تخشى اوساط اميركية عدة ان يتحول الصراع الضاري بل الحرب الشرسة بين المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة والارهاب الذي اتخذ طابعاً اسلاميا بعد تحرير التيار الجهادي الإسلامي افغانستان من الاحتلال السوفياتي،
ومساهمته في انهيار الاتحاد السوفياتي لاحقاً، ان يتحول صراعاً بل حرباً بين الغرب والعالم الاسلامي. فهذا العالم يعدّ ما بين مليار وثلاثمئة مليون شخص ومليار واربعمئة مليون. ثمانون في المئة من هؤلاء او ربما اكثر بقليل ينتمون الى السنة الذي هو مذهب الغالبية. في حين ينتمي الآخرون اي الاقلية الى المذهب الشيعي. والعدد المذكور اعلاه مرشح للارتفاع وفي سرعة لاسباب متنوعة اهمها الدين الذي يحرم الاجهاض وتحديد النسل ويبيح تعدد الزوجات. وعند المذهبين الاسلاميين المذكورين هناك تيارات اصولية سلفية ومتشددة يطمح اعضاء كثيرون فيها الى الاستشهاد دفاعاً عن امة الاسلام وراية الاسلام وحقوق المسلمين، لكن يبدو من متابعة الاوضاع في العالم الاسلامي ان عدد الأصوليين والاستشهاديين لدى السنة كبير جداً وان التيارات التي ينتمون اليها تستطيع ارسالهم الى اماكن عدة في العالم في الوقت نفسه بغية المشاركة في الصراعات الدائرة فيه. في حين ان عدد الأصوليين والاستشهاديين لدى الشيعة اقل من ذلك بكثير. ولهذا السبب فان وجهة ارسالهم للجهاد من التيارات التي ينتمون اليها يقتصر على الاماكن التي فيها وجود شيعي وان على شكل اقلية علماً انهم قد يرسلون ايضاً الى اماكن لا وجود شيعياً فيها لكن الخطر منها على الشيعة والقوى الكبرى التي تمثلها وعلى اهدافهم كبير وكبير جداً. ولا تعتقد الاوساط الاميركية المشار اليها اعلاه ان ما تقوم به الادارة الحالية في الولايات المتحدة وربما اي ادارة مقبلة فيها من اجل اقناع المسلمين بانها والغرب لا يناصبانهم العداء وانهما لا يستهدفان الاسلام بل قلّة مسلمة تمارس الارهاب باسمه وانهما مع تلاقي الحضارات والثقافات والديانات وليس مع تصادمها سوف يساعد في تهدئة المزاج الاسلامي العام حيالهما او في التخفيف من الغضب الاسلامي عليهما والحقد الملازم له. ولا تعتقد ايضاً ان تعاون كثير من الانظمة في العالم العربي والعالم الاسلامي مع الغرب وزعيمته اميركا في مكافحة الارهاب الاسلامي الاصولي سيؤدي الى نتيجة حاسمة. ذلك ان تحول الاصولية الاسلامية مدّاً كبيرا في ديار المسلمين لم يعد بعيداً وان احتمالات قيامه بجرف المفاهيم المناقضة له من داخل المجتمعات والانظمة التي تقاومه بالتعاون مع "الخارج الكافر" سوف تكون واردة وواردة جدا. وهذا امر تعرفه الانظمة المذكورة وتحاول تلافيه. لكنها لا تعرف طريقة ناجحة لذلك ولا وصفة سحرية، اذ هناك نوع من الطلاق قام بينها وبين قادتها والتيارات الاصولية المتطرفة وقادتها وصارت هي هدفاً في ذاتها. ولا احد يعرف اذا كانت تستطيع الدفاع عن نفسها يوم تحين الساعة فضلا عن ان الولايات المتحدة بل العالم الغربي كله لا يستطيع ان يمدها بأي من اسباب المساعدة. وكل ما يستطيع ان يفعله في حال كهذه هو انتظار التطورات والتعامل معها بعد استقرارها اذا استقرت سواء بايجابية او بسلبية وذلك تبعا لمواقف الذين قاموا بها. وتبني الاوساط الاميركية اياها عدم اعتقادها بنجاح الغرب وانظمة اسلامية كثيرة في مواجهة تفشي الاسلام الاصولي والجهادي في شعوبها على اقتناع ناجم عن ملاحظة وخبرة اكثر منه عن دراسات علمية. وهذا الاقتناع يشير الى ان نحو خمسين في المئة من المسلمين لا يدعمون الغرب وسياساته ودياناته ولا يدعمون في الوقت نفسه الاصوليين المتشددين الذين يمارسون الارهاب. ويشير ايضا الى ان أربعين في المئة منهم يكرهون الذين يخالفونهم العقيدة والايمان والدين وحتى المذهب. ومن الأربعين الثانية هذه يطلع الاستشهاديون والانتحاريون. اما العشرة في المئة المتبقية فتضم جماعات لا تمانع في التعايش مع الآخر المختلف ليس لونا او عرقا بل ديناً وحضارة. هل من انعكاس للواقع المفصل اعلاه على تبسيطه على الوضع في لبنان؟ تخشى الاوساط الاميركية اياها ان يكون لتدفق "المجاهدين" والارهابيين السنة على لبنان لجعله ساحة قتال اثر في دفع مسيحيين لبنانيين الى الالتقاء مع المسلمين غير السنة، على اصولية قسم كبير منهم على التحذير من "اسلمة" لبنان على ايدي السنة "الحاكمين" فيه. لكن ما يخشاه اللبنانيون هو ان يكون هناك في المنطقة وداخل لبنان من يخيف المسيحيين من السنة بوسيلتين. الاولى، تسهيل دخول الجهاديين السنة الى لبنان وتشجيعهم على خوض معارك والقيام بعمليات والدعوة الى تغيير جذري وشامل لوجه البلاد. والثانية، توفير ظروف التلاقي بين المسيحيين والمسلمين غير السنة ثم التحالف. والخشية المذكورة في محلها لكن نجاح اصحاب مخططات الفرز المذهبي والمعادلات الثنائية ليس مضمونا، اذ ان المضمون هو تسببهم بجعل كل المذاهب والطوائف اكثر راديكالية وجذرية الامر الذي يدفعهم الى الحرب. فهل هذا ما يريدون؟ ربما نعم. لان ذلك هو الوسيلة الوحيدة للانتقام من لبنان لتدميره او للسيطرة عليه وان اشلاء او لاقناع العالم بالتخلي عنه لانه لا يستحق البقاء.