أنماط إهانة وتحقير وإذلال المرأة في الثقافة العربية والإسلامية، بلا حدود، ولا يمكن حصره بكتاب أو مجلد واحد، بدء من استحلال سبيها والاتجار بها، إلى وضعها في مرتبة أدني من الرجل، مروراً باعتبارها مع الكلب والحمار مفسدة للصلاة، وموضع نجاسة، وتفخيذ الرضيعات وزواج الصغيرات غير البالغات، وليس انتهاء بتعدد الزوجات، واختراع عشرات الحالات التي تبيح للرجل التمتع بالمرأة، الذي يعتبر نوعاً من الدعارة الحلال، بحيث تصبح المرأة موضوع جنس وحسب، منزوعة من شرطها الإنساني النبيل باعتبارها قيمة وروحاً وجملة من المشاعر والأحاسيس النبيلة التي تتذوق وتتطلع للجمال، غير أن هذه الثقافة، وبممارساتها تلك تجردها من أية قيمة واعتبار. وتذكر لنا كتب التاريخ كيف كان “الشاري”، والنخاس البدوي، ولا يستثنى من هذا بعض من يسمون بالصحابة، كانوا يتلمسون أماكن حساسة في جسد المرأة، كفخذيها، وثدييها، وما هو أبعد من ذلك قبل الإقدام على عملية “امتلاكها”، وشرائها كأية دابة، وبهيمة، وعذراً من الجميع، لتضاف إلى طابوره العرمرم الحافل بالحريم والجواري، والإماء، والموطوءات.
والموطوءة هو الاسم الرسمي للمرأة، المتداول في الدساتير والقوانين والتشريعات التي تتناول المرأة، في الثقافة “إياها”، التي يتباهى بها وزراء ثقافة الطلقاء، ويعملون على الحفاظ عليها وإحيائها. وكانت قد وردت هذه التسمية بكثرة في قانون أحوال شخصية كان مزمعاً إقراره، في أحد البلدان، غير أن الثورة التي أثيرت حوله، أجلت إقراره، وفي النسخة “المعدلة” اللاحقة تم التخفيف من استعمال هذه الكلمة الجارحة والصادمة وغير اللائقة بحق كائن بشري من المفترض أن يتمتع بكافة الحقوق والواجبات مساواة مع الرجل. والموطوءة، أو المنكوحة، أو المستنكحة، وكلها مترادفات للمرأة في الثقافة “الحضارية”، هي الأنثى التي سبق لها أن تزوجت أو نكحت، حسب الفقه إياه،( التسمية الرسمية هنا لعقد الزواج هو عقد نكاح أي مجرد عقد لعملية جنسية من دون أية أبعاد إنسانية أخرى)، أو مارست الجنس بطريقة ما، وفيما لو كانت سبية منهوبة من بلاد أخرى بغرض الاستمتاع، أو الاتجار بها، أو أمـَة، أو عبدة مستعبدة مملوكة لأحدهم ومشتراة ويتناقلها الرجال، وتوطئ أنى ومتى وكيف ما شاء سيدها المالك وتباع وتشرى كأية سلعة أخرى. ويتحول الحب والوصال الإنساني الروح الجميل، بذلك، على يد هؤلاء البرابرة والهمج الزناة البغاة العصاة الطغاة السباة القتلة محللي الدماء مغول العصر الحديث، “حملة” مشاعل الحضارة والنور، إلى مجرد فعل وطء ودوس وممارسة للسادية والشذوذ والعقد النفسية بحق إنسان آخر يشاركنا هذه الأرض والطبيعة والحياة. وبالمناسبة الثقافة العربية والإسلامية هي من بين الثقافات القليلة والنادرة في العالم التي لم تحرّم ولم تلغ العبودية والرق والاسترقاق والاتجار الرسمي بالبشر. ويشكل استيراد الأطفال رسمياً وتهريبهم لوضعهم على الهجن والبعير سياسة رسمية وعلنية في بعض الدول العربية والإسلامية، ومن دون أن يثير ذلك أي استهجان واستنكار لأن السبي، والاسترقاق والاستعباد هي في صلب المخزون الثقافي الجمعي لهذه الشعوب.
