الحرية وقبول الأخر والعيش المشترك والسلام وحقوق الانسان وسيادة القانون والعدالة والعلمانية، أو قيم الديمقراطية. الديمقراطية والسلام عندما تُذكر الديمقراطية يذهب الكثيرون بخيالهم إلى صناديق الاقتراع والتصويت، إلا أن الأمر خلاف ذلك تماما. فكما يقول آلان تورين في كتابه ما الديمقراطية ص. 17 “استمد الفكر الديمقراطي الحياة من كافة الذين طالبوا بحقهم الأساسي في العيش أحرارا” فالحرية هى جوهر الديمقراطية. ويقول عن التعددية والعلمانية في نفس الصفحة وصفحة 18 “فلم يعد بوسعنا تصور ديمقراطية ليست تعددية وعلمانية أيضا، بالمعنى الشامل للمصطلح. وإذا أقر مجتمع ما في أنظمته بمفهوم عن الخير، تجلت الخشية من أن يفرض معتقدات أو قيماً على سكان في غاية التنوع. وكما أن المدرسة العامة تفصل بين ما يتعلق بنظامها التعليمي وبين ما هو عائد لخيار الأسر والأفراد، كذلك الحكومة لا يسعها أن تفرض مفهوما عن الخير أو الشر، وعليها أن تتأكد قبل كل شيء من أن كل واحد يستطيع الإعراب عن مطالبه وآرائة وأن يكون حراً وآمناً، على نحو يجعل القرارات التي يتخذها ممثلو الشعب تضع في الحسبان، وإلى أكبر حد ممكن، الآراء المعلنة والمصالح المدافع عنها. أما عن فكرة دين للدولة على وجه الخصوص، فهى على تناقض مع الديمقراطية، إذا كانت تعني فرض قواعد ذات طبيعة أخلاقية أو فكرية من قبل الدولة. إن حرية الرأى والاجتماع والتنظيم أساسية بالنسبة للديمقراطية لأنها لا تستتبع أى حكم من الدولة على المعتقدات الأخلاقية أو الدينية.” ويقول في صفحة 21 “ويصبح الشأن الأكبر للديمقراطية في أن تحمي التنوع وتنتجه داخل ثقافة جماهيرية.” ويصف النظام الديمقراطي في ص. 24 بأنه “شكل الحياة السياسية الذي يعطي أكبر حرية للعدد الأكبر، فيحمي اكبر تنوع ممكن ويعترف به.” ويقول كذلك “الديمقراطية لا تعرّف بالمساهمة ولا بالاتفاق وإنما باحترام الحريات والتعددية.” أما صامويل هانتجتون في كتابة الموجة الثالثة، فيقدم تعريفا إجرائيا يؤكد أيضا على قيم الديمقراطية بالإضافة إلى آلايتها وهو تعريف يقوم على 4 إجراءات يجب القيام بها لتوصيف نظام سياسي ما بأنه ديمقراطي. وهذه الإجراءات هى:- 1-اختيار القادة من خلال انتخابات تنافسية وعادلة ونزيهة ودورية يشترك فيها كل بالغ من أبناء الشعب. 2- أن يمارس القادة المنتخبون سلطة حقيقية ولا يكونوا مجرد ساتر لأفراد أخرين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو رجال دين 3- أن لا يمارس هؤلاء سلطة مطلقة تقصى الجماعات الأخرى في المجتمع وتقمع الحريات الشخصية والعامة. 4- المؤسساتية أى أن يقوم نظام الحكم على مؤسسات قوية ومستقرة. ويلاحظ أن تنفيذ هذه الخطوات خاصة الإجراء الثالث يقتضي احترام الحريات والتعددية وتحقيق العدالة وسيادة القانون. وبهذا فعند الحديث عن السلام الديمقراطي أو أن الديمقراطيات لا تتحارب فنحن لا نتحدث عن آليات الديمقراطية فقط ولكن أيضا عن قيمها التي لا يمكن أن تعيش بدونها. وإذا كانت هذه القيم هى ما تحقق الرغبة في العيش المشترك داخل الدولة الواحدة، فإن مع انتشار هذه القيم على مستوى عالمي كفيل أيضا بتحجيم فكرة الحرب