حين تفكك الاتحاد السوفياتي، كتب جان دانييل «كما لو انك استيقظت ذات يوم ليقال لك ان الشيطان مات»!
لا احد يمكنه القول ان الامبراطورية الاميركية ستتفكك ايضا بعدما انشأها المؤسسون (جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وبنيامين فرنكلين وجيمس ماديسون والكسندر هاملتون...) بتلك الطريقة الفذة، وحيث الصفقة العجائبية بين الكتاب المقدس و...الدولار.
انظمة عربية استشعرت وكأن الولايات المتحدة زالت او هي في طريق الزوال بعدما لعبت، ومنذ الاربعينات من القرن الفائت، دور «الاله الحارس»، ليس الملاك الحارس فقط، الذي تتقاطع مصالحه مع الاهواء الشخصية او القبلية او التاريخية او الجيوبوليتيكية للحلفاء...
الازمة المالية عام 2008، وسببها الاساسي، كما اعتبر جوزف ستيغليتز، حامل نوبل في الاقتصاد، الحروب التي خاضتها ادارة جورج دبليو بوش في افغانستان والعراق (الكلفة 3 تريليونات دولار) زعزعة الامبراطورية. باراك اوباما اختير، وهو صاحب البشرة السوداء، ليدفع بالولايات المتحدة الى فلسفة اخرى، لا الفلسفة الهوجاء وحيث «كان جنودنا يتحطمون في الخارج كما لو انك تلقي بزجاجات الكوكا كولا من النافذة»، بحسب الجنرال انطوني زيني...
اذاً، مبدأ ايزنهاور الذي وضعه جون فوستر دالاس منتصف الخمسينات من القرن المنصرم لملء الفراغ في الشرق الاوسط اثر الغروب البريطاني والفرنسي، وضع على الرف، كذلك فلسفة «حرائق الغابات»، اي الحروب المبرمجة ولاغراض محددة، التي اطلقها الرئيس رونالد ريغان...
السبب الاخر الذي جعل بعض الانظمة العربية تستشعر «الخيانة الاميركية» الاتفاق النووي مع ايران الذي فُسرّ هكذا على انه يطلق يد آيات الله، ولغايات تتعلق بالربط الاستراتيجي بين مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وتلك التي في الشرق الاقصى، وحيث لا صراع الحضارات فحسب بل وصراع الامبراطوريات وكذلك صراع المداخن، ناهيك عن صراع الاسواق...
بطبيعة الحال، لن يتخلى الاميركيون عن مصالحهم في المنطقة، لكنهم لن يأخذوا بأهواء، او بمخاوف، بعض الانظمة. بعبارة اخرى، لن تشن واشنطن الحرب ضد طهران، ولو حتى من اجل اسرائيل. هنا المشكلة. تبدأ، مع الانحسار الاميركي، كما لو ان المعادلات كلها تزعزعت، تزعزعت معها قواعد اللعبة...
مثير ان يقول ريتشارد هاس ان العرب يملأون الفراغ بالحطام، كما لو ان الاميركيين وغيرهم لا يفعلون الشيء نفسه ما دامت الانظمة قد حولت المجتمعات العربية الى «حطب قبلي»، وبما تعنيه الكلمة...
السعوديون استشعروا اكثر من غيرهم ماذا يعني التبدل في الاستراتيجية الاميركية. يريدون ان يكسروا نظرية هاس بأن العرب هم الفراغ وهم الحطام. حان الوقت لكي يثبتوا للاخرين انهم ليسوا قادرين على البقاء فحسب، ولا على التصدي فحسب، وانما على الهجوم دون الحاجة الى الاسطول السادس او الى الاسطول السابع...
في مواجهة ايران، يمكن «استخدام» تركيا وباكستان ومصر(كلمة «استخدام» مقصودة). هكذا يتم ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة ولو بالنيران...
عندما اطلقت المملكة «عاصفة الحزم»، اي كلام لم يقله قارعو الطبول، او ناقرو الدفوف (صحافيو الباريزيانا). اليوم صنعاء وغدا دمشق. بينهما بغداد وبيروت بطبيعة الحال. بعد عام على العاصفة، اين هي صنعاء بل واين هي تعز، لا بل اين هي حضرموت التي احتل تنظيم القاعدة عاصمتها المكلا، واين هي ابين حيث اجتاح التنظيم مدينتي زنجبار وجعار، واين هي عدن، حيث كل الثقل العسكري والسياسي، التي الليل فيها لـ«داعش» وللقاعدة؟
منذ البداية، كان التفاهم مع حسن روحاني افضل بكثير. لا باكستان جاهزة لتكون جزءا من العملية العسكرية التي كان يعدّ لها فعلا، ولا مصر، وحيث تفكيك الاهرامات يبدو اسهل من تفكيك الازمات، ولا تركيا التي لا تعنيها المصالح السعودية، ولا المصالح العربية، بأي حال، لا بل ان رجب طيب اردوغان لعب على كل الجبهات ليستعيد دمشق، و ليستعيد بغداد. هل كان السلطان ليترك الرياض، وحيث الدم الاسود الذي تغتذي منه السلطنة؟
ها ان اردوغان يجني ما فعلت يداه. لا ريب ان الاشقاء السعوديين يعملون جيدا ما قدمته الاستخبارات التركية لتنظيم الدولة الاسلامية، وحيث جيء بالخليفة ليملأ الفراغ، ودائما لحساب السلطان.
بدا وكأن الكرنفال العسكري بلغ حدوده القصوى. لتدق ساعة الكرنفال الديبلوماسي. بالرغم من كل الاستنفار. بدت السعودية وحيدة. الحلقة الدموية في اليمن، والحلقة الدموية في سوريا، وحيث فلاديمير بوتين هو صاحب الكلمة. الايرانيون لديهم مشكلاتهم الهائلة ايضا. لماذا لا يكون بناء الشرق الاوسط الجديد، بناء شرق اوسط جديد بأدوات قديمة، برؤى قديمة؟ هنا المشكلة...