ووطأ الشيء، أي داس عليه، بكل ما في التعبير من مجازية الإذلال والتحقير والامتهان. ووطء المرأة، أو دوسها، هو تعبير عن تلذذ في إهانتها والحط من قدرها في ذلك الفعل الإنساني الروحي الجميل وهو تبادل المشاعر والقبلات وممارسة الحب والاتصال الراقي. غير أنه في ثقافة الطلقاء، يتحول إلى فعل تحقيري وحاطٍ ومذل للمرأة. ويصبح اسم المرأة في هذه الحالة الموطوءة، أو المداسة بمعنى آخر، ولا يوجد كلمة يمكن أن تهين المرأة أكثر من ذلك في كل قواميس العالم. لكن يطلع لك فقيه من إياهم، من فقهاء الوطء والنكح وفلاسفة الفرج الكبار، ليقول لك بأن ثقافته تكرم المرأة، وتحافظ عليها وتعتبرها كالجوهرة المصانة. ولا ندري كيف تكون جوهرة ثم توطأ وتداس، ومتى كانت الجواهر تداس؟ وتكنى بذلك جهاراً نهاراً، وتدخل في دساتيرهم “تبع” المادة الثانية، ما غيرها. أمرهم عجيب وغريب هؤلاء السادة الفقهاء يتحدثون وكأنهم يعيشون لوحدهم في عالم من الوهم والخيال. وهناك فقه كامل، وتراث طويل عريض حول “الموطوءة”، ومن يجب أن يطأها، بعد أن تكون قد وطئت، ومن تحل لهم، ومن لا تحل لهم، وحول عدة الموطوءة….إلخ وهو في متناول الجميع. وقد يكون تناول هذه القضايا، ومن وجوه شرعية، ومجتمعية، أمراً استيضاحياً وضرورياً لا بل واجباً، أحياناً، لكن استخدام تلك التعابير المهينة بحق المرأة هو الأمر غير الجائز والمعيب، ويعكس طبيعة النظرة حيال المرأة، واعتبار فعل الحب، تلك الوظيفة الحيوية الضرورية لاستمرار وبقاء النوع، ناهيك عن أبعادها ومضامينها الجمالية والروحية، وحتى وبشكل قانوني وشرعي، أمراً معيباً يستعر منه وترمى الأنثى لأجله بأقذع الصفات.
لنتصور هذا الكائن الجميل، الرائع، كتلة المشاعر والأحاسيس والعواطف الجياشة والدافئة والصوت الناعم الرقيق، الأم، والأخت، والزوجة، والابنة، والرفيقة والصديقة والزميلة، تصبح في ثقافتهم، مجرد “موطوءة”، أو “منكوحة”، وبتعبير آخر مداسة، وبكل أسف، هل هناك إيذاء إيلام واعتداء على إنسانية الإنسان أكثر من ذلك؟ وهل هناك انتهاك لآدمية الإنسان أكثر من ذلك؟ دوس الكائن ودهسه وسحقة بالقدم وتحقيره واعتباره موضوعاً لممارسة سادية الوطء والدوس هو أمر لا يمكن أن يحتمل؟ أية ثقافة هذه؟ ألا يخجل وزراء الثقافة من هذه الثقافة، ومن تسميتهم وزراء لهذه الثقافة، ومن كونهم حماة وحراساً أشاوس عليها يتباهون بها في وسائل الإعلام، لا بل يقولون، بأنهم حاملو مشاعل حضارة إلى العالم؟
هناك أمم كثيرة وثقافات كثيرة في العالم متصالحة مع ذاتها، وتحترم ذاتها، وتخجل، وتتنصل من ممارسات شائنة تبدو طبيعية في ثقافات أخرى. ولذا توضع أشد التشريعات والعقوبات لمنع أي ازدراء وحط وتحقير وتمييز بين بني الإنسان، ذكراً أو أنثى. وبالكاد يعثر، في هذه الأيام، على تعابير ومصطلحات رسمية مشابهة تصور المرأة ً بهذا القدر الفجاجة والتحقير وقلة الاحترام والابتذال. وربما حصل ذلك في مرحلة ما من تاريخ أي شعب أو وأمة ما، وأن تكون قد تمت إهانة المرأة بشكل ما، لكن أن يستمر هذا الأمر، وبشكل رسمي، مقونن، ومشرعن، ورسمي وتحت قبب البرلمانات، فهو ما لا يجب السكوت عنه، وتجاوزه، وغفرانه، لأنه إهانة وجرح وطني كبير وللجميع، ولا ينبغي، بأية حال، القبول به. ولذا نحن بحاجة ماسة إلى ثورة في القيم والمفاهيم تنقل هذا المخلوق والكائن البشري الجميل من مرتبة “الموطوء” و”المداس” و”المركوب” ، إلى منزلة ومرتبة أعلى وأسمى تليق بإنسانية الإنسان.