عندما شاهد العالم تدفق آلآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوربا ، كان الكثير من هنا و هناك يسألون ، إلى متى سوف تبقى معاناة الشعب السوري ؟ وإلى متى سيظل الجسد السوري ينزف دماً والبلد يُحطم ؟ ، وكيف يمكننا مساعدة الشعب السوري في إيجاد حل لمشاكله المتعددة ؟
، وفي سُلم الأولويات تكون الإجابة من وحي هذه التراتبية السياسية التي : أولها : كما قالوا هو - في تشكيل إتئلاف من الحكومة والمعارضة الوطنية يكون قابلاً للحياة ، و يمكنه التوصل إلى حل عبر الحوار والمفاوضات المباشرة - ، وهذا الكلام جاء وفقاً لمقتضيات جنيف 1 سنة 2012 ، جنيف واحد قالت : على أطراف النزاع في سوريا القيام بتشكيل حكومة إنتقالية من االحكومة والمعارضة - ، لكن هذا القول لم يرق للبعض ممن أعترضوا على وجود بشار الأسد وعلى الدور الذي يمكنه القيام به - من أجل هذا ومن أجل مصالح أقليمية تعطل جنيف واحد ولم يعمل - ، مع إن أمريكا لم تُمانع بوجود دور ما للأسد في تلك المرحلة ، ولذلك كانت قد سحبت في ذلك الحين شرطها لرحيل الأسد كشرط مسبق للتفاوض ، وإيضاً من جانب أخر لم يكن الرئيس الأسد لم يكن في تلك الفترة مستعدا لمفاوضات حقيقية وجادة نظراً للوضع العام وما يحيط به ، وكانت المعارضة آنئذاك تعيش أحلاماً وردية رفعت معها سقف مطالبها لتنحي الرئيس ، وفي ذلك الوقت أيضاً كانت القوى الإرهابية تزداد نفوذاً ونمواً مستفيدة من الشحن الطائفي والتسويق الإعلامي والجهد الإقليمي ، إضافة إلى القناعة التي بدت واضحة لدى الدول المعنية في إن المعارضة الوطنية لا تشكل قوة فعلية على الأرض تستطيع معها فرض شروطها ومطالبها ، مما ساعد في هيمنة القوى الإرهابية المسلحة على الساحة ، مستفيدة من الدعم الذي حصلت عليه من بعض الدول من أسلحة وأموال مما زاد في تعقيد الأزمة وصار مفهوم الحل الوسط أعني - ممتنعاً ، لهذا أوصدت هذه القوى مبادرة جنيف واحد من خلال زيادة نسبة المطالب وتصعيدها ، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك إتجاه واضح من قبل المجتمع الدولي لتشكيل تحالف في ضرب القوى الإرهابية والمتمردة ، فتراخت قضية الحشد الدولي أو التحالف الدولي لما كان له من أثر سلبي في معالجة قضية ليبيا وقتل القذافي ، نعم كانت فكرة تشكيل تحالف دولي في هذا الشأن أقل تحدياً نظراً لما أحدثه التحالف ضد القذافي من نهايات غير مطمئنة بالمرة ، وفي ذلك الوقت كانت روسيا تمنع من خلال مجلس الأمن أية إجراءات عسكرية كان يطالب به البعض لخنق سوريا وحصارها كما فعلوا بالعراق ، وبهذا حفظت موسكو دمشق من السقوط والإنهيار تلافياً لما كان سيحصل ، وهذا الموقف من موسكو أثبت نجاعته ومنهجيته ونجاحه بإمتياز ، وهذا الموقف الروسي أغضب حلفاء واشنطن السنة وبدى وكأن هناك تناقضاً بين واشنطن وموسكو حول مستقبل سوريا ، إن ما يثير قلق صُناع السياسة هو في الضمانات الأمنية والإستراتيجية للمنطقة ، والأمر المُثار هنا في تلك الزوبعة عن إمتلاك إيران للقدرات النووية ، مع إن الأمر بحسب الواقع لا يتعدى سوى الجوانب الفنية والسلمية ، وفي ذلك الشأن كانت تجرى مفاوضات عسيرة وشاقة ، إذن لم يكن ممكناً القبول بجنيف واحد من دون تهيئة الأرضية الطبيعية والموضوعية لذلك الأمر ، هذا إذا أخذنا بنظر الإعتبار موقف الأقليات الدينية والعرقية في سوريا وخوفها من بطش الحركات