واعتبارها ضد الإنسانية وتجريمها تماما مثل التجارة في البشر أو استغلال الأطفال. هذا بالإضافة إلى التجارة الدولية وتبادل المصالح بين الدول ما يجعل من الحرب ظاهرة غير مرغوب فيها وتزيد من تكلفتها التي قد تكون فوق طاقة أى دولة مهما كانت غنية. إلا أن هذه القيم قد تصبح مهددة وغير مؤثرة في منع الحروب إن لم يصاحبها إجراءات لتحقيق العدالة. فالعدالة القانونية والاجتماعية لا تحقق الرغبة في العيش المشترك داخل كل أمة فقط ولكن بين الأمم أيضا، فشعور أمة ما أنها تتعرض للظلم أو السرقة من أمة أخرى قد يدفعها إلى الحرب حتى لو كان في هذه الحرب دمارها أو هزيمتها. العدالة السياسية والسلام وتتمثل في حصول كل أمة على حق تقرير المصير، أى حقها في تقرير سيادتها ووضعها في السياسة الدولية دون تدخل. فلا يمكن إجبار شعب أو أمة على العيش تحت سيادة شعب أو أمة أخرى دون رغبتها، وإكراه مجموعات إنسانية على الاندماج والانصهار في بوتقه واحدة مع مجموعات أخرى تختلف معها في الثقافة والتاريخ والدين والعرق، فالرغبة الحرة في العيش المشترك هى التي يجب أن تكون أساس أى اتحاد أو دولة أو أمة. فعندما لا تحصل الأمة الكردية، على سبيل المثال، على حقها في تقرير مصيرها، وعندما يتم معاملة الأكراد في الدول التي يقعون تحت سيادتها باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، فلا هم قادرين على تقرير مصيرهم باعلان استقلالهم وتكوين دولتهم ولا هم يحصلون على حقوقهم كمواطنين كاملي المواطنة على قدم المساواة مع الأتراك والفرس والعرب، لن يصبح أمامهم الا الدخول في صراع مع الدول التى تفرض سيادتها عليهم وفي نفس الوقت تحرمهم من حقوق المواطنة وهذا الصراع قد يأخذ شكل الحرب سواء كانت حرب نظامية أو حرب عصابات. وكذلك الأمر بالنسبة للفلسطينيين فكلما تأخر قيام الدولة الفلسطينية كلما زادت قوة المناهضين للسلام والتعايش وزاد الميل نحو العنف والحرب. العدالة الاجتماعية والسلام كان الاقتصاد علي مر العصور هو السبب الرئيسي في الحروب. فقد كان هناك دائما قبيلة أو مدينة أو امبراطورية أو دولة تتمتع بقوة بشرية مسلحة ترغب في الاستيلاء على الثروات التي يمتلكها الأخرون أو كيان سياسي قوي ويمتلك الثروة بالفعل ولكنة يسعى لاكتساب مزيد من الثروة من خلال الاستيلاء على مزيد من الأراضي التابعة لكيانات سياسية أخرى باستخدام القوة المسلحة. وبالرغم من الاختفاء شبه الكامل للحروب من هذا النوع، إلا أنه مازالت هناك طرق أخرى بخلاف الحرب والاحتلال تستخدمها الدول القوية لاستنزاف ثروات الدولة الأضعف، ولكى تقوم بذلك غالبا ما تستعين بنظم سياسية مستبده لتحكم البلاد المراد استنزاف ثروتها، فالإستبداد والفساد توأمان لا ينفصلان. وإذا كانت نظرية العلاقات الدولية الليبرالية قد أكدت على التجارة الحرة والاعتماد المتبادل بين الدول لمنع الحروب، فإن التجارة الدولية لن تقوم بهذا الدور السلمي مالم تقوم على عمودين رئيسيين، شروط تجارة عادلة ونظم ديمقراطية. فلا يجب أن تقتصر التجارة الدولية على مجرد تبادل الدول للسلع والخدمات التي تتمتع كل دولة بميزة نسبية في انتاجها، ولكن لابد