مقاتلون من اكثر من ثمانين دولة، اكثر من 1200 فصيل مسلح، اكثر من 20 دولة في الميدان، إن بالرجال او بالمال او بالاعتدة او بالخدمات اللوجيستية والاعلامية، او بالاعداد الايديولوجي، او حتى بالصراخ على الشاشات (او على المقابر). اي من الميتولوجيات القديمة او الحديثة شهدت مثل هذه الحرب؟
قال الفرنسي آلان رينيه، مخرج «هيروشيما حبيبتي» (1958) «لكأن احدهم حمل الجحيم على ظهره والقى به في هذه المدينة». هنا لكأن احدهم حمل الجحيم على ظهره والقى به في...سوريا؟ بحثاً عن مُخرج من اي مكان في هذا العالم يضع فيلما بعنوان «سوريا حبيبتي». لا تستحق سوريا كل هذه الكراهية، ولا كل هذا الخراب، هل هي قهقهات يعرب بن قحطان، وبهؤلاء الاحفاد الذين يندى لهم الجبين ام هل هي قهقهات يوشع بن نون، وبهؤلاء الاحفاد الذين تندى لهم حتى الاحذية؟
الدولة تبعثرت او تناثرت. النظام وصل الى الحافة، الجيش الذي استنزف وحارب على مئات الجبهات، الحل السياسي مستحيل. الحل العسكري مستحيل. ظهر فلاديمير بوتين ليقول بالحل الثالث. مثلما السوخوي تشق الطريق الى ادلب وحلب ودير الزور تشق الطريق الى... جنيف.
وقال سيرغي لافروف ان الهيئة الانتقالية مهزلة. وقسطنطين زيفكوف، استاذ العلوم السياسية في اكاديمية الدراسات الاستراتيجية في موسكو، يسخر من الصيحات المنددة بالسياسات الروسية حيال سوريا. هؤلاء الذين حولوا سوريا الى حطام. ماذا يبتغون اكثر من ذلك؟
بمنأى عن النظام واهل النظام. سوريا لم تعد في مهب الريح. الجيش الذي هو جيش الدولة لا جيش النظام كما لو انه ولد من جديد. المعنويات ارتفعت على نحو استثنائي بعدما وجد نفسه وحيدا يواجه كل تلك الجحافل التي تخرج حتى من باطن الارض. القاذفات الروسية لم تأت من بلاد الصقيع من اجل الكرنفال. مضحك جدا ما حققته غارات التحالف على مدى اكثر من عام. الغارات الروسية فعلت على الارض في ثلاثة ايام ما فعلته قاذفات 49 دولة في غضون 400 يوم...
القاذفات هي التي تنطق الان. حلقت عند الحدود التركية لتقول لرجب طيب اردوغان ان لعبة المهرج (او السلطان) قد انتهت، كما لو ان الاخضر الابراهيمي لم يقل في بدايات الازمة ان الحرائق السورية ستمتد الى بلدان الجوار وتحرق الاخضر و اليابس، ولكن دون ان يتمنى عليه وقف نشاطات اجهزة استخباراته التي كانت تنقل المقاتلين من اصقاع آسيا كما من اصقاع اوروبا، وبتمويل عربي، من اجل ان يدمروا سوريا واهل سوريا...
في اليوم نفسه الذي حطت فيه قاذفات السوخوي في سوريا، كان هناك سفير عربي يتباهى بأن الليلة الافغانية قد بدأت على الارض السورية، بالحرف الواحد تحدث عن تورا بورا سورية، ليقول ان صواريخ ارض -جو متطورة جدا ستكون في يد «الثوار» خلال 48 ساعة. وللعلم فقط،فإن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ابلغ اكثر من نظير له في المنطقة بأن اي خطوة من هذا القبيل تعني اعلان الحرب على روسيا.
وقيل لاكثر من حاكم عربي ان القيصر لا يلعب، لا على الارض ولا في الجو، مع اسداء النصيحة بعدم الرهان على «جيش الفتح» (جبهة النصرة واخواتها)»لاننا سنطارد هذا الكوكتيل المبرمج استخباراتيا كما نطارد تنظيم الدولة الاسلامية».
بعبارة اخرى، القيصر لم يأت الى سوريا ليغرق فيها. لا ينظر الى النظام السوري على انه نظام مقدس، وقد اُخذ البعض من اهله بجاذبية الحرب وبموبقات (وآثام) الحرب، لكنه يسأل عن النظام في المنطقة الذي ارسى المفاهيم الحديثة، وحتى القديمة، للديمقراطية وللعدالة وللحرية ليكون المثال الذي يحتذى.
زيفكوف قال «حتما يستحق الشعب السوري الديمقراطية، لكنها، بالتأكيد، ليست ديمقراطية القرون الوسطى»، ليكشف ان موسكو لا تريد العداء مع المملكة العربية السعودية، لكن الحرب في اليمن كما في سوريا هي حرب ابدية اذا تركت الايديولوجيات العاصفة تلعب في كل الاتجاهات، واذا ظنت بعض الاجهزة، كما بعض الدول، ان باستطاعتها استخدامها لاغراض تكتيكية.وقال» ليس هناك من عاقل يدغدغ ظهر التنين».
واذا كان البعض يعتبر ان الانتصار العسكري في اليمن، وهو مستحيل بكل المقاييس بالرغم من التراجع الدراماتيكي للحوثيين الذين «انفلشوا» عشوائيا على كل الاراضي اليمنية، يفضي، تلقائيا، الى الانتصار العسكري في سوريا، فهنا الخطأ القاتل.
الروس يرون انه في ظل التأجيج المذهبي الهائل كما لو انه تأجيج العدم، وفي ظل شعور بعض الانظمة انها تخوض صراع البقاء، ولا سبيل امامها سوى الحرب المذهبية، لا مجال البتة لاي حل في ساحة الوغى. الحل في ردهات المفاوضات، ولكن بعد تقطيع اوصال البرابرة...
الجنرالات الروس الذين باتوا جزءا من غرف العمليات في سوريا، وشاركوا في ادارة المعارك، تتركز خططهم على تنظيف المفاصل الجيوستراتيجية من التنظيمات المتطرفة التي ستجد نفسها داخل حلقات مقفلة، وقد فقدت المزايا اللوجيستية والميدانية على السواء...
استطرادا ، لا تجزئة لسوريا. هل تريدون تمضية ليلة رأس السنة في دمشق ام في حلب ام في... دير الزور؟