أثارت الوفاة المفاجئة للنائب أحمد الجلبي رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي ورئيس المؤتمر الوطني العراقي، جدلاً حول طبيعتها وتوقيتها، ما قد يؤدي إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للكشف عن شكوك في اغتيال الجلبي، وللتحقيق في وثائق كشف عنها تسببت هي كذلك بجدل واسع لتعلقها بملفات فساد ضخمة أحدثت خضة كبيرة في المشهد العراقي المزدحم بالأزمات، وفي مقدمها تفشي الفساد في مؤسسات الدولة العراقية.
فقد انصب جهد الراحل الجلبي في الآونة الأخيرة على كشف المستور من حالات الفساد ومنها قضية تهريب مليارات الدولارات الى خارج العراق عبر شركات مالية وهمية، وكان ذلك من أبرز القضايا التي عكف عليها السياسي العراقي الراحل.
ويتزامن الكشف عن ملفات الفساد التي كانت بحوزة الجلبي مع تحركات الحكومة العراقية الرامية لامتصاص نقمة العراقيين من انتشار الفساد ودعوتهم لمطاردة الرؤوس الكبيرة المتورطة، وهي مطالب ما زالت تتصدر احتجاجات العراقيين أسبوعياً، الأمر الذي قد يدفع برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى اتخاذ إجراءات جدية للتحقيق في كل ما يتعلق بملفات الفساد.
وكشفت وثائق الجلبي التي يتم نشرها حالياً على دفعات، عن تورط مكاتب صرفة جديدة باستنزاف المليارات من خزينة الدولة ما أدى الى خواء الخزينة وتعطل مشاريع اقتصادية وخدماتية كثيرة وكذلك القضايا المتعلقة بما يُعرف بـ»المشاريع المتلكئة» وهي مشاريع صرفت عليها المليارات ومئات الملايين من الدولارات ولم تُنجز بالرغم من مرور سنوات على المواعيد المفترضة لإنهائها، وبينها مشاريع تتعلق بإنتاج الطاقة الكهربائية وأخرى تابعة لأمانة بغداد ولعدد من المحافظات.
ويملك الجلبي من خلال وثائقه التي رفعت عنها السرية بعد وفاته، معلومات عن شخصيات وقوى ودول ضالعة في عملية نهب العراق عبر مزاد العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي، إذ أفصحت الملفات التي كان ينوي زعيم المؤتمر الوطني الراحل كشفها للرأي العام قبل وفاته، عن حالات الفساد في المؤسسات الحكومية ومن بينها دور إحدى شركات التحويل المالي التي تتعامل مع البنك المركزي على أنها شركة للصرافة، لكنها في الأساس شركة للتحويل المالي وغير مسجلة في وزارة التجارة العراقية.
ويؤشر الراحل الجلبي في كتب عدة أرسلها للبنك المركزي العراقي الى أوجه الفساد في تعامل الشركة التي تدعي ارتباطها بشركة صرافة أردنية، وهو ما لم تثبت صحته، فيما تشير وثائق أخرى الى تحويل أحد البنوك العراقية مبلغاً يصل الى 6 مليارات و455 مليون دولار الى حساب في أحد البنوك الأردنية خلال 3 سنوات ليتم بعدها تحويله الى شركة صرافة عادية لينتهي الأمر الى تحويله لجهات غير معروفة.
وتؤكد الوثائق تورط مصارف عراقية عدة بتهريب العملة الأجنبية من خلال مزاد بيع الدولار في البنك المركزي العراقي وتحقيق أرباح وغسيل أموال بالتعاون مع شركات تحويل مالي وصرافة في الأردن والإمارات وتركيا، مشيرة الى أن عشرات المصارف العراقية تقوم بعمليات تحويل الأموال بشكل غير شرعي، موضحة أن مخاطر كبيرة تحدق بالعراق بعد أن بدأ البنك المركزي العراقي باللجوء الى بيع الدولار من احتياطي البنك بعد أن أصبح دخل العراق من الدولار من مبيعات النفط أقل من بيع الدولار بالمزاد، مما قد يعرّض احتياطي العملة الأجنبية في العراق الى الخطر.
وأثارت الوثائق الخطيرة التي عكف الراحل الجلبي على جمعها خلال السنوات الماضية ردود أفعال واسعة في البرلمان العراقي، إذ شدد عماد الخفاجي المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان سليم الجبوري على أهمية البحث في الوثائق المتعلقة بملفات الفساد التي طرحها الجلبي للاستفادة منها في محاربة الفاسدين ودعم الإصلاحات.
وقال الخفاجي إن «الوثائق المتعلقة بملفات الفساد التي طرحها الراحل الجلبي قبل وفاته تشكل جزءاً من أرشيف اللجنة المالية التي كان يرأسها»، مشيراً إلى أن تلك «الملفات موجودة لدى اللجنة المالية البرلمانية ولم يكن الراحل الجلبي يتعامل معها باعتبارها ملكاً شخصياً له».
وأضاف الخفاجي أن «الجلبي أعلن مراراً وجود تلك الملفات في اللجنة المالية وعزم اللجنة على متابعة كل من يشك بعلاقته بها»، عاداً أن من «واجب اللجنة المالية البرلمانية الآن مواصلة البحث في تلك الوثائق وغيرها من الملفات ذات الصلة للاستفادة منها في محاربة الفاسدين ودعم الإصلاح في العراق».
وأعلن النائب محمد الكربولي عن تحالف القوى السنية عزم البرلمان تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن الشكوك باغتيال أحمد الجلبي والتحقيق بالوثائق التي كشف عنها.
وقال إن «الجلبي لديه ملفات مهمة وهذا يعطينا مؤشراً لفتح ملف حول الأموال التي تم تهريبها خصوصاً ملف البنك المركزي والتحويل عن طريق البنوك الأهلية». وأضاف أن «مجلس النواب سيشكل لجنة تحقيقية لمتابعة ملف الفساد الذي كان الجلبي يترأس لجنة بشأن كشفه والشكوك وراء عملية اغتياله والمستفيد من ذلك«، مبيناً أن «الجلبي سلم رئيس البرلمان ملفاً كاملاً عن قضايا الفساد المالي».
وأشار الكربولي الى أن «الجلبي كان يمتلك صحة جيدة وأن هناك أصابع اتهام تشير الى تورط مافيات باغتياله بعد عزم الجلبي فتح ملفات الفساد»، داعياً الحكومة الى «التحرك والاهتمام بالموضوع».
كما حذرت لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية على لسان رئيسها النائب جواد البولاني من خطورة «تسويف» الوثائق المتعلقة بملفات «الفساد» التي طرحها الجلبي على الاقتصاد العراقي، داعياً الجهات الرقابية والمسؤولة إلى متابعتها بنحو جدي بالاستعانة بشركات استشارية أجنبية لمعالجة التداعيات التي كشفتها.
يُذكر أن زعيم المؤتمر الوطني العراقي دفن الجمعة الماضية بمرقد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) في مدينة الكاظمية (شمال بغداد) بعد حصول عائلته على موافقة مراجع دينية بارزة بعد أيام من وفاته التي أثيرت حولها شكوك كبيرة دفعت بعائلته الى الاستعانة بخبراء تشريح أجانب لمعرفة أسباب وفاته المفاجئة.
وكان الجلبي يُعد من أبرز الداعمين للغزو الأميركي للعراق سنة 2003، وسعى إلى إقناع الإدارة الأميركية بهذه الخطوة ووصفته بعض الأوساط الإعلامية والسياسية بـ«عراب الغزو الأميركي للعراق«.
عن المستقبل