أن يرافق ذلك عملية تنمية شاملة تعمل على رفع المستوى المعيشي للشعوب الفقيرة. فكما أن غياب العدل الاجتماعي داخل الدولة يؤدي إلى توترات اجتماعية قد تصل إلى حد الحرب الأهلية فكذلك غياب العدل الاجتماعي يخلق توترات دولية قد تصل إلى مرحلة الحرب، وهو ما يمكن أن نجد الدليل عليه في تصاعد الارهاب الاسلامي عبر قارات العالم، فأول بذور هذا الارهاب تبدأ ببث روح المظلومية في نفوس أفراد المجتمع بالحديث عن الظلم السياسي والاقتصادي في سياق الحديث عن الحرب على الاسلام سواء باحتلال الغرب لدول ذات أغلبية مسلمة لنهب ثروات المسلمين، أو بدعم نظم مستبده تعمل لصالح أعداء الاسلام. فيقول مصطفى هاشم زايد في مقال له بعنوان “ العلماء وثورات الأمة بين العمل لإقامة الخلافة الواجبة وتركيع الأمة للغرب الكافر وعملائه” على موقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر “وصارت الأمة أحوج ما يكون إلى علماء ربانيين يهدونها السبيل الصحيح وينيرون لها درب الهدى. فهذا واجبهم المنوط بهم لكونهم ورثة الأنبياء، وإن لم يقوموا به حق القيام وتركوا الأمة تتخبط في ظلمات الجهل والانحطاط خانعة خاضعة تحت نير الغرب وناره تتحكم فيها أفكاره، ينهب ثرواتها وخيراتها ويدمر شيبها وشبابها، فالويل كل الويل لهم، ضياع في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة.” ويقول “ أمام هذا الضغط والقهر والقمع من الحكام وتبرير أعمالهم وتحصينها من قبل علماء السلاطين، وأمام سياسة التهميش والإفقار ونهب الثروات الممنهج من قبل النظام الرأسمالي النفعي انطلقت ثورات الشعوب من تونس إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا، تخطت الأمة الجميع بما فيهم الحكام وعلماء السلاطين، بل تخطت وسبقت حتى بعض الحركات التى كانت تدعي أنها تسعى للنهضة، خرجت الجموع مطالبة بإسقاط الأنظمة المرتبطة بالغرب، بمعنى أنها أدركت أن عدوها الأول هو الغرب الذي يقف خلف تلك الأنظمة وهؤلاء الحكام ويحركهم كقطع الشطرنج.” ويضيف “ إن واجب العلماء قيادة الشعوب وتوعيتها على ما يحقق طموحها ويعيد إليها حقوقها وكرامتها وأمنها ورعايتها وما ترجوه من عدل ورقي ورغد عيش، إن كل هذه الأشياء لا تتحقق إلا بالإسلام وتحكيمه كاملا شاملا في دولة الخلافة على منهاج النبوة وإن أي حلول دونها ما هي إلا حلول ترقيعية للنظام الرأسمالي الحاكم الناهب لثروات الشعوب ولن يعالج مشكلات الناس، بل هو حلقة من حلقات خداعهم والالتفاف حول مطالبهم لتثبيت أركان نظامه برؤوس جديدة، ولعلنا نرى ذلك واقعا في تونس واليمن ومصر وليبيا، ولم ينج منها حتى الآن إلا ثورة الشام.” فهذا نموذج للأفكار التي تروج للعداء للبشرية باختلاف معتقداتها وعرقياتها وألوانها، يستخدم ما تتعرض له الدول ذات الأغلبية المسلمة من ظلم سياسي واقتصادي في الترويج لرفض الأخر ومقاتلته، ونرى بوضوح الرؤية المتطرفة التى ترى في نموذج الثورة التونسية نموذج فاشل مثل النموذج المصري، والنموذج الناجح هو الحرب الأهلية في سوريا. وعلى ذلك يجب أن تسير عملية التحول الديمقراطي في الدول النامية جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية، فغياب