خطة اميركية تنادي بتقسيم العراق الى ثلاث مناطق كردية وزسنية وشيعية تتمتع كل منها بالحكم الذاتي.
في أوائل مايو/ايار من العام الماضي دعا السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن من ولاية ديلاوير ولزلي جليب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية CFR إلي تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منهما بالحكم الذاتي وفي هذا الوقت جاء الرد قاطعا من البيت الأبيض برفض الفكرة من الأساس وذلك على لسان متحدثه الرسمي توني سنو الذي قال "لا نريد بلقانا جديد". وواجه الاقتراح أيضا هجوما كبيرا من قبل مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر والذي اعتبر تقسيم العراق خطا احمر لا يمكن تجاوزه خاصة أن ذلك من شأنه خلق ما أطلق عليه فوضى إقليمية جديدة ستعطي طهران فرصة ذهبية للسيطرة على الإقليم الشيعي الجديد كما ستثير حفيظة تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية جنوبها. إلا انه في الوقت نفسه وجد مشروع بايدن-جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من أعضاء الكونجرس ومن ضمنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون التي ترى في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي. وباستثناء الأكراد، تبدو مواقف الطوائف العراقية غير واضحة فيما يتعلق بتطبيق الفيدرالية وذلك في ظل انقسام شيعي حول المبدأ ورفض سني من الأساس إلا انه في الأسبوع الماضي أقرت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي مشروع قانون النفط والغاز، في غياب 13 وزيرا اغلبهم من السنة، وخصص المشروع 17% من واردات النفط العراقي لحكومة إقليم كردستان في خطوة وصفها المراقبون بأنها بداية صريحة لتطبيق الفيدرالية. وفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق إلي ثلاث أقاليم اصدر مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان "حالة التقسيم السهل للعراق" حاولت الإجابة على العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي إلي جانب الصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة إذا تم تطبيق هذا الخيار الذي أطلقت عليه الدراسة "الخطة ب". الدراسة أعدها جوزيف ادوار وهو باحث زائر بمعهد بروكينجز له خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات حيث عمل لمدة عقد كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال وشاركه في إعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأميركي بمعهد بروكينجز والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول. ويعترف الباحث في بداية الدراسة أن هناك تحفظات كثيرة على الفكرة خاصة في الأوساط الرسمية والتي تصف تقسيم العراق بأنه غير أخلاقي ولاسيما البيت الأبيض الذي يرى هذا التقسيم مثيرا للفتن وتضيف الدراسة أن مجموعة دراسة العراق وعلى رأسها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعضو الكونجرس السابق لي هاملتون من اكبر المعارضين لهذا المشروع وذلك لعدة عقبات أولها ارتفاع نسبة الزواج المختلط بين الطوائف العراقية المختلفة مما سيجعل التعامل مع هذه الظاهرة عن طريق الفصل الجغرافي أمرا من الصعب تحقيقه، أما الثاني أن تقسيم العرق إلي ثلاث أقاليم من المتوقع أن ترفضه العديد الأطراف سواء من داخل العراق أو من قبل جيرانه مثل المملكة العربية السعودية والأردن. ويقول الباحثين إنهم يتفقان مع العديد من تلك التحفظات سواء من حيث المبدأ أو النظرية كما إنهم يعتقدان أن التقسيم ليس حلا جيدا لصراعات الطائفية، إلا أن الواقع الحالي في العراق من اقتتال داخلي يجعل التقسيم أفضل الخيارات المتاحة كما أن التجربة أثبتت عدم صحة المبدأ القائل بأن العراقيين يريدون العيش معا داخل دولة واحدة ذات حكومة مركزية حيث صوت العراقيين في الانتخابات في السنوات الأخيرة وفقا لمصالح الطوائف التي يدينون لها بالولاء إلي جانب أن العنف الطائفي كشف أن العراقيين يشعرون بالأمان حين