الأقرب الى المعقول زحزحة جبل صنين. الأقرب إلى اللامعقول زحزحة النظام اللبناني. بالأحرى زحزحة الطبقة السياسية. ثمة كونسورتيوم فولاذي انتجته الحرب الأهلية وكرسه السلم الأهلي الذي يرتبط ، جدلياً وعضوياً وحتى فلسفياً، بذلك الكونسورتيوم..
في هذا البلد الذي قال فيه لامارتين «.. وحيث تضاجع الأرض القمر» تنتفي اي استراتيجية أخرى سوى استراتيجية بقاء أهل السلطة الى الابد. ثمة اصطفاف فولكلوري، وخادع، حيث الساسة يلعبون على كل الحبال وعلى كل المحاور. من هو ضالع في الفساد، ومن هو شريك للضالعين في الفساد.
إذاً أين الايدي النظيفة هنا؟ من يعترض السكاكين في انتظاره. أعقاب البنادق، ربما السواطير حين لا تعود الشوارع مستودعاً للشعارات، وحيث يشعر أهل السلطة أن ما يحدث في الداون تاون ليس سوى كرنفالا أو مهرجانا للباحثين عن الضوء، وعن الكاميرا، حتى في صناديق القمامة... .
مهما نفخت الشاشات، بانورامياً، في المشهد، لا يستطيع المتظاهرون ان يلامسوا جدران «العتبات المقدسة» (مع الاعتذار من المعنى الاصلي للعبارة). هنا انصاف ملوك ونزلوا للتو من السماء. عفواً من المريخ. ألم يقل روبرت كاغان عن الاوروبيين باعتبارهم الدرجة الثانية بعد الاميركيين (هكذا يغدو اريسطو وكانط وهيغل اقل شأناً من كوندوليزا رايس أو هنري كيسنجر) «نحن ابناء المريخ وهم ابناء الزهرة؟»
البعض يذكر رائعة حان بول سارتر «الكائن والعدم». عندنا الساسة هم الكائن والناس هم العدم. أي شعب في التاريخ، وليس في العالم فقط، يستطيع أن يتحمل تلك الكمية من الدين العام؟ احد الخبراء قال «كما لو أن فيلاً يمتطي ظهر دجاجة؟».
وأي شعب في التاريخ يستطيع أن يتحمل اللاكهرباء على مدى ربع قرن من الزمان؟ تصوروا ان يلقى كل ذلك العبء على وزير من قياس ارتيور نظريان.
يا صاحب المعالي ماذا تفعل هناك سوى انك شاهد زور، وتبشرنا بثلاث ساعات اضافية من التغذية؟ لعلك تعلم ان اليوم اللبناني مائة ساعة، مائة ساعة من العتمة، عتمة القلب، وعتمة الروح، وعتمة الأفق.
لا، لا، نظريان ليس شاهي برسوميان، الوزير الذي اعتقل بعدما تلطخت يداه، يداه الصغيرتان ، ماذا عن الايدي الكبيرة؟ أصحاب الايدي الكبيرة الذين يحاولون اقناعنا بأنهم يمسكون بالكرة الأرضية. بالكاد يمسكون بحفنة من التراب....
أجل، يائسون، والذي يحدث في الداون تاون هو الكرنفال ، مع ان كلمة « ابو رخوصة»، وحيث الازدراء المعيب، والرهيب، للفقراء ، ولكل الناس، يمكنها زحزحة جبل صنين، أجل جبل صنين، من مكانه. ذات يوم، كان هناك سياسي متعجرف وقال، لدى عزوفه عن ترشيح نفسه للإنتخابات النيابية «بإمكانك ان تشتري اللبناني بسندويش فلافل». وقال، بالغطرسة إياها، «... ويمكنك ان تجعله بين قدميك اذا لوحت له بصورة أحد القديسين أو باسم أي من الصحابة».
هكذا شعار البرج العالي، الذين يتربعون فيه كثيرون، ويسخرون من محاولة هونغ كونغ او هانوي. لا هونغ كونغ ولا هانوي بل لاس فيغاس. «أبو رخوصة». يا لعار اللغة. اي خجل اعترى اللغة ؟
لماذا نضع كل هذا على كتف الطبقة السياسية. مثلما هي من انتاج القناصل، وسواء كان القنصل من مقاس رستم غزالة أم من مقاس ديفيد هيل؟ نحن العاديين، الرعايا، الاتباع، الرهائن ، العبيد ، القهرمانات، الضحايا، نصفق لزعيم قد يكون صورة طبق الأصل عن غوار الطوشي، بقبقابه الشهير. أي نظام بديل يمكن ان ننتج، ونحن في تصدعنا في قاع الايديولوجيا، وفي قاع الاستراتيجيا؟
لماذا لا نعترف، بالرغم من اناقة متظاهرينا، متظاهراتنا بصورة خاصة وقد بهرن اشقاءنا في الجاهلية، بأننا بتنا اسرى الرؤية الميكانيكية لله، والتأويل الميكانيكي للنص. لاحظوا كيف نكتب، بأصابع باردة، باعصاب باردة، عن الصراع بين السنة والشيعة. من غيرنا بقيت الاضرحة عالقة في لاوعيه، فيما اللاوعي الآخر يحمل انساناً الى سطح القمر. نحن نحمله الى سطح.. الآخرة..
ثمة جمهورية، وحين تكون فديرالية الطوائف ، تكون فديرالية الكهوف. لا هونغ كونغ ولا هانوي، لا لاس فيغاس ولا مقاديشو، بل السيدة... تورابورا!!!
عن الديار