الديمقراطية يؤدي إلى سوء توزيع عوائد التنمية الاقتصادية بحيث تذهب أغلب هذه العائدات إلى التحالف الحاكم للحفاظ على السلطة المستبدة الحاكمة بينما لا يذهب للمواطنين إلا أقل القليل من هذه العائدات، ما يعمق الشعور بالظلم ويولد مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام من كل من ساهم في عملية الافقار والتهميش الذي يتعرض له الانسان، وهو ما ينتج عنه حروب أهلية في الداخل تتورط فيها دول خارجية وعمليات ارهابية في الخارج. الخاتمة بالرغم من أن الحرب قديمة قدم التاريخ الانساني، وأنها قد تكون نتيجة الطبيعة البشرية إلا أن هذه الطبيعة يمكن تغييرها ويمكن كذلك توجية طاقات العنف وحب المغامرة وحب التميز والبطولة الكامنة داخل الأفراد نحو نشاطات أخرى تفرغ هذه الطاقة وتشبع الرغبة الانسانية في المجد والبطولة. كما أن عن طريق بث قيم التعددية والتعايش وقبول الأخر والرغبة في العيش المشترك والمصالحة والعدالة، يمكن خلق هوية انسانية واسعة بعيداً عن التعصب الديني والقومي الذي يرفض الأخر ويسعى للصدام معه ونفيه. ومع امتلاك الأمم المختلفة لحق تقرير مصيرها وامتلاكها لثروتها في ظل نظم ديمقراطية، تستطيع الانسانية أن تتخلص من الحرب وتصل إلى السلام العالمي. المراجع 1- تعريف الحرب ويكيبيديا https://en.wikipedia.org/wiki/War عن الحرب – كارل فون كلاوزفيتز – ترجمة سليم شاكر الإمامي – المؤسسة العربي للدراسات والنشر 2- معاهدة فرساى https://en.wikipedia.org/wiki/Treaty_of_Versailles 3- إحصاءات الاقتصاد العالمي – ويكيبديا https://en.wikipedia.org/wiki/World_economy 4- السلام البارد https://en.wikipedia.org/wiki/Cold_peace 5- مصر وإسرائيل: أربعون عاما من صحراء السلام البارد – مؤمن سلام وأوفير وينتر http://www.civicegypt.org/?p=74927 6- نظريات العلاقات الدولية – مجموعة كتاب – ترجمة محمد صفار- المركز القومي للترجمة 7- تفسيرات وراثية (المعقول واللامعقول) – تحرير شيلدون كريمسكي وجيرمي جروبر – ترجمة د. ليلى الموسوي- عالم المعرفة يناير 2016 8- السلطة والفرد – برتراند راسل – ترجمة د. لطفية عاشور – الهيئة المصرية العامة للكتاب. 9- ما الديمقراطية؟ دراسة فلسفية – آلان تورين – ترجمة عبود كاسوحة – منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية 10- الموجة الثالثة – التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين – ترجمة د. عبد الوهاب علوب – مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية – دار سعاد الصباح 11- العلماء وثورات الأمة بين العمل لإقامة الخلافة الواجبة وتركيع الأمة للغرب الكافر وعملائه – مصطفى هاشم زايد https://hizb.net/?p=5617 تعليقات
أعرض التعليقات على شكل
(تخطيطي | متواصل)
اضافة تعليق
|
بسـم الله الرحمن الرحـيم"اقرأ باسم ربك اللذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم"
التقويم
بحث سريعيمكنك أخذ نسخة للطباعة بأحدى هذه الصيغادارة المجلةاحصائياتتاريخ آخر مقالة : 2023-09-02 13:16
|
Copyright 2007 © Liberal Democratic Party of Iraq