يعيشون في منطقة معظم سكانها من نفس الطائفة وهذا ظهر بوضوح خلال حركات النزوح التي قام بها ألاف العراقيين هربا من العنف. مواقف متضاربة وحول مواقف الطوائف العراقية المختلفة من فكرة التقسيم ترى الدراسة أن الأكراد هم الأكثر وضوحا خاصة أن هناك شبه اتفاق بين الأحزاب الكردية في الحفاظ على سيادة الإقليم (كردستان العراق) واستقلاله واستمرار العمل بنظام الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم حاليا، وهذا يتناقض مع موقف السنة الذين يتخوفون من مبدأ التقسيم. وينبع هذا الشعور من اعتقادهم بان هذه الخطة ستؤدي إلي سيطرة الشيعة على عائدات النفض العراقي خاصة أن معظم حقول النفض تتواجد في منطقة الجنوب التي من المفترض أن تكون إقليما شيعيا يتمتع بالحكم الذاتي في حالة تقسيم العراق. كما أن السنة بات لديهم يقين بان استعادتهم للسيطرة على العراق كما كان في عهد صدام حسين بات أمرا غير منطقي وانه عليهم أن يجدوا صيغة جديدة تناسب الوضع السياسي و الديمغرافي الحالي. أما الشيعة العراقيين فيبدو أن موقفهم ليس موحد تجاه هذه القضية كما تشير الدراسة حيث عارض العديد منهم الخطة التي روج لها عبد العزيز باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بشأن تقسيم العراق لأقاليم تتمتع كل منها بحكم ذاتي ولاسيما التيار الصدري الذي أبدى زعيمه الشاب مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة معارضته إنشاء إقليما شيعيا في الجنوب. وتقر الدراسة بأنه إذا لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم هذه فانه سيؤدي إلي عدم استقرار وفوضى في الإقليم بشكل عام خاصة أن هناك فارق كبير بين تجربة البوسنة والوضع في العراق حاليا حيث أن جيران الأولى صربيا وكرواتيا كان لهم هدف استراتيجي واحد وهو تقسيم البوسنة مما سهل الأمر لوجود دعم إقليمي ودولي أما العراق فهو أمر مختلف تماما ووضع جديد من نوعه. معطيات تفضي إلي التقسيم وتشير الدراسة إلي أن الحرب الأهلية في العراق-على حد وصف الباحثين- أدت إلي خلق واقع ديمغرافي جديد وذلك طبقا للإحصاءات التي نشرتها المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي ذكرت انه حتى يناير 2007 وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلي مليونا لاجئ بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق-نزوح داخلي- إلي 1.7 مليون لاجئ. وأشارت التقارير ايضا إلي أن هناك أكثر من نصف مليون عراقي يتم تهجيرهم من مدنهم كل شهر، وتضيف الدراسة انه على الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي طالب أكثر من مرة العراقيين بالعودة إلي قراهم التي هجروها إلا أن معظم المواطنين رفضوا العودة مما سيؤدي إلي حدوث تأثير عميق على الحياة السياسة والاقتصادية حيث يسعى المواطنون العراقيون حاليا إلي النزوح إلي القرى التي يتركز فيها الطائفة التي ينتمون إليها وفقا لما رصدته منظمة الهجرة الدولية، والتي قالت في تقرير لها صدر مؤخرا أن العرب الشيعة يقومون بالنزوح من وسط العراق إلي الجنوب بينما يقوم العرب السنة بالنزوح من الجنوب إلي الوسط وخاصة إلي محافظة الانبار. وتصف الدراسة هذه الظاهرة نقلا عن تقارير المنظمات الدولية بان ما يحدث من موجات نزوح داخلي من شأنه تحويل العراق بالتدريج بلقانا جديد. التحديات عديدة وبعنوان نحو تطبيق تقسيم سهل للعراق يشير الجزء الثاني من الدراسة أن هناك العديد من علامات الاستفهام لابد من الإجابة عليها قبل الشروع في عملية التقسيم أولها تحديد كيف سيتم رسم الحدود بين الأقاليم الثلاث. وهنا ترى الدراسة أن الظروف الحالية التي يشهدها المجتمع العراقي من زواج مختلط بين أبناء الطوائف المختلفة تجبر النظام الجديد على احترام الأقليات مما يجعل رسم الحدود على أساس جغرافي وليس طائفي وذلك من خلال استخدام الظواهر الطبيعية كالأنهار والجبال. ويرى الباحثان انه ليس هناك مشكلة فيما يخص المحافظات الواقعة جنوب العراق لان معظم قاطنيها من العرب الشيعة إلا أن المشكلة الحقيقة في المحافظات والمدن الرئيسية مثل بغداد والموصل وكركوك. وتنتقد الدراسة اقتراح غلب-بايدن بجعل بغداد مدينة دولية مستقلة حيث سيؤدي هذا الطرح إلي مزيد من عدم الاستقرار خاصة أن ثلثي عمليات النزوح حدثت في بغداد وبالتالي لابد أن تكون العاصمة العراقية بغداد جزء من عملية التقسيم وذلك على الرغم من أن الدستور العراقي الحالي يحول دون انضمام بغداد إلي أي إقليم في حالة حدوث تقسيم إلا أن البدء في تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلي العديد من الاستعدادات منها أجراء عمليات مراجعة وتعديل لمواد الدستور كي تسهل عملية التقسيم. حدود آمنة وتوزيع عادل للنفط الدراسة تنصح أيضا بأن تتم عملية رسم الحدود بحرص بالغ كما أن الولايات المتحدة لابد أن لا تتدخل في هذه العملية حتى تتجنب اتهامها بالانحياز وتقوية فصيل على أخر وبالتالي فان الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية هما الجهتين المرشحتين للقيام بهذه العملية وذلك على عكس ما حدث في منطقة البلقان عندما تم تقسيم البوسنة بقيادة السفير الأميركي ريتشارد هول بروك إلا أن وضع الولايات المتحدة حاليا لا يؤهلها لقيام بذلك نظرا لفقدانها المصداقية اللازمة بين الطوائف العراقية، وهنا تشدد الدراسة على أن هناك العديد من المبادئ التي ينبغي الالتزام بها عند رسم الحدود: أولها: أن لا تؤثر الحدود الجديدة على عملية توزيع الموارد النفطية بل لابد أن يكون جميع العراقيين متساوون في هذا الأمر. ثانيا: أن لا يتم إجبار أي مواطن على الانتقال الى إقليم أخر على أساس طائفته بل تترك الحرية كاملة للمواطنين في الاختيار. ثالثا: وضع قواعد صارمة لاحترام الأقليات في كل إقليم وحمايتهم لتجنب حدوث أي إعمال عنف طائفي. ويبقى توزيع عائدات النفط العراقي هي المعضلة الرئيسية في عملية التقسيم حيث تشير الدراسة إلي أن معظم احداث الاقتتال الداخلي اندلعت في أعقاب الاستفتاء على الدستور العراقي في اب/أغسطس 2005 نظرا لان الدستور ترك عملية توزيع الثروة النفطية أمر غامض لم يتم الإجابة عليه حتى الآن مما عزز القلق السني خاصة أن الأكراد نجحوا الى حدا كبير في تأمين نصيبهم من عائدات النفط. أما الشيعة فيسيطرون على المحافظات الجنوبية التي يوجد بها معظم الثروة النفطية العراقية، ويبقى السنة وضعهم معلق في هذا الشأن فعلى الرغم من أنهم يمثلون 20% من حجم العراقيين إلا إنهم لا يحصلون إلا على 10 % من عائدات النفط في الوقت الحالي. ويؤكد الباحثان على أن تحقيق أي نجاحات في عملية التقسيم يتوقف على توزيع عادل للعوائد النفطية لان ذلك سيضمن استقرار امنيا ويحول دون النزاع الطائفي على الثروات العراقية ومن هنا ترى الدراسة أن أفضل طريقة تضمن توزيعا عادلا لثروات العراقية لابد أن تقوم على أساس عدد سكان كل إقليم ولكن الصعوبة التي ستواجه هذا الطرح هو عدم وجود تعداد سكاني دقيق في الوقت الحالي. بطاقات جديدة للهوية وتقترح الدراسة انه ينبغي عقب عملية التقسيم تأسيس نظام جديد لإصدار بطاقات هوية خاصة بكل إقليم يتم التحقق منها عن طريق وضع نقاط تفتيش على حدود كل إقليم يتم تدعيمها بالبيانات الكاملة حول المواطنين في جميع أنحاء العراق. وذلك لمحاصرة العناصر المتطرفة وتتوقع الدراسة التكلفة التقديرية لهذا النظام بمليار دولار وهنا تطرح الدراسة سؤال هام حول حجم القوات المطلوبة خلال تنفيذ تطبيق عملية التقسيم خاصة أن هذه المرحلة حساسة للغاية. الباحثان قدرا حجم القوات بحوالي 300 ألف إلا أن هذه المرة على قوات التحالف أن تعد خططا جديدة للانتشار حيث أن الخطط الحالية لها أغراض مختلفة لن تناسب المهمة التي ستقوم بها قوات التحالف في مرحلة التقسيم حيث سترتكز على حراسة الحدود بين الأقاليم الثلاث وكذلك نقاط التفتيش الى جانب تأمين المنطقة الخضراء وتشير الدراسة ألي أن فكرة تقليل حجم القوات الأجنبية في العراق غير واردة إذا تم تنفيذ خطة التقسيم وذلك على الأقل لفترة انتقالية من 12 الى 18 شهر. (تقرير واشنطن)