الإرهابية المسلحة ، والتي كانت تهدد كل يوم بذبح المسيحيين والشيعة والعلويين والدروز ، كان الهاجس لدى الدولة موجوداً مع فقدان الضمانات الراسخة ، ويقيناً لم يكن ممكناً توفير ضمانات من دون سلطة الرئيس الأسد فهو القادر على حفظ التوازن وعدم طغيان الأكثرية هذا ما ترآه جميع الأقليات في سوريا ، وهذه المعضلة جعلت من المتشددين التمسك بخيار القتال مع ما يكلف من دمار وقتل معتقدين إنهم بذلك يحققون مايريدون بايديهم ، ونسوا إن الشعب والجيش السوري أتخذ خياراً بموقفه مع الحكومة الرسمية ، وهذا عنصر مضاف زاد في حنقهم وكرههم للشعب والجيش السوري ، أضف إلى ذلك الصراع الطائفي السياسي بين السعودية وإيران مما أربك فرص الحل لدرجة كبيرة ، ولا ننسى دور أردوغان وحلمه في التأسيس للسلطنة وأمبرطوريتها على حساب المتاجرة بالدم السوري ومعاناته ، لذلك كان التوصل إلى حل تفاوضي في سوريا غير ممكن وفرصه ليست كافية ، نعم كان رهان تركيا على الحرب في سوريا ظناً منها أنها سوف تخسر كل شيء اذا خسروا الحرب ، كانت اللعبة السياسية تجري على هذا الأساس ولما فشل حزب أردوغان في الإنتخابات الماضية ، وأعتقد إن الغرب كان وراء فشله حضر لعمل هزة في وجدان المجتمعات الغربية من خلال السماح لمخابراته بدفع تلك الموجات من البشر نحو أوربا ، كعوامل ضغط تسبق الإنتخابات القادمة لكي يتلهى الغرب بمعاناته الإقتصادية مع ورطة اللاجئين ، وهي ورطة في الحقوق في الحاضر وما تشكله من عبء في المستقبل على طبيعة المنظمومة الثقافية والمجتمعية في أوربا ، ولهذا أتفقوا على ان يكون دور روسيا أكثر فاعلية من الموقف السياسي ليكون داعماً ومساعداً في العمليات العسكرية ، وهي الخطوة التي باركناها وأعتبرناها بمثابة - ضربة الجزاء - التي وجهت لبعض اللاعبين في المنطقة ، ومن خلالها يمكن العودة أو توسيع دائرة العمل بمقتضيات جنيف واحد ، ومن هنا قدمت روسيا نفسها على انها الدولة الحريصة على بقاء سوريا دولة واحدة موحدة هذا طبعاً بمساعدة إيران والحكومة السورية ، وسوف لانستبق الاحداث لكننا نأمل ان لا نوفر لتركيا نفوذاً في شمال سوريا .وثانيها : هو تقسيم سوريا إلى دويلات منزوعة السلاح ، كأن يكون للعلويين دولة في الساحل إلى دمشق بمحاذات الحدود مع لبنان ، ودولة للسنة في البادية والمناطق الشرقية ، ودولة للأكراد وهذا الذي ترفضه تركيا من رأس ، وتقسيم الحدود الأدارية مما يفقد الجميع الشرعية والقوة .وثالثها : سوريا المتحدة حيث ستتولى القوات المسلحة مسؤولية الأمن وإدارة المناطق ، والسؤال هو ما هو الضمان الفعلي الذي من شأنه أن يحفظ هذه الدولة بالفعل ؟ ، إن التوصل إلى حل للقضية السورية يبدو الآن ممكناً في ظل الإنكسار والتشتت في قدرة القوى الراديكالية المتطرفة ، وكذا في رغبة الدول في نهاية الحرب لما تسببه من اضرار ليس على المجتمع والأرض السورية ، إنما على الصعيد الدولي وهذا ما نلاحظه من خلال الهجرات الكبيرة التي ستغير الديمغرافيا الوطنية في البلاد الأوربية على المستوى القريب ، ولكي نكون واقعيين أكثر في حماية سوريا والعراق والمنطقة العربية يجب ان يكون هناك شعور بالثقة بين أطراف فاعلة ومؤثرة ، إن من الأهمية بمكان التشديد على فتح الحوار المعمق بين دول الأقليم المحيط بسوريا والعراق ، فالصراع هناك محصلته الكلية صفر نتيجة للخسائر في الممتلكات والارواح .