د. صلاح الزين
أستاذالكيمياء العضوية. معهد بحوث البترول
هل الترتيب الوارد فى العنوان عشوائى أم قصدى، و هل لكل كلمة تعريف نهائى بغض النظر عن الزمان و المكان؟. بمعنى آخر هل لهذه الكلمات تعريفات مطلقة يصطف خلفها صفوفا من الكهنة و الحراس يدفعون عنها كل تفسير خبيث أو اجتهاد لئيم؟.
الكلمات الثلاث كانت ولا تزال محل جدل تاريخى و مجتمعى ولا أظن أنه سوف ينتهى، فمثلا الديموقراطية، وهى أقدمهم، بدأت بالديموقراطية المباشرة فى المجتمعات المحدودة العدد فى بلدان اليونان القديمة ، ثم تحولت إلى الديموقراطية الحديثة التى قدمت لنا أختراعها العبقرى “صوت واحد لكل مواطن” بغض النظر عن وضعية هذا المواطن، فقير أو غنى رجل أو أمرأة متدين أو غير متدين. ومن ثم ظهر هذا الصندوق العجيب “صندوق الأنتخابات”، ومازلنا فى أنتظار آلية التصويت عبر النت.
الليبرالية :
لماذا تأتى الليبرالية فى بداية هذا الثالوث، فى ظنى أن الليبرالية ببساطة هى المناخ الصحى الذى يسمح بالحوار المشترك لكل اطياف المجتمع دون وصاية من أحد بأسم مرجعية مقدسة و يشارك فيه كل المواطنين على قدم المساواة، كل الآراء لها حق الوجود و كلها قابلة للرفض أو التعديل دون وصاية مسبقة. ونستطيع أن نضع ذلك فى ثلاثة عناصر:
1 ـ اجتماعيا الليبرالية مناخ صحى للحوار.
2 ـ سياسيا الليبرالية أيدولوجيا اللاأيدولوجيا.
3 ـ اقتصاديا هى المحافظة على المشروع الصغير وحمايته من الأحتكار، أحتكار رأس المال الكبير أو رأسمالية الدولة.
نحن لا نزال فى إطار الشكل المجتمعى الذى يسمح بطرح كافة الأفكار، وفى ذات الوقت لا تتأتى مشروعية أى أفكار استنادا إلى الماضى أو توافقها مع فكر دينى أو قومى أو ايدولوجى. أن أهم شرط يحقق المشروعية هو مستقبليتها وليس ماضويتها. ويبدو أن ليبرالية أى مجتمع تتحقق بوجود معاهد أو مؤسسات لدراسة المستقبليات و وجود علماء و دراسات مستقبليات.
العلمانية:
هذا عن المناخ و الشكل الذى يجرى فى ظله الكلام عن الأفكار، أما المحتوى فيقودنا إلى العلمانية. وإذا كانت مشروعية الفكر لا تكمن فى توافقها أو عدم توافقها مع أيدولوجية ما دينية أو قومية ولكنها تكمن فى مساحة المصلحة التى تحققها، و إذا كانت المصالح فى أى مجتمع متعارضة بين هذا وذاك من فئات المجتمع وطبقاته فلن يكون أمام هذا المجتمع سوى التصويت كسبيل واحد لحسم أختياراته بين هذه الأفكار.
التصويت هنا يؤكد فصل المؤسسات الدينية عن القرار السياسى لأن المؤسسات لا تمتلك أصواتا انتخابية، المواطنون فقط هم من يمتلك هذه الأصوات، وهذا هو جوهر العلمانية التى نراها صالحة لمصر اليوم.
وهكذا يصبح من حق المواطن التصويت وفق مرجعيته إسلامية كانت أو مسيحية أو أى أيديولجية أخرى، أى أنه ببساطة يستطيع أن يحتفظ بعدم علمانيته، ولا تصير العلمانية هى اخراج الناس من دينهم كما يدعى البعض، فى نفس الوقت الذى يقرر فيه حق الأغلبية أن تحكم و حق الأقلية فى الدعاية لأفكارها مهما اختلفت عن فكر الأغلبية لكى تصير هذه الأقلية أغلبية فى المستقبل وهكذ دواليك. وهذا ما نعنيه بفصل علمانية الفرد عن علمانية الدولة.
فى أوربا والولايات المتحدة نسبة كبيرة من الأفراد لا تؤمن بالعلمانية، ملكة بريطانيا هى فى نفس الوقت رئيسة الكنيسة الإنجليكانية وعدد من الولايات الأمريكية ترفض تدريس نظرية التطور لدارون لتعارضها مع ما جاء فى الكتاب المقدس عن خلق آدم، ورغم ذلك هذه الدول يتخذ فيها القرارات وفق التصويت الدورى والمتكرر والشفاف.
النقطة الأهم هنا أن المقدس يفقد قدسيته بالتصويت، أى تصويت البشر عليه و رضاهم عنه بعيدا عن ما يفرضه رجال الفكر المقدس.
و ماذا بعد؟.
الديموقراطية:
تأتى آليات التصويت وطرائقه و كيف يتم، وهذه هى الديموقراطية، لكى يتم الحسم.
قد يقول قائل أن الديموقراطية وحدها كافية، ومن المفيد أن ندمج هذا الثالوث فى كلمة واحدة هى الديموقراطية حتى لا نغضب أحد.
ونقول أن الديموقراطية تتعلق فى الشائع بأنتخاب الأفراد “حكم الشعب بواسطة الشعب”، صحيح أن هؤلاء الأفراد فى الغالب يمثلون قيما وأفكار وبرامج لكنهم قد يغيرونها فيفقدون مصداقيتهم لدى الناخبين ولا يعاد أنتخابهم، ومن هنا فأن التصويت الذى نعنيه هو التصويت على الأفكار والسياسات والبرامج، وهكذا يكون الأمر ليس قاصرا على موضوع التصويت فقط ولكن كذلك على الأفكار